مقالات

( يفغيني يفتوشينكو ) الشاعر الذي صور المعاناة

ولد يفغيني اليكساندروفيتش يفتوشينكو في 18 تموز 1933 في مقاطعة إركوتسك في سيبيريا , وقضى طفولته هناك ثم ارتحل الى موسكو بعد الحرب الوطنية  .

نشر أولى قصائده في صحيفة ″الرياضة السوفيتية″  وهو في سن السادسة عشر و درس في معهد موسكو للادب للمدة (1951 – 1954 ) و اصدر في هذه المدة ديوانه الشعري الأول″مستكشفوالمستقبل″ (1952) الذي عدّه فيما بعد فشلاً له , فُصل من المعهد في عام 1954 لكنه بعد 46 عاماً أدى الامتحانات في المعهد المذكور وحصل على الشهادة العليا وهو في سن السابعة و الستين.

بدأ مسيرته الإبداعية الناجحة بإصدار مجموعته الشعرية ″الثلج الثالث″ (1955)  و”شارع المتحمسين” (1956) و” الواعد” (1957) و” قوس قزح والقيثارة” (1959) و”التفاحة” (1960) و” ورثة ستالين”  (1962) ثم تبعها ديوان ″محطة براتسكايا الكهرومائية″ (1965) و″قارب الاتصال″ (1966) وأصدر بعدها حوالي أربعين كتاباً شعرياً , لم يقتصر يفتوشينكو على كتابة الشعر فحسب بل أصدر عدة روايات من بينها ″أماكن الثمار″ (1981) و″لا تمت قبل حين الموت″ (1993) وعدة قصص و نشر مقالات متنوعة و اشتغل بالترجمة لاسيما  ترجمة الشعر وبنشاطات أدبية أخرى فضلاً عن اشتغاله بالإخراج السينمائي.

يعد يفتوشينكو اكثر الشعراء الروس المعاصرين شعبية وشهرة في روسيا والعالم اذ  نالت قصائده شعبية كبيرة وتحولت الى أغاني ول اسيما  قصيدته الشهيرة ″هل يريد الروس حرباً″ , عَمِل يفتوشينكو داعية للشعر الروسي اذ  زار اكثر من مئة بلد، يتحدث فيها عن خصائص ومميزات الشعر الروسي وتُرجِمت أعماله الى 72 لغة.

مارس الشاعر النشاط السياسي في عهد البريسترويكا (إعادة البناء) وانتخب عضواً في مجلس السوفيت الأعلى للمدة ( 1989 – 1991) ، اهتم الشاعر بالنشاط الاجتماعي، فهو عضو في الحزب الشيوعي السوفيتي منذ عام 1952 وعضو في اتحاد الكتاب السوفيت منذ عام 1952 أيضاً , وعضو ادارة اتحاد كتاب روسيا الاتحادية (1985) وأمين سر مجلس إدارة اتحاد الكتاب لعموم الاتحاد السوفيتي (منذ 1986) وعضو هيئة تحرير في الكثير من المجلات الأدبية مثل ″مجلة الشباب″ وعضو اللجنة السوفيتية للدفاع عن السلام وغيرها من الجمعيات الاجتماعية.

نال الشاعر العديد من الجوائز والميداليات في روسيا وإيطاليا وبلغاريا والولايات المتحدة , قام قبل وفاته في الأول من نيسان عام 2017 بتدريس الشعر الروسي في جامعة تالس في ولاية أوكلاهاما وغيرها من الجامعات الامريكية.

تصادفت بداية نشاط يفتوشينكو الادبي مع بدأ مرحلة ذوبان الجليد التي انتهجها خروشيف بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي و فضح فيها الحقبة الستالينية وما جرى فيها من فضائع , وأدت هذه السياسة الى إشاعة روح الديمقراطية في الحياة الاجتماعية وكان احد اشهر مظاهرها التطور الكبير الذي شهده الشعر.

كتب يفتوشينكو قصائداً حماسية تميزت بصبغة سياسية قلد فيها الشاعر ماياكوفسكي لكنه فيما بعد انتهج أسلوبه الشعري الذي امتاز بلغته الرصينة ومزجه بين الادب الاجتماعي السياسي وبين الشعر العاطفي الغنائي , وهو صاحب المقولة الرائعة التي تصف الدور الاجتماعي للشعر في الستينيات :  ″الشاعر في روسيا اكثر من شاعر″ وقد عنى بذلك ان الشعر في تلك المدة  لم يمثل مسألة خاصة بين المؤلف ودائرة ضيقة من قراءة بل كان له صداه الاجتماعي الواسع , وكان الشاعر يتحدث مع القارئ بلغة مفهومة وبسيطة ويتناول مواضيع قريبة من القارئ وتثير اهتمامه فلا غرابة أن يكون شاعرنا الأكثر حضوراً وقراءة بين شعراء القرن العشرين جميعاً.

تمتاز قصائد يفتوشينكو بالسهولة والبساطة اذ بدء إبداعه في بداية عودة الشعر  الى مركز الحياة الاجتماعية ولهذا فهو شاعر مسموع فضلاً عن  كونه شاعراً مقروءً  , و شعره غنائي رومانسي يشبه اشعار المستقبليين اما من حيث الاسلوب فهو شعر قصصي و قصائد طوال , يرتبط شعره بالواقع الحياتي ولا يعتمد على التجارب اللفظية الإيقاعية فقط بل يستند الى لغة غنية وبيان خطابي رائع لكنه لا يعمد الى ترخيم القوافي ونهايات السطور كما كان يفعل ماياكوفسكي , إنه يجمع بين الخطاب الأدبي الاجتماعي وبين اللغة الحية المستندة الى الثراء بالمفردات.

رغم انيفتوشينكولم يكن  قاسياً في طروحاته ضد السلطة ونقدها وطرحه لمواضيع تدعمها السلطة (كالنضال من اجل السلام والشيوعية العالمية) لكنه كان يمثل ظاهرة جديدة في حياة البلاد لأن الشعر في الحقبة الستالينية خضع  بالكامل للإملاءات الإيديولوجية للحزب الشيوعي , وكانت قوافي الشعر طبولاً للسلطة، لكن يفتوشينكو وأترابه أمثال : فوزنيسينسكيو اخمدولينا و اكوجافا أعادوا الشعر ليصدح بالغزل والعاطفة وتحدثوا مع قراءهم بلغة يفهمونها وأعادوا تقاليد الشعر الروسي في العصر ″الذهبي″ و العصر″الفضي″ ومنجزات الشعراء الروس ″الطليعيين″ في بداية القرن العشرين.

تحدث يفتوشينكو في أشعاره عن تركيبة الطبيعة البشرية وتنوعها وقال بصراحة ما لم يكن يقال في الحقبة السوفيتية وصوّر معاناة الناس البسطاء : العمال, المستخدمين وكل من كانت حياتهم لا تمثل مادةً للشعر الغنائي , لهذا يعد اشهر زعماء التيار الرائد للشعر الغنائي الروسي .

تمتاز قصائد يفتوشينكو بتنوع المواضيع والأسلوب واللغة وبمزج الشعر الغزلي الغنائي بالاجتماعي ودافع في قصائده عن الأدباء الذين ″انشقوا″ عن الاتحاد السوفيتي (أمثال سولجنيتسينو برودسكي) وعكست  قصائده مواقفه الإنسانية وتسامحه القومي والديني ورغبته بأن يفيد مجتمعه وكان يقلقه دائماً موقف الناس منه ″كيف ينظر إليه المجتمع كله ″ .

بقلم الكاتب

الدكتور تحسين رزاق عزيز

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com