مقالات

عن روح الاسلام.

بيدر ميديا.."

الدكتور/عبد الحسين شعبان .

يعتبر القرآن جوهر العقيدة الإسلامية وهو كتاب أزلي “خالد” وغير قابل للتغيير شكلاً ومضموناً، فكيف يمكن والحالة هذه التعامل مع فكرة الحداثة ذات الطابع النسبي فيما يتعلّق بالحقيقة وتطوّرها المستمر، خصوصاً بما له صلة بإعادة صياغتها في ضوء التطوّر العلمي وبما يساعد على تحديثها؟

ومثل هذا الأمر يرتبط بالهويّة من داخل الإسلام ومن خارجه، خصوصاً حين تكون مهدّدة بالانغلاق والتقوقع  أو بالتذويب والتغريب. وتدور حول ذلك مقاربتان أساسيّتان تتعلّقان بقراءة النصوص، فالمقاربة الأولى تقوم على القراءة الحرفية، أي التمسّك بالنص بحذافيره دون الأخذ بعين الاعتبار متى قيل؟ ولماذا؟ وكيف؟ وماذا يُقصَد منه؟ بمعنى من المعاني عدم أخذ النص بسياقه التاريخي، باعتباره نصاً مقدّساً سرمديّاً، علماً بأن بعض النصوص تتوقف عند الأسباب التي قيلت في ظروفها، وجاء التطوّر لنسخها وتجاوزها.

المقاربة الثانية، تتعامل مع النصوص من موقع التفسير والتأويل، باستلهام روحها وليس حرفيّتها، وذلك بما له علاقة بالعقل والتطوّر التاريخي وسمة العصر ، والدين في نهاية المطاف هو دين العقل ، وما يتعارض مع العقل سيكون متعارضاً مع الدين، لأن العقل هبة ربّانية منحها الله للإنسان.

وفي هذا الإطار تبرز ثلاث اتجاهات:

الاتجاه الأول – الدين الأيديولوجي الذي يعتمد على التفسير الحرفي للنص، ويقود مثل هذا التفسير إلى سحب الماضي على الحاضر في محاولة لإحداث التوافق على الرغم من الفارق الزمني الذي يربو على 1400 عام. ومثل هذا الاتجاه ينغلق على نفسه ويرفض التطوّر بزعم التمسك بالنصوص بما يؤدي إلى التعصّب، وهذا الأخير ينجب التطرّف ، وحين يصبح التطرّف سلوكاً وينتقل إلى الفعل سيصير عنفاً، وحين يضرب العنف عشوائياً يتحوّل إلى إرهاب، وهذا الأخير يمكن أن يكون دولياً حين يصبح عابراً للحدود وهدفه إضعاف ثقة الدولة بنفسها وإضعاف ثقة المجتمع والفرد بالدولة أيضاً.

الاتجاه الثاني – الإسلام السياسي، وهو انعكاسٌ للاتجاه الأول، ولكنه يتعامل بصورة براغماتية تبعاً للمصالح السياسية الأنانية الضيّقة، ويبقى اتجاهاً أحادياً إطلاقيّاً لا يقبل الآخر ولا يقرّ بالتنوع والتعدّدية والحق في الاختلاف، وإذا ما وصل إلى السلطة سيكون أكثر تشدّداً وإقصاءً للآخر، ولا يتورّع مثل الاتجاه الأول في استخدام العنف والإرهاب بزعم إعلاء كلمة الإسلام.

أما الاتجاه الثالث – الاسلام الثقافي، فهو ينبع من تأويل جديد وقراءة عصرية للنصوص المقدّسة واستلهام روحها الحيوية وليس حرفيّتها. ويأخذ الإسلام الثقافي بممارساته وشعائره خصائص المجتمع الذي يعيش فيه ويتعامل معه، أي أن الإسلام الثقافي وثيق الصلة بالحضارة التي ينتمي إليها. وإذا كان الإسلام واحداً، إلّا أن ثمة خصوصية لكلّ مجتمع تؤثّر على تطبيقاته وممارسة تعاليمه، حتى وإن بقي الجوهر موحّداً، فهناك إسلام عربي وإسلام تركي وإسلام فارسي وإسلام باكستاني وإسلام أفغاني وهكذا، أي أن النصوص الإسلامية المقدّسة بما فيها القرآن الكريم تتمّ قراءتها وفقاً لخصائص المجتمع التي تُطبّق فيه بمراعاة تقاليده وعاداته وأعرافه ودرجة تطوّره الاجتماعي.

ولعلّ الدفاع عن الهويّة يتحوّل أحياناً إلى نوع من التعصّب والتطرّف كلّما زاد عن الحدّ، وهو ما يفسّر ظهور الإسلاموية أو الإسلاملوجيا أي استخدام التعاليم الإسلامية السمحاء بالضدّ من روحها بزعم الدفاع عن الإسلام بوجه الغرب ومحاولات التغريب. وقد حملت القوى الإرهابية الراية الأيديولوجية مثل تنظيمات القاعدة و داعش و جبهة النصرة “جبهة فتح الشام” وأخواتهم، مستندةً إلى التعصّب والتطرّف بسبب الإحباط والقنوط وفشل الدولة الوطنية بعد مرحلة الاستقلال و التحرّر من الاستعمار المباشر،  ناهيك عن استمرار عدم عدالة النظام الدولي، وخصوصاً إزاء حل عادل وسليم للقضية الفلسطينية، وهو الذي دفع مثل هذه التنظيمات إلى حشد مجموعات بشرية هائلة بالتعكّز على الطائفية السياسية وادعاء الأفضليات للانخراط بعمليات إرهابية وانتحارية.

وكانت الخلفية الأيديولوجية الإسلاموية  بدأت مع الحركات الإسلامية الأولى، وفي مقدّمتها حركة الإخوان المسلمين منذ العام 1928 ، واستمرار حركات إسلامية أخرى سنية وشيعية بما فيها أنظمة عملت تحت عناوين راديكالية. وهكذا برّرت هذه القوى استخدام جميع الوسائل بما فيها الإرهاب لتحقيق أهدافها، وكان الضحية ليس المسلمين فحسب، بل العقل والعقلانية والاعتدال والتنمية.

إن الإسلام الثقافي هو أقرب إلى إسلام التأويل الذي يسمح للإجتهاد بإيجاد أفكار تفسيرية جديدة للنصوص المقدّسة، بما فيها القرآن، وهو أمر أُغلِق عليه الباب منذ نحو ألف عام تقريباً (منتصف القرن العاشر)، وأهمية الإجتهاد تكمن في التساوق مع التطوّر التاريخي وروح العصر، فأساس النهضة في أي مجتمع يقوم على الحريّة والتنمية، وهو ما أراده دعاتها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مثل الأفغاني ومحمد عبدة والكواكبي والطهطاوي والتونسي والنائيني وغيرهم ممّن امتلكوا شجاعةً ومعرفةً وعلماً، فضلاً عن لياقةٍ في دعواتهم لإحداث تطوّر وتراكم على نحو هادئ بما يؤدي إلى التغيير، ولا يمكن إحداث تنمية وتطوّر حقيقييّن في أيّ مجتمع دون إصلاح الحيّز الديني على حدّ تعبير هوبز.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com