مقالات

تعليقا على دفاع مستشار رئيس الوزراء عن شراء سندات الخزانة الأميركية.

بيدر ميديا.."

تعليقا على دفاع مستشار رئيس الوزراء عن شراء سندات الخزانة الأميركية
علاء اللامي*
ردَّ مستشار رئيس الوزراء، د.مظهر محمد صالح، على النقد الذي وُجِّهَ إلى شراء العراق لسندات الخزانة الأميركية بكثافة في عهد حكومة الكاظمي بتصريحات تجد رابطا يحيل إليها في نهاية المنشور… ورغم أنني لستُ متخصصا في شؤون الاقتصاد والمال ولكني، ككاتب ومواطن، وانطلاقا من معلوماتي العامة حول الموضوع، سأحاول الرد على تلك التصريحات للدكتور مظهر بطرح مجموعة من التساؤلات والتعليقات التالية:
*يقول السيد المستشار إن “حيازة العراق للدولار طبيعية، علماً أن الدولار الأميركي يشكل نحو ثلثي الاحتياطات الرسمية للدول، وهناك نحو 60 % من القروض العالمية تمنح بالدولار”.
-التعليق: لو كان العراق دولة مستقلة وذات سيادة حقيقية، لكان شراء السندات – لا أقول طبيعيا – بل أقل ضررا باستقلاله، أما وأنه بلد تابع تبعية صريحة ومفروض عليه وجود عسكري أميركي وهيمنة سياسية وأمنية وثقافية شرسة فهو يقدم بيديه لأميركا عوامل وأسباب استمرار فقدانه لسيادته ويسهل ابتزازه من قبل أميركا. أما كون 60 بالمائة من القروض تكون بالدولار، فالسؤال هو: وهل العراق مجبر على الاقتراض وهو يشتري سندات؟ ثم ألا يترك وجود 40 بالمائة أخرى من القروض بغير الدولار للدول هامشا كبيرا للمناورة والاقتراض عند الحاجة بغير الدولار، فلماذا الإصرار على الدولار؟
*ويقول د. مظهر إنَّ “رفع رصيد العراق من شراء سندات الخزانة الأميركية بنسبة 23.98 % لتصل إلى 21.187 مليار دولار شيء متوقع خاصة وأن العراق يعد من ضمن منطقة الدولار بسبب طبيعة الصادرات النفطية وتسعيراتها بالدولار”.
-والتعليق: وهل يُمنع على العراق بيعُ نفطه بعملة أخرى غير الدولار أو بسلة عملات (من الدولار واليورو والين الياباني واليوان الصيني …) كما تفعل دول كثيرة وكان قد فعلها النظام الاستبدادي في عهد صدام حسين بمبادرة واقتراح من كوادر وأساتذة في الاقتصاد والمالية في الدولة العراقية آنذاك وقلل إلى الحد الأدنى الموجودات المالية العراقية في أميركا فلم تجد واشنطن أموالا عراقية كثيرة لتصادرها عند فرض عقوباتها وحصارها على العراق؟
*ويقول السيد المستشار إنَّ “الدولار له هيمنة عالمية كما أن له هيمنة على مدفوعات العراق المصرفية”
-والتعليق: وهل يجهل السيد مستشار رئيس الوزراء ما يعرفه حتى طالب الثانوية والمواطن العادي غير المتخصص من أن الهيمنة الدولارية العالمية تتآكل بشكل مستمر وقد بلغت أضعف حالاتها في أيامنا مقابل الصعود المستمر والسريع للعملات والاقتصادات الأخرى ومنها الصينية؟ وهل تكون مواجهة الهيمنة الاميركية على مدفوعات العراق المصرفية بالمزيد من الانبطاح لها ومن ربط وتوريط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الدولاري الأميركي العليل من خلال شراء السندات؟
*ويقول د.مظهر إنَّ السندات الأميركية تصنف بـ(A3) بمعنى أنها لا تقبل الخسارة ومضمونة 100 %، وهذا متعارف عليه عالمياً وتتعامل به الكثير من الدول النفطية”.
-والتعليق: إذا كانت المصادر الأميركية المالية تعترف بأن السندات غير مضمونة وتشكك في قدرتها ومضمونيتها على المدى البعيد (راجع تعريف السندات الأميركية في منشوري السابق نقلا عن الموسوعة الحرة ويكيبيديا مثلا)، فكيف يمكن للسيد مستشار رئيس الحكومة أن يثق ويروج لكونها مضمونة 100 بالمائة؟ هل يوجد شيء مضمون في عالم المال والاقتصاد اليوم، حيث الأزمات وحالات التضخم والانكماش التي تضرب الاقتصادات العالمية وخاصة الأميركية بشكل دوري، أو تلك الأخطار الجديدة التي ترتبت على جائحة كورونا حاليا، فهل يبقى شيء مضمون مائة بالمائة؟
*هل ينفي المستشار إمكانية استيلاء ومصادرة أو تجميد واشنطن على الأموال العراقية لأسباب سياسية مستقبلا إذا حاول العراقيون استعادة سيادتهم الوطنية واستقلالهم وكسر الهيمنة الأميركية، وهي التي تعاقب حاليا عدة دول بهذا الأسلوب، وسبق لها وأن حاصرت وعاقبت العراق وقتلت أكثر من مليون عراقي خلال حصارها ذاك ودمرت وماتزال تدمر دولته حتى اليوم؟ ألا يعني تكثيف وتضخيم شراء السندات الأميركية بالدولار ربط العراق ربطا محكما في مدار التبعية لأميركا وجعله تابعا دائما لها؟ وما مسؤولية من يفعلون ذلك من أصحاب القرار العراقيين عن كل ما جرى ويجري وسيجري مستقبلا عن هذه التبعية الاقتصادية والسياسية وفقدان الاستقلال والسيادة؟
*وأختم بهذا السؤال: كيف ينسجم استجلاب القروض من صندوق النقد الدولي وغيره من دول ومصادر أجنبية مع تكثيف شراء سندات الخزانة الأميركية؟ ألم يكن الأولى تسديد الديون المتراكمة الخارجية على العراق بجزء من عائدات النفط الفائضة عن الموازنة السنوية بفعل ارتفاع سعر برميل النفط بدلا من ذلك؟
*تنويه: قبل أن أنشر هذه المقالة القصيرة، أرسلتها إلى أحد أساتذتنا المتخصصين بالاقتصاد والمالية، وله مؤلفات ومواقف معروفة في هذا الباب، ولكني لن أذكر اسمه هنا لأنني لم أستأذنه بفعل ذلك، وسألته عن رأيه في ما كتبته من تساؤلات وردود على د. مظهر، فكتب لي أنه يتفق معي حول هذا الموضوع ولا يؤيد ما ذهب اليه د مظهر “فسندات الخزينة الأميركية ليست الخيار الأفضل، والعالم يبتعد عنها منذ سنوات!”، فلأستاذي العزيز الشكر الجزيل والامتنان العميق على توضيحه هذا وعلى مواقفه الاستقلالية والعلمية الرصينة.
*رابط تصريحات د. مظهر محمد صالح:
https://www.mawazin.net/Details.aspx?jimare=164871&fbclid=IwAR07AFXUDVcpw-9sjowegaKb2NcIbHNg70g3A0fJuJZ-0tLHSGJX0ur6b4M
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com