مقالات

«البالون المنفوخ» ينكأ الجراح بين الجزائريين والمغاربة… التطبيع حرام أم حلال؟!

بيدر ميديا.."

«البالون المنفوخ» ينكأ الجراح بين الجزائريين والمغاربة… التطبيع حرام أم حلال؟!

 الطاهر الطويل
 

 

أكان لا بدّ من هذا “البالون المنفوخ” حتى يزداد لهيب الشرخ بين الجزائريين والمغاربة اشتعالا؟
هل من الضروري أن تُنكِّئ كرة القدم الجراح بين الجيران، عوض أن تؤدي إلى التقارب في ما بينهم؟
ومَن له مصلحة في استمرار إشعال الفتن بين الشعبين اللذين كانا يرددان باستمرار أنهما “إخوة”؟
ما شهدته وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة من حرب كلامية بين جزائريين ومغاربة أمر يندى له الجبين، إذ لم تقتصر المسألة على السخرية والتهكم من هذا الطرف تجاه الآخر، بل وصلت إلى مستوى منحط من السباب والتجريح والطعن في الأعراض لدى البعض.
الأدهى والأخطر أن إعلاميين معروفين ساهموا في هذه المهزلة، غير مدركين أن مثل ذلك السلوك يسيء إلى أنفسهم، قبل أن يسيء إلى “خصمهم” المفترض؛ فالمطلوب في الإعلامي الحقيقي أن يرتقي عن لغة الدهماء، بحكم كونه (نظريا) منتميا للنخبة التي تحمل مشعل التنوير.
لماذا قامت كل هذه القيامة؟ قامت بسبب منافسات كأس أفريقيا لكرة القدم، إذ ترك الكثيرون أجواء المباريات المنقولة عبر القنوات التلفزيونية، وأشعلوا حربا لم تخمد بعد. وكأن المغاربة والجزائريين لا مشكلات داخلية لهم، فصاروا يبحثون عن الانشغال بالتنابز بالألقاب.
هكذا هي الشعوب المستضعَفة؛ تنقاد بسهولة أحيانًا إلى السفاسف، وتنشغل عن واقعها المرّ بمعارك وهمية. ومن ثم، يلاحَظ أن منافسات كرة القدم تعدّت كونها مناسبات للفرجة والاستمتاع والتنافس الشريف، إلى اعتبارها أداة من أدوات الإلهاء وتغذية الأحقاد!

التطبيع مع إسرائيل!

عاد موضوع التطبيع العربي المتسارع مع الكيان الصهيوني إلى واجهة النقاش السياسي على بعض القنوات التلفزيونية العربية، مثلما فعلت قناة “المغاربية” منذ ثلاثة أيام على هامش زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى جمهورية مصر العربية ولقائه بنظيره عبد الفتاح السيسي.
طرح الناشط يحيى بونوار مفارقة جديرة بالانتباه، فبينما تتهم السلطات الجزائرية المغرب بكونه طبّع علاقاته مع إسرائيل، يلفت الانتباه إلى أن مصر “رائدة” التطبيع، وسبق لها أن حاصرت غزة، وأغلقت الأنفاق في وجه سكانها، وحالت بينهم وبين المؤونة. فكيف يردد قصر “المرادية” أن لديه تطابقا في وجهات النظر مع القاهرة؟ معنى ذلك أن الجزائر تؤيد العلاقات القائمة بين مصر وإسرائيل، وبين هذه الأخيرة ودول عربية أخرى؛ لكن الجزائر ترفض وجود علاقات مشابهة لدى المغرب. فهل التطبيع حرام هنا… حلال هناك؟ أفتونا بالله عليكم!
“العلاقات بين الدول أمر سيادي تقرره كل دولة وفقا لمصالحها وأولوياتها، ولا يجوز لأي أحد التدخل في هذا الأمر”؛ كلام صريح ردده السفير المصري في الرباط في حوار صحافي. وكان لتوقيت نشر الحوار دلالة خاصة جديرة بالانتباه، إذ تزامن مع زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر.
ولم تكن تلك الإشارة الوحيدة في الحديث الصحافي الذي تناقلته قنوات عربية وعالمية ومنابر مختلفة، فقد تضمن أيضا تأكيد الدبلوماسي المصري على دعم بلاده لمغربية أقاليم الصحراء ولمخطط “الحكم الذاتي” فيها؛ ما شكّل صدمة لدى الأوساط الجزائرية الرسمية.

حوار غير متكافئ!

قضية التطبيع المغربي حضرت أيضا في برنامج “الرأي الحر” لصاحبه التونسي صالح الأزرق، حيث تحدث عن وجود في “فتور” في العلاقات بين الرباط وتل أبيب، ما يقضي على “أحقية” المغرب في الصحراء، وفق قوله، بسبب ربط مسألة التطبيع بالاعتراف الأمريكي بمخطط الحكم الذاتي.
الأزرق لم يكن محايدا في مناقشة الموضوع، إذ أصرّ على مهاجمة المغرب والاستهزاء بموضوع مغربية الصحراء حينما أثاره مواطن متصل من المغرب. في المقابل، أفسح المجال واسعا للكاتب العام “للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع”، لكنه نسي أو تناسى أن يوجه سؤالا واضحا وصريحا للمتحدث نفسه الذي ينتمي إلى حزب “العدالة والتنمية”: كيف تقولون إنكم تناهضون التطبيع، وقائدكم السابق سعد الدين العثماني شارك في التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل، بصفته رئيسا للحكومة آنذاك؟!

هل البرلمان مساحة للتسخين؟

انبرى رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، مدافعا عن البرلمانيين الذين صاروا مسخرة أمام العالم، بسبب عدم قدرتهم على قراءة الأسئلة بشكل صحيح خلال الجلسات البرلمانية. وأرجع ذلك إلى حداثة عهدهم بالكاميرات والأضواء والوقوف للتحدث أمام الناس، لكن قال إنهم سيخرجون “أسودا” بعد نهاية الولاية البرلمانية!
كلام ردده المسؤول الحكومي الأول خلال استضافته في أول حوار تلفزيوني بثته القناتان المغربيتان الأسبوع الماضي.
ليت الرجل سكت إذا كان لا يعرف كيف يجيب. ألا يدرك معاليه أن البرلمان ليس ساحة للتسخين وللتمرين، بل إنه واجهة البلاد وصورتها أمام العالم؟ وماذا كان يضير الفرق البرلمانية أن تختار أحسن متحدث لديها لتكلّفه بمهمة طرح الأسئلة؟ لماذا ندقق في اختيار الفريق القومي لكرة القدم، مثلا، ولا ندقق في مَن يتولّى مهمة التشريع ومراقبة السياسة العمومية؟

صناع المحتوى الفارغ!

الاستسهال لا يقتصر على السياسة فقط، بل يشمل حتى مجالات التواصل والإعلام والفن، إذ أمسينا نسمع عن طفرة في “المؤثّرين”. وحين ندقق في ما يقولون عبر الشبكات الاجتماعية، نجد كثيرا منهم يركبون موجة الإسفاف والابتذال وإطلاق الكلام على عواهنه وإفساد القيم المجتمعية، فيصيرون “نجوما” بين عشية وضحاها، يكسبون آلاف المعجبين والمتتبعين، وتتهافت على استضافتهم قنوات إذاعية وتلفزيونية، بل وتُسند إلى بعضهم مهمة تنشيط برامج معينة!
إنه لأمر مخجل أن يغدو مقياس الكفاءة هو عدد المعجبين في “يوتيوب” و”أنستغرام” و”تويتر” و”فيسبوك”، وليس ما يتوفر عليه المرء من رصيد معرفي أو خبرة في مجال معين.
يُطلق عليهم “صناع المحتوى”، والحال أنه كان ينبغي إضافة “الفارغ” حتى يكتمل المعنى، وتزول الغشاوة عن أعين مَن يعتبرونهم “قدوة”، تحت إغراء ما يكسبون من أموال تضخّها في حساباتهم المصرفية شبكات التواصل الاجتماعي، تجسيدًا لإحدى وصايا “استراتيجية الإلهاء” التي تحدث عنها نعوم تشومسكي!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com