صدر حديثا

قراءة في مذكرات محسن الشيخ راضي ((كنت بعثيا)).

بيدر ميديا.."

قراءة في مذكرات محسن الشيخ راضي ((كنت بعثيا))

زهير كاظم عبود

 

المراجعة النقدية وتقويم الاحداث بنوايا صادقة وتدقيق عميق امرا ليس يسيرا ٫ كما ان تقييم العمل السياسي في مرحلة مضت لا يمكن ان يتم وفق معيار الحاضر ٫ فلكل مرحلة ظروفها ولكل حادث أسبابه ٫ غير ان مراجعة الذات والنقد الموضوعي للسلبي والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها الانسان ٫  والاعتذار بأمانة وتجرد تتطلب شجاعة وثقة بالنفس ٫ وتنم ثقافة الاعتذار عن سمو رغم ان الذي مضى سيسجله التاريخ سلبا او إيجابا ٫
وإدراك الخطأ ينم عن حس عالي ووعي وشعور بالمسؤولية وشجاعة ، وثمة أخطاء تترك نتائج سلبية على جمع من الناس ، وثمة أخطاء يرتكبها المرء بحسن نية دون ان يحسب عواقبها ، وثمة مواقف تجر الى أخطاء مركبة ومتراكمة تترك أثار سيئة في نفوس الآخرين ، وما يرفع تلك الآثار ليس جلد الذات لنفس المخطئ ، بل في شجاعة الموقف بالاعتذار عن الخطأ والتراجع عنه وتحمل المسؤولية . .

ومن كبائر الأخطاء ما يصر عليه بعض مع معرفته بحجم ما ارتكبه من أخطاء ، وما يبرره وما يدافع عنه بالرغم من تلك النتائج السيئة والسلبية التي خلفها الخطأ المرتكب ولعل صورة الأخطاء التي ارتكبها الحكام في العراق تظهر صورة واضحة وجلية تبين تلك الأخطاء المرتكبة ، والتي يتحمل فيها الحاكم او المسؤول وزر تلك الأخطاء ، وتبريرهم ودفاعهم عن مواقفهم ، بل وفي أحيان كثيرة اعتبار تلك الأخطاء والمواقف من اجل مصلحة الشعب والوطن والمستقبل ، ما يؤكد الإصرار على المضي قدما في الموقف الخاطئ ، في حين أنها جرت ويلات وماسي وتركت ندوبا وجروحا غائرة ليس في مساحة العراق وتاريخه ، بل تركت أثارها على الشخصية العراقية وعلى المستقبل العراقي ، فلم نلمس ولم نسمع حاكما أو مسؤولا يتقدم بالاعتذار من الشعب ، ولم يجرؤ أحد على أن ينتقد نفسه أو يبين الأخطاء التي وقع فيها ولو بشكل غير مباشر أو دون قصد ، فالحاكم في بلادنا معصوم من الأخطاء كما يعتقد واهما ، والحاكم في بلادنا لا يمكن أن يرتكب سيئة أو خلل ، والحاكم في بلادنا لا يستمع للنقد ولا يقبل الاستشارة والنصيحة ، وهو بهذا الحال يرتكب معصيتين ، إصراره على الخطأ وعناده غير المقبول

غير ان ما سجله السيد ( محسن الشيخ راضي ) في الجزء الأول من مذكراته ( كنت بعثيا – من ذروة النضال الى دنو القطعية ) يسجل موقفا يعبر عن مساهمته فعليا في تشخيص احداث مهمة مرت على العراق ٫ كان فيها شاهدا وفاعلا ليساهم في توثيق بعض الاحداث التي لابد من تصويبها بشكل صادق ٫ ومع ان مذكراته واعتذاره جاء متأخرا الا ان كلمته التي يختتم بها الجزء الأول من كتابه تعبر بشكل عميق عن خلاصة التجربة المريرة التي مرت على العراق وكان محسن الشيخ راضي احد رموزها  واعترافه بشكل صريح بالإساءة التي اقترفها مع رفاقه في شباط ١٩٦٣ بحق الشعب العراقي حيث يذكر ( اعترف باني قد اساءت بحق العراق والشعب العراقي الكريم ٫ ولعل نوايانا الحسنة لن تنفع ولاينفع معها الاعتذار لأننا ادخلنا العراق في دوامات من الفوضى والضياع ٫ واهدرنا مستقبل أجيال من شبابه ٫ وبصدر رحب اتقبل كل نقد او ادانة توجه لي فانا ادين نفسي قبل ان ادان ٫ واطلب العفو من كل مواطن عراقي يعتقد بانني كنت وراء اضطهاده او سجنه او حتى إساءة صدرت مني بحقه ٫ والله على ما أقول شهيد ) .

فترة التطاحن السياسي منذ قيام ثورة ١٤ تموز ٥٨ مرورا بانقلاب شباط ٦٣ وانقلاب تشرين الأول ٦٣ تضمنت احداث مهمة في التاريخ العراقي الحديث ٫ تداخلت الاحداث واختلطت المواقف وبرزت ظاهرة تلك الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها القوى السياسية جميعها في العراق ٫ وبدت الجراح تكبر والقطيعة تتوضح لتتحول الى عداء شرس بين قوى سياسية جميعها وضعت شعاراتها وأهدافها جانبا ٫ ونازلت بعضها بعض في حلبة القتال والمواجهة ٫ واختلفت القصص والروايات في عمليات الإدانة والتجريم والبراءة ٫ وكنا بحاجة ماسة لشهادة الشهود الذين كانوا جزء من الحدث او الأقرب اليه من كل الأطراف ٫ وسبق ان كتب بعض قيادات حزب البعث السابقين مذكراتهم المتضمنة نقدهم للمرحلة وجلد الذات فيها ٫ أمثال هاني الفكيكي في ( اوكار الهزيمة – تجربتي في حزب البعث العراقي ) و طالب شبيب في ( عراق ٨ شباط ٦٣ من حوار المفاهيم الى حوار الدم ) بواسطة الراحل علي كريم سعيد ومذكرات خالد علي الصالح .

السرد الذي قدمه صاحب المذكرات في بداية الكتاب حول الولادة والنشأة الأولى والانتماء للبعث ٫ ومن ثم الدراسة في سوريا ثم العودة الى العراق ٫ مرورا بالتحالف مع الاخوان المسلمين حيث يقرر البعث إيجاد حليف للعمل ضد الحزب الشيوعي تحت شعار ( يا أعداء الشيوعية اتحدوا ) .

يستعرض السيد محسن الشيخ راضي الفترة العصيبة والمرتبكة والمرارة التي تحملها في العام ١٩٥٩ ٫ وما تعرض له من اضطهاد وقسوة وملاحقة وضياع لمستقبله الدراسي بسبب تمسكه بعقيدته وافكاره ٫ والمواجهات العنيفة التي عاشها بسبب اختلافه الفكري ٫ بالإضافة الى تداعيات محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم على الحزب.

في الصفحة ١٠١ يستشف ان لديه شكوك واشكاليات حول نزاهة ووطنية طالب شبيب تثير الريبة في نفسه لكنه بحاجة ماسة لدليل قاطع او وثيقة تؤيد هذه الشكوك ٫ مع ان طالب شبيب عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث ٫ وطيلة عمل السيد محسن في القيادة فانه كان يعارض بشدة التفاف الضباط على الحزب ويشكك في نواياهم ٫ غير ان الامر جرى عكس معارضته حيث تم اسقاط نظام قاسم بواسطة العسكريين من البعثيين والقوميين وكانوا العمود الأساس في انقلاب البعث في العام ٦٣ وفي العام ٦٨ .

صبيحة ٨ شباط ٦٣ جرت احداث كثيرة تم توثيقها من قبل العديد من الأشخاص ٫ قسم من زعم انه كان من بين الموجودين ٫ وقسم اخر يزعم انه شاهد ما يجري ٫ وقسم يقول انه سمع ٫ ثمة شهود اخرين لم يدلوا بشهادتهم ٫ ومن عاش ضمن تلك الحقبة من التاريخ يعرف ان عبدالكريم قاسم كرس اجهزته الاستخبارية والأمنية لمحاربة الشيوعيين ٫ وامتلأت السجون بأعداد منهم ٫ وكان المجلس العرفي العسكري يصدر احكامه الظالمة والمتعسفة بحقهم دون رحمة ٫ وكان الحزب الشيوعي مطارد من قبل أجهزة قاسم وعلى خلاف شديد معه ٫ وقام عبد الكريم قاسم بأساليب القمع والاضطهاد وفتح الباب واسعا للقوى الرجعية واعترافه حسب ثمينة ناجي يوسف ( ص ٣٣٩ ) بانه اخطأ بحق الشيوعيين وقدم اعتذاره هاتفيا لسلام عادل واعدا بمعالجة الأخطاء .  لم يلتفت احد الى الأسباب الحقيقية التي دفعت سكرتير الحزب الشيوعي حسين الرضوي لإصدار بيان  ( حمل السلاح لسحق المؤامرة الاستعمارية الرجعية ) شخصيا مع معرفته يقينا بان من قام بهذه الحركة حزب البعث العراقي ٫ لا يملك صاحب المذكرات المعلومة الدقيقة عمن كتب البيان رقم ( ١٣ ) لإبادة الشيوعيين في العراق المتضمن العبارات الدموية والدعوة لاستباحة دماء الشيوعيين في العراق وهم مئات الالاف ٫ ولم ينف براءته من البيان الا انه يعود لتحميل العسكر وزر عمليات الإبادة والقتل والتعطش للدم غير ان طالب شبيب يذكر في الصفحة  ( 123 )  من مذكراته في كتاب المرحوم علي كريم سعيد ( كتب كثيرون عن مقتل قاسم فخاضوا في تفاصيل ليس لها وجود ، وأضاف بعضهم مشاهد درامية انفردوا بها دون غيرهم ، وسعوا في رواياتهم لاستكمال التشويق)
وحتى لا تضيع الحقيقة في اعترافات حازم جواد التي نشرها في صحيفة الحياة بعنوان (سفر البعث وطريق المنفى) يذكر أنه ارتكب غلطة عندما أصدر البيان ((رقم 13)) القاضي بأبادة الشيوعيين العراقيين من دون سابق انذار، وكان اعتراض السيد حازم جواد ليس على القتل والدماء والأنسان الذي يستباح في العراق ، انما كان يختلف في تسمية من يتم أعدامهم بالفوضويين بدلاً من الشيوعيين خشية من حدوث ضجة في المستقبل  ، لكن طالب شبيب أصر على أبقاء كلمة الشيوعيين ٫ وبذلك يكون حازم جواد من كتب البيان وليس العسكر المتعطش للدماء

في الصفحة ( ١٥٣ ) يؤكد محسن الشيخ راضي بان السفارة البريطانية في الكويت كانت تزود قيادة البعث بقوائم أسماء الشيوعيين للاستمرار بإبادتهم والقضاء عليهم  ومعلومات عن عناوينهم .

في الصفحة ( ١٥٧ ) ينفي محسن الشيخ راضي علاقته بتعذيب سكرتير الحزب الشيوعي وانه لم يشاهده سوى مرة واحدة ٫ لا تزيد على خمسة دقائق ٫ ووصل الى سماعه ان الرجل تمت تصفيته تحت التعذيب ولم يتم إعدامه ٫ مع ان السيد محسن يتحمل المسؤولية عن مجمل الاحداث غير ان المسؤولين المباشرين عن ارتكاب مثل تلك الجرائم في قصر النهاية هي الهيئات التحقيقية التي تعاقبت ٫ وان الشيخ راضي لم يتول اية مسؤولية في لجنة تحقيقية لأنه كان مسؤولا عن تنظيم الحزب في بغداد كما لم تكن له علاقة بقيادة الحرس القومي ٫  وبذلك يتناقض مع ما ورد بكتاب السيدة ثمينة ناجي ( ص ٣٨٥ – ٣٨٧ ) سلام عادل سيرة مناضل والتي وردت نقلا عن لسان   ( ماجدة علي ) وكان المحقق معه ( بهاء شبيب ) وهو حي يرزق ويعمل سفيرا في وزارة الخارجية اليوم وبالإمكان التثبت من صحة المعلومات منه باعتباره المكلف بالتحقيق مع سلام عادل  ٫ وكان من اخطر جلادي قصر النهاية وارتكب العديد من الجرائم بحق العراقيين ٫ ويمكن ان يلتفت حازم جواد الى نداء الضمير فيكتب مذكراته واعتذاره مع الشك في مثل هذا الفعل بالنظر لما ورد في كتاباته المنشورة بجريدة النهار البيروتية من تدليس وكذب مفضوح وتضخيم لدور صدام  .

اتسمت مرحلة ٨ شباط ٦٣ بسيطرة حزب البعث على السلطة في العراق ٫ الا ان الثأر والانتقام وهاجس القضاء ليس فقط على الحزب الشيوعي انما امتد الى جميع اليساريين والطاقات والكفاءات التي يشك في ولاءها للبعث فكانت مرحلة صعبة وقاسية ومريرة في تاريخ العراق ٫ وصفحة مخجلة كشفت عن ارتباط عناصر قيادية في حزب البعث بأجهزة مخابرات ودول اجنبية.

في الصفحة ٢١٣ يذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي انه لا يتذكر ان المرجعية في النجف ايدت حركة ٨ شباط ٫ الحقيقة ان المرجعية ايدت بحرارة قيام الانقلاب بدليل انها أصدرت الفتوى الثانية الشيوعيون مرتدون وحكم المرتد هو القتل وان تاب، والشيوعيين نوعان الاول من آمن بها وحمد بها ولا يرجع عنها، فحكمه كما جاء اعلاه والنوع الثاني من اعتبرها تقدمية ومعاونة المحتاجين، وهؤلاء يحجزون ويفهمون ويعلمون الصح من الخطأ . فأن تابوا يطلق سراحهم. وان أصروا عليه فحكمهم كما جاء أعلاه٫ وتم استقبال الوفد الذي ارسلته قيادة الانقلاب الى محسن الحكيم الذي قدم لهم بدوره إرشادات وتوصيات.

اما مسالة الكويت فقد انطلت اللعبة الكبرى كما يذكر الشيخ راضي في الصفحة ٢٢٣ للدور المبطن لطالب شبيب ودوره وسلوكه المشكوك فيه والمريب ص ٢٢٨ ٫ ومايزيد الشك والريبة ما ذكره طالب شبيب بكتابه ( ص ٢٣٩ ) عن تحرير الكويت لصكين باسم عبد السلام محمد عارف الأول بمبلغ ثلاثين مليون دينار كويتي كقرض بنسبة أرباح ١٪تستحق بعد عشرة سنوات ٫ والثاني مليوني دينار تبرع من الحكومة الكويتية تم ادخال الصك الأول بخزينة الدولة ٫ اما الثاني فقد اخفاه عبد السلام في ادراج مكتبه بالقصر الجمهوري ٫ ولم يتوضح للتاريخ اين استقر المبلغ ولحساب من تم تسجيله مع ان وزراء عبد السلام زعموا بان الصك تم العثور عليه في مكتب عبد السلام وقيدوه لحساب الخزينة ٫ دون ان نجد تبرير لإخفاء الصك من قبل عبد السلام ودون ان نلمس تأكيد من خزينة العراق يؤكد ذلك  .

في الصفحة ٢٤١ يذكر السيد محسن الشيخ راضي انه كان وهاني الفكيكي محسوبين على جناح السعدي في اغلب مواقفه السياسية غير انه انحاز الى جناح حازم جواد الخصم اللدود للسعدي دون ان يجد تبريرا لذلك

ولعل تأكيد السيد محسن عن دور صالح مهدي عماش وعلاقته بالمخابرات الامريكية وقيامه بإفشاء اسرار السلاح السوفيتي الى العميل الأمريكي ويليام ليكلاند يعزز من القناعة التامة ارتباط عماش بالمخابرات الامريكية حيث تم تجنيده خلال فترة الدورة العسكرية.

 حيث كان الرئيس صالح  مهدي عماش عنصراً من عناصر الاستخبارات العسكرية ولم يكن ترشيحه بناء على رغبة الاستخبارات وانما كان أمراً صادراً من رئيس الوزراء نوري السعيد دون ان يتعرف أحد على السبب الحقيقي وراء هذا الاختيار بالذات  ، ونفذ عماش المهمة بنجاح واوصل السلاح الى القوات العراقية ، وبالنظر لتوافق موعد تنفيذ المؤامرة على سورية مع قيام الاعتداء الثلاثي على مصر ، مما جعل التنفيذ مستحيلاً أن لم يكن صعباً أمام تصاعد الحس الوطني والشعبي وغليان الشارع العربي المتعاطف مع مصر ضد العدوان الثلاثي والقوات الأجنبية المعتدية
في نفس الوقت كانت وزارة الدفاع العراقية قد ارسلت ضمن بعثتها العسكرية الرئيس الأول الركن محمد المهداوي الى الولايات المتحدة الأمريكية في دورة عسكرية ، وكان المهداوي مسؤولا عن خلية الضباط البعثيين ضمن هذه الدورة ، و صالح مهدي عماش هو المسؤول الحزبي عن محمد المهداوي ، وكانت كلمة السر المتداولة بينه وبين التنظيم هي ابو هدى يسلم  ، وابو هدى هو اللقب الحقيقي لصالح مهدي عماش ، وخلال أقامته في الولايات المتحدة استطاعت الأجهزة الأمريكية أن تكسب ود محمد المهداوي أن لم تستطع تجنيده لصالحها من خلال علاقة وثيقة ارتبط بها المهداوي مع ( بيل ليكلاند ) المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والمتحدث باللغة العربية وصاحب الخبرة الطويلة في العمل الدبلوماسي ضمن المنطقة العربية والذي يرتبط بعلاقة شخصية مبهمة مع جمال عبد الناصر لم يوضحها من كتب عنه 
وبالنظر للمعلومات التي وردت الى دائرة الاستخبارات العسكرية العراقية حول الشكوك التي تفيد بارتباط محمد المهداوي مع المخابرات الأجنبية واتجاه النية الى استقدامه الى العراق تمهيداً لاعتقاله ومحاكمته ، فقد أرسل صالح مهدي عماش كلمة السر ( ابو هدى يسلم ) مع مسؤول المخابرات المركزية ( بيل ليكلاند ) ليبلغه بعدم العودة لوجود تحقيق ضده ونية لاعتقاله وخشية من كشف الشبكة المخابراتية وتصفيتها بالنظر للمهمة المناطة بها ابلغ ( بيل ليكلاند ) كلمة السر الى محمد المهداوي الذي ازداد وثوقاً بان الرجل الأمريكي يعمل ضمن المنظومة التي يعمل بها مع صالح مهدي عماش ( انظر طالب شبيب الصفحة 276 من كتابة عراق 8 شباط 1963 ) ويذكر المرحوم علي كريم سعيد في حاشية الصفحة 280 من كتابه من حوار المفاهيم الى حوار الدم ما يؤكد تفصيل الشبهات التي تحوم حول ارتباط صالح مهدي عماش بالمخابرات الأجنبية وليس مصادفة أو اعتباطاً أن يفشي عماش كلمة السر الموجهة الى محمد المهداوي بواسطة رجل مخابرات أمريكي مع معرفته بمهمته الاستخبارية ٫ ويذكر السيد محسن ( ص ٢٣٣ )حقيقة تسربت اليه عن علاقة عماش بليكيلاند وهذه العلاقة بعلم وموافقة عبد السلام عارف والبكر وعبد الستار عبد اللطيف الذي يرتبط بعلاقة مع المدعو موفق الخضيري المرتبط بعلاقات مشبوهة بالسفارة البريطانية ٫ بالإضافة الي تعاون عماش مع مدير الامن العام

جميل صبري البياتي حيث تم تزويد المخابرات الامريكية عن طريق كليفيلاند بأسرار سلاح الدبابة السوفيتي  .T62

ويتفق السيد محسن الشيخ راضي مع زميله حازم جواد في تحميل صالح مهدي عماش تبعة الدماء العراقية في اكثر من قضية ٫ ويذكر حازم جواد أن صدام حضر لمقابلته (دون أن يذكر صفته أو علاقته به )  وأعرب استعداده لقتل علي صالح السعدي  ، لكن جواد عارض الفكرة ، فأي انضباط حزبي هذا ؟ الا يدلل هذا الأمر على فرض صحته أن القضية هي حرب عصابات وتصفية قبضايات حين يتبرع عضو عادي في الحزب أمام عضو قيادة قطرية استعداده لتصفية أمين سر القطر.

الشبهات التي تنفي صفة الوطنية والتي طالت بعض أسماء قيادات في حزب البعث التي وردت في مذكرات طالب شبيب ومحسن الشيخ راضي والفكيكي تنسجم مع الاتهامات التي حاول الشيخ راضي ان يبرر لها ضمن مقولة امين سر القطر علي صالح السعدي من ان الحزب جاء الى السلطة بقطار امريكي ٫ حيث اتسمت حركة شباط ٦٣ بارتباطها بعدة جهات اجنبية يؤكدها المتمعن في تاريخ تلك الحركة ٫ ص ٢٧١ احد الحاضرين في المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي صديق للسفارة البريطانية ٫ وخلال جلسات المؤتمر يدخل محمد المهداوي وليس غيره لاحتلال واقتحام القاعة ويتم انزال الفكيكي من منصة رئاسة المؤتمر والا سيملأ فمه بالرصاص  .

ما ورد ضمن المذكرات وان كان بحاجة للتدقيق والتمحيص والمطابقة مع ما ورد في بعض مذكرات الشهود من رحل منهم ومن بقي ٫ يساهم ذلك في كشف حقائق جديدة او يؤكد حقيقة يراد طمسها او تشويهها ٫ وخلال النبش في ذاكرة الشيخ راضي الذي يعتمد عليها بغياب الوثائق والسندات تمكن من تفكيك بعض الاسرار والغموض في العلاقات التي كانت تسود قيادات حزب البعث ٫ هذه المذكرات لا تقتصر على الاعتذار وطلب العفو من العراقيين بعد ان تكشفت حقائق عديدة له ٫ وان صاحب المذكرات  بحكم موقعه القيادي في حزب البعث ساهم مع غيره من القيادات ان ضيعوا  علي العراقيين فرصة العيش الكريم والامن والسلام  والرخاء وقدموا بديلا عنها فترة موحشة ومظلمة وانهار من الدماء كانت تؤسس على ردة الفعل والبطش والثأر في اكثر صوره تخلفا ٫ غابت عنهم شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية وتكشفت لهم حقيقة ( ميشيل عفلق ) والعناصر التي تحالفوا معها ٫ كتب الشيخ راضي مذكراته براحة ضمير وهو يكتب له ماله وعليه ما عليه ٫ كان جريئا في نقده وشجاعا في اعتذاره وصادقا في تشخيصه حتى وصل الى القطيعة التي سجلها بعد انفصاله عن حزب البعث ليريح  ضميره ويقدم خدمة للحقيقة والتاريخ العراقي الحديث  ٫ وبهذا فان الجميع مدعو اليوم للمراجعة والنقد الموضوعي لتجربة مرت بتاريخ العراقي خلفت للشعب اضرار وانتكاسات وتراجع وخسائر كبيرة واضرت بمستقبله  .

الكتابة بضمير مفتوح مسألة صعبة لمن يعرف قيمة الضمير وقدسية الكلمة والحقيقة، والكتابة بضمير اعمى تحصل دون اكتراث للحقيقة التي نسحقها وندوس عليها
لم تزل بعض الضمائر تمجد الاخطاء وتقدس الخطايا وتعتقد انها لو استمرت لنفعت أكثر في حين انها جلبت لنا الخراب والتخلف والدمار في العراق

وحيث ان السيد محسن الشيخ راضي عرض ان يتقبل النقد فانه ملزم اليوم ان يكون الجزء الثاني من كتابه اكثر تفصيلا ٫ وأوضح في كشف أدوار شخصيات لعبت أدوار مهمة في تاريخ العراق تم التعتيم عليها دون ان يتم التأكيد علي حقيقتها منها ميشيل عفلق وايليا زغيب الذي يقول عنه طالب شبيب في كتاب عراق 8 شباط 63 الصفحة ٢٧٠ :

 (( كنا نتهامس انا وأديب الجادر ونلمح لبعضنا بشكوك حول احتمال أن تكون للرجل علاقة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية ، بل وصلنا الى قناعة بانه لا يمكن ان يكون بعيداً عن ذلك )) ٫ وان يكشف ما يعرف عن ( علي عبد السلام ) ( أبو ربيع ) الذي يشكل سرا عميقا من اسرار حزب البعث والوارد ذكره بشكل مفصل  في الحلقة الأخيرة من مذكرات حازم جواد التي نشرها في جريدة الحياة ٫ وثمة أسماء اخرى أدت دورا ملتبسا لابد من الاقتراب من حقيقتها  ٫ وأخيرا فان اختلافا في تقبل الوقائع التي يتم كتابتها بحاجة الى دلائل واسانيد وقرائن لتثبيت حجتها ٫ ودون الاعتماد على النقل عن الاخرين حتى يمكن ان تكون هناك رصانة في كتابة التاريخ ٫ واجد ان كتابة مذكرات الشيخ راضي والتي ضمنها اعتذاره وادانته لشخصه ودوره في احداث مهمة من تاريخ العراق  الذي اتسم بالدم والموت والرعب وان كانت متاخرة فانها خير من ان تبقى مدفونة في صدره .      

  

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com