مقالات

رحيل «ماما ميركل» يثير أسئلة اللجوء عربياً… ومتطرفة نمساوية تعتدي على مسلمة

بيدر ميديا.."

رحيل «ماما ميركل» يثير أسئلة اللجوء عربياً… ومتطرفة نمساوية تعتدي على مسلمة

مريم مشتاوي

كان خبر انتهاء عهد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وعدم رغبتها بالترشح للانتخابات البرلمانية التي تمت منذ أيام مادة دسمة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي.
السيدة «الحاسمة» و«الرقيقة» حكمت لمدة 16 سنة، وبالطبع هي فترة طويلة جداً، لكنها لا تماثل تلك الفترات التي يتمسك بها حكامنا العرب بكراسيهم.
لكن لماذا ميركل؟
يحسب لهذه السيدة، التي حكمت ألمانيا لعقد ونصف، قدرتها على إخراج بلادها من الأزمة المالية العالمية على عكس بعض الأنظمة العربية التي دفعت البلاد نحو عمق الهاوية. فعلى سبيل المثال، وحسب البنك الدولي، قد يستغرق لبنان أكثر من 19 عاماً ليتعافى من أزمته.
وهذا طبعاً إن استطعنا التخلص من الطاقم السياسي العفن، الذي يتحكم بمصير المواطنين ومعاقبة الفاسدين واللصوص. لبنان اليوم بلد منكوب وتعيس…
وبالمناسبة، إن قررت الأمم المتحدة إعلان يوم جديد بعنوان «يوم التعاسة العالمي» فلن نختلف على تاريخه، بما أن أيامنا كلها أتعس من بعضها. ولا بد حينها أن يتربع اسم لبنان على عرش اللائحة.
ما هو الفرق بين السيدة ميركل وحكامنا؟
إنه فرق «بسيط» بسيط جداً.
لقد استقبلت ميركل مئات آلاف السوريين بعد أن هجرهم الديكتاتور الحاكم بأمره، وقتل آلاف المدنيين من أهلهم وأصدقائهم وجيرانهم باستخدام أشنع أنواع الأسلحة حتى الكيميائية منها في ما لا يقل عن 353 هجمة ممنهجة.
ميركل استقبلت أعداداً قياسية من هؤلاء اللاجئين على الرغم من تحفظ أغلب جيرانها الأوروبي ين، وخصومها من «أهل اليمين» وخوفهم من تداعيات هذا التدفق الكبير على مستقبل القارة. إنها حتى لم تطلق صفة «لاجئ» على القادمين من البلاد المنكوبة. فقد اعتبرت هذه الصفة نوعاً من التمييز، ومنحتهم بدل ذلك صفة «الحماية الدولية» بموجب المواد 25-26 من قانون إجراءات الإقامة الألمانية.
لم تكتف ميركل باستقبالهم، ولم ترم بهم داخل مخيمات تشبه المخيمات الفلسطينية في لبنان التي لا تصلح للحياة وهذا أقل ما يقال عنها.
اللاجئون في لبنان، فلسطينيين كانوا أم سوريين يعيشون في عمق معاناة إنسانية وحياتية لا يمكن وصفها. وهم محرومون من كل الحقوق المدنية وأهمها حق العمل.
وهم لا يستطيعون العمل في أكثر من 60 مهنة مثل الطبابة والهندسة والتعليم وغيرها، كما أنهم مجردون من أي حقوق قانونية.
أما المستشارة الألمانية فقد فتحت حدود ألمانيا أمام اللاجئين، بشكل غير مسبوق في العالم، ومنحتهم، ليس فقط حق العيش في دولة ألمانيا، لكن أيضاً حقوقاً متكافئة مع المواطنين الألمان في السكن والعمل، وقدمت لهم المساعدات المالية والاجتماعية السخية. ووصلت قيمة تلك المساعدات إلى ما بين 370 يورو و 390 يورو. وهي مساعدات قابلة للزيادة وفق الحالة الاقتصادية للفرد اللاجئ في ألمانيا.
كما حصل اللاجئون على حق المواطنة، وذلك عن طريق المفوضية السامية للاجئين التي تتيح لهم الحصول على الجنسية. ولهذه الأسباب،
أحب اللاجئون المستشارة الألمانية حتى أطلقوا عليها لقب «ماما ميركل».
هذا ما لا يحلم به اللاجئ الفلسطيني في لبنان أو أي بلد عربي، على الرغم من أن معظم الدول العربية تلهج ليل نهار باسم القضية الفلسطينية، وتكرس وسائل إعلامها للإشادة بتاريخها المديد في دعم القضية!
كيف تكون مع فلسطين وضد اللاجئين الفلسطينيين؟
مجنون يحكي وربع عاقل يسمع!
قد يكون طرح أي مقارنة بين ميركل وحكامنا العرب هو ضرب قاس من الجنون. مقارنة لا تصلح لما تحمله من فوارق شاسعة.
فميركل، ابنة القيم الديمقراطية سيخلدها التجاري. أما قسم من حكامنا فهم شياطين هذه الأرض، الذين نعيش معهم مسلسلاً من الرعب المتواصل.
إن سكتنا عنهم متنا جوعاً وقهراً وذلاً وإن رفعنا أصواتنا نموت أيضاً، لكن داخل سجونهم وبفعل التعذيب.
مصيرنا ميتتان. أيهما أفضل؟!
ظاهرة الإسلاموفوبيا من جديد
الحديث عن ميركل وإنجازاتها لا يحجب وجهاً مظلماً آخر من العالم الأوروبي المتحضر.
فقد تداولت وسائل إعلام دولية مقطع فيديو لشابة محجبة من أصول تركية تدعى براءة بولانت وهي تتعرض لاعتداء عنصري من قبل سيدة نمساوية متطرفة «تعاني» من كره شديد للمحجبات.
وهكذا قامت الأخيرة بشد حجاب براءة داخل الباص حتى كشفت شعرها أمام الجميع. وجرح الدبوس المعلق في طرف الحجاب عند الذقن وجه الصبية.
حاولت براءة التخلص منها فنزلت من الباص، لكن السيدة العنصرية لحقت بها وبصقت عليها.
مشهد واحد يؤكد على تصاعد الإسلاموفوبيا والعنصرية المقيتة في بلاد ترفع رايات مبادئ المواطنة والأخوة وقبول الآخر، بالرغم من اندماج القسم الأكبر من المسلمين مع شعوب البلدان الأوروبية، التي هاجروا إليها منذ زمن بعيد. لكن يبقى للأسف الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين مسيطراً على أعداد غير قليلة من الأوروبيين، منذ بدايات القرن العشرين، وقد تصاعد بسبب الجهل بالدين الإسلامي والأفكار النمطية المسبقة المعادية للمسلمين، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي وقعت في الولايات المتحدة وتبناها تنظيم القاعدة.
لقد قدمت بولانت بلاغاً للشرطة بحق المنفذة للهجوم العنصري ونشرت قصتها على مواقع التواصل الاجتماعي مما أدى إلى تفاعل الرأي العام النمساوي بشكل كبير.
لكن هذه الحادثة ليست فريدة من نوعها. هناك حوادث مشابهة كثيرة يواجهها العديد من المسلمين في العالم الغربي يومياً منها ما تظل طي الكتمان بدافع الخوف، ومنها ما أصبحت حديث الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي.
كيف التخلص من هذه الظاهرة؟
لا تنفع القوانين وحدها التي تنصها البلدان الأوروبية لردع العنصريين ومعاقبتهم. لكن لا بد من نشر الوعي وفهم الديانات الأخرى بشكلها الصحيح في المدارس ومنذ الصغر، وهي تحتاج أيضاً إلى تكاتف كبير بين المؤسسات التربوية والإعلامية والدينية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com