مقالات

العلاقة الملتبسة.. اليمن وخليجه والخليج ويمنه.

بيدر ميديا.."

العلاقة الملتبسة.. اليمن وخليجه والخليج ويمنه

منى صفوان‮ ‬

موقع اليمن وتفاعلاته مع محيطه،‮ ‬يتيح لك التنبؤ بمستقبل المنطقة،‮ ‬انه البوصلة التي‮ ‬تشير لبؤر الصراع،‮ ‬ومستقبله‮.‬
انها المنطقة الأهم في‮ ‬العالم،‮ ‬بؤرة الصراع،‮ ‬وابار النفط،‮ ‬وممرات الملاحه،‮ ‬وفي‮ ‬هذا النقطة الملتهبة والمهمة لا‮ ‬يمكن ان‮ ‬يكون هناك راسآن‮ ‬يتحكمان بتوجيه المنطقة وتحديد مسارها،‮ ‬فهي‮ ‬تصارع لبقاء رأس واحد فقط اما رأس خليجي‮ ‬بزعامة السعودية التي‮ ‬ستقمع أي‮ ‬محاولة خليجية لمنافسها،‮ ‬او رأس‮ ‬يمني‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬يمتلك ذات المقومات السابقة‮  ‬لقيادة المنطقة‮ .‬
اتخذ اليمن موقعه في‮ ‬الزاوية القصوى في‮ ‬جنوب الجزيرة‮ ‬،‮ ‬ليبدو انه منزويًا عن دول الخليج،‮ ‬واقل تفاعلاً‮ ‬معها،‮ ‬وبرغم بقائه خارج الدائرة السياسة لدول الخليج العربي،‮ ‬الا ان موقعه السياسي‮ ‬كمؤثر ومتأثر،‮ ‬يبدو بارزًا منذ الخمسينيات‮.‬
انه اليمن الجمهوري‮ ‬وسط ممالك الخليج،‮ ‬الذي‮ ‬احتفظ لنفسه بموقع المختلف منذ البداية،‮ ‬ليس فقط بكونه ليس خليجياً‮ ‬في‮ ‬وسط خليجي،‮ ‬بل بكونه الجمهوري‮ ‬الديمقراطي‮ ‬وسط الأنظمة الملكية،‮ ‬والحزبي‮ ‬اليساري‮ ‬او القومي‮ ‬وسط تحريم الأحزاب والانتماء السياسي‮!‬
‮ ‬ان الحرب الخليجية التي‮ ‬تتفاعل في‮ ‬اليمن منذ سبع سنوات،‮ ‬ماهي‮ ‬الا نتاج هذا التفاعل‮ ‬غير المتجانس بين اليمن والخليج،‮ ‬أصحاب المصير المشترك‮. ‬
تفاعل فرضه الواقع،‮ ‬واقع الجغرافيا وواقع التاريخ،‮ ‬فجغرافية اليمن وموقعه،‮ ‬وطبيعته السياسة،‮ ‬تفرض عليه هذا النوع من التفاعل مع محيطه،‮ ‬الذي‮ ‬ظهر خلال عقود بشكل تنافس وصراع
‮ ‬ان الجغرافيا السياسية‮ “‬جيوبوليتيك‮” ‬هي‮ ‬من فرضت قواعد اللعبة خلال اكثر من نصف قرن‮.‬
نظام مضطرب
وعاصفة الحزم مارس‮ ‬2015  ‮ ‬ليس الا شكلاً‮ ‬جديدًا لصراع قديم بين اليمن ومحيطه‮.. ‬يضاف للصراع اليمني‮ ‬الداخلي
بمعنى ما‮ ‬،‮ ‬وبدون مبالغة،‮ ‬يظهر اليمن مع كل حقبة زمنية بلداً‮ ‬متمرداً‮ ‬على قواعد اللعب الخليجي،‮ ‬ومضطربًا،‮ ‬ويمثل تحدياً‮ ‬لدوائر النفط المستقرة،‮ ‬بل ويهدد بنقل هذا النظام المضطرب لها‮.‬
ولعل تجربة‮ ” ‬ثورة ظفار‮” ‬في‮ ‬سلطنة عُمان خلال حقبة‮  ‬الستينيات‮ ‬،‮ ‬نموذج بسيط عن عدم قدرة نظامين مختلفين على التجانس والجوار والحوار‮. ‬ففي‮ ‬ذلك الوقت كان اليمن الجنوبي‮ ‬القوي‮ ‬الماركسي‮ ‬المرتبط بالاتحاد السوفيتي‮ ‬يمثل تهديداً‮ ‬لسلطنة عمان الضعيفة والمفككة وقتها‮ .‬
وهو ذات التهديد‮  ‬الذي‮ ‬يمثله اليمن الشمالي‮ ‬الحالي‮ ‬للسعودية،‮ ‬حاليا‮ “‬يمن الحوثيين المرتبطين بايران‮” ‬مع فارق انه اليمن الضعيف المفكك والسعودية القوية المتماسكة‮ ! ‬
ليست مجرد مفارقة زمنية،‮ ‬بل هي‮ ‬طبيعية تاريخية اوجدتها الجغرافيا وفشلت السياسية بحلها‮.‬
فمهما كانت حالة اليمن فقر او‮ ‬غنى،‮  ‬ضعف او قوة‮ ‬،‮ ‬متحالف مع السوفييت او الإيرانيين،‮ ‬فانه دائمًا‮  ‬سيمثل تهديداً‮ ‬لمحيطه،‮ ‬لانه مختلف،‮ ‬ومستقل،‮ ‬ويرفض التطويع،‮ ‬بل ويريد تصدير نموذجه الخاص مستندًا على ارثه القديم بامتداد ممالكه في‮ ‬حقبة ما قبل الميلاد‮.‬
فهو في‮ ‬كل حالاته‮ ‬يتصرف بمنطق القوي،‮ ‬والمسيطر،‮ ‬والمؤثر،‮ ‬وينطلق من ارث حضاري،‮ ‬بات مع الزمن‮ ‬يشكل عقدة تاريخية‮. ‬
فاليمن دولة عريقة،‮ ‬اتخذت حكما قبلياً‮ ‬واسست دولاً‮ ‬قديمة وحضارات مزدهرة ومشهورة،‮ ‬كان لها الفضل بإيجاد شكل اليمن الحديث اليوم‮. ‬
الذي‮ ‬لا‮ ‬يختلف كثيرًا بنمط صراعه،‮ ‬عن‮ ‬يمن الدويلات القديمة،‮ ‬في‮ ‬حقبة ما قبل الميلاد‮. ‬فقد كانت مساحة سياسية منفصلة عن محيطها في‮ ‬اقصى جنوب الجزيرة،‮ ‬اوجدت لها علاقات مع الحضارات والدول القديمة‮ . ‬غير ان الشكل الحديث للمنطقة بعد استقلال وإعلان دول الخليج ومن بعدها اكتشاف النفط،‮ ‬سحب الدور الريادي‮ ‬التاريخي‮ ‬للمنطقة من اليمن،‮ ‬في‮ ‬مرحلة ضعفه وتفككه،‮ ‬دون ان‮ ‬يعفيه ذلك‮  ‬من التاثير والتأثر‮. ‬يصنف اليمن كدولة فقيرة،‮ ‬بل هو الافقر عربيًا في‮ ‬الظرف الحالي‮ ‬،‮ ‬بحسب الأرقام والاحصائيات ومؤشرات الاقتصاد،‮ ‬ولكنها معلومة رقمية صحيحة ليست حقيقة‮ .‬
فاليمن بلد‮ ‬غني‮ ‬تاريخيًا وبسبب الصراع المستمر،‮ ‬اصبح في‮ ‬اعلى قائمة البلدان الافقر،‮ ‬وهذه نتيجة طبيعية لعدم قدرته على التكيف مع محيطه
المحيط الجديد حول اليمن‮ ‬،‮ ‬دول نفطية خليجية برزت بسرعة ولن نقول فجأة‮ ‬،‮ ‬لكن اليمن البلد العتيق‮ ‬يظهر دائمًا انه متفاجئ بها‮!! ‬وغير قادرعلى التعامل مع الواقع الجديد‮.‬
لم‮ ‬يستوعب البلد العتيق انه لم‮ ‬يعد سيد المنطقة،‮ ‬برغم ان الجغرافيا لم تتغير،‮ ‬وهي‮ ‬من تعطيه موقع السيادة‮.‬
لكن بسبب طبيعته المضطربه من ثورات وانقلابات وحروب اهليه وصراعات،‮ ‬تأخر عن اللحاق بالادوار السيادية في‮ ‬المنطقة‮.‬
السؤال لماذا اختار ان‮ ‬يكون جمهوريًا ؟ هل كان الحكم الجمهوري‮ ‬سببًا للصراع على الحكم،‮ ‬هل كان وضعه سيتغير ان كان امارة او مملكة او سلطنة؟
صراع داخلي
في‮ ‬الحقيقة لا،‮ ‬فحتى نهاية الخمسينيات كان اليمن سلطنات وممالك،‮ ‬وهذا لم‮ ‬يعفيه من الصراع الداخلي‮ ‬والتنافس مع محيطه الخليجي‮.‬
الامر مرتبط بطبيعة اليمن،‮ ‬التي‮ ‬تختلف عن طبيعة دول الخليج العربي‮ .‬
مساحة متعرجة‮ ‬،‮ ‬معقدة،‮ ‬متنوعة،‮ ‬امام مساحة منبسطة موحدة،‮ ‬ان الشكل الجغرافي‮ ‬يحكم طبيعة الناس وطباعهم وحكمهم وطقوس دولهم‮.‬
هذا الاختلاف كان سببًا بازاحة اليمن منذ فجر السبعينيات عن أي‮ ‬تكتل خليجي‮ ‬حتى قام مجلس التعاون الخليجي‮ ‬مستثنيا اليمن بشقيه الشمالي‮ ‬الراسمالي‮ ‬الغربي،‮ ‬والجنوبي‮ ‬الماركسي‮ ‬السوفيتي‮!‬
‮ ‬وهذا طبيعي‮ ‬ومنطقي‮ ‬جدا،‮  ‬فبرغم اختلاف الدولتين اليمنيتين،‮ ‬الى انهما‮ ‬يشكلان ذات التهديد على دول الخليج،‮ ‬التهديد الماركسي‮ ‬والتهديد الجمهوري،‮ ‬لممالك كانت تتحالف لتواجه خطر الثورة الإيرانية وقتها‮ “‬والذي‮ ‬سيصل بعد ذلك الى اليمن‮” ‬حيث خاصرة الخليج‮ .‬
لقد كان اليمن منذ الثمانينات‮ ‬يتجاوز الحدود مع دول الخليج ليمد‮ ‬يده لتحالف ماوراء البحار والصحاري‮  ‬لدول‮ ” ‬ليست خليجية‮”‬
فمن حقه ان‮ ‬يكون ضمن تكتل وتحالف سياسي،‮ ‬ضمن مجموعة‮ ‬،‮ ‬لا ان‮ ‬يبقى منفردًا ومعزولًا ووحيدًا‮. ‬
‮ ‬فكان انضمامه لمجلس التعاون العربي‮ ‬مع مصر،‮ ‬العراق والأردن
الامر لم‮ ‬يكن متعلقًا بعلي‮ ‬عبد الله صالح وصداقته واعجابه بصدام حسين،‮ ‬بل كان متعلقًا بطبيعة اليمن،‮ ‬الذي‮ ‬يتحدى العزل الخليجي‮ ‬له،‮ ‬وهو ما‮ ‬يفعله عبد الملك الحوثي‮ ‬اليوم بأن‮  ‬يمد‮ ‬يد للتحالف مع المحور الإيراني‮ ‬متجاوزا الحدود الخليجية ليصل الى ايران،‮ ‬لبنان،‮ ‬سوريا،‮ ‬والعراق‮.‬
وبرغم الفارق الزمني‮ ‬والايدليوجي،‮ ‬الا انها حقيقة متجلية توضح العلاقة المرتبكة بين اليمن وخليجه،‮ ‬والخليج ويمنه‮.‬
وبالتاكيد لم‮ ‬يكن الحل ادخال اليمن في‮ ‬مجلس التعاون الخليجي‮ ‬ليس لان نظامه السياسي‮ ‬مختلف‮ ‬،‮ ‬ونظامه الاقتصادي‮ ‬متخلف،‮ ‬ولكن لان هذا سيعني‮ ‬فشل الاحلال وإعلان المزيد من الصراع‮ ‬،‮ ‬فاليمن ليس خليجيا‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬يعاني‮ ‬ذات الاخطار والتحديات التي‮ ‬تعيشها دول الخليج،‮ ‬ان تحدياته ابسط بكثير‮.. ‬بل ان احد تحدياته هي‮ ‬دول الخليج نفسها‮!‬
الحرب اليمنية اليوم نتيجة عدم حل الإشكالية بين اليمن والخليج،‮ ‬انها حرب الخليج الثالثة وحلها‮ ‬يكون بفهم طبيعة العلاقة بين المكونين الرئيسين في‮ ‬المنطقة‮ ‬،‮ ‬دون الحاجة لاتفاقات سياسية،‮ ‬ولا الى وساطة مبعوث دولي‮. ‬
لانه حتى بإزالة حكم الحوثيين سياتي‮ ‬من‮ ‬يمد‮ ‬يد التحالف خارج حدود الخليج،‮ ‬كما فعلت عدن الماركسية،‮ ‬وصنعاء الراسمالية في‮ ‬الثمانيات،‮ ‬وفعلها الحوثي‮ ‬مع ايران اليوم‮ .‬

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com