تحقيقات

من الصحافة والتصوير إلى الشوكولاتة والسكر.. عراقية تحمل الماجستير تحط الرحال في عاصمة الأضواء

بيدر ميديا.."

من الصحافة والتصوير إلى الشوكولاتة والسكر.. عراقية تحمل الماجستير تحط الرحال في عاصمة الأضواء

النـص :

من الصحافة والتصوير إلى الشوكولاتة والسكر.. عراقية تحمل الماجستير تحط الرحال في عاصمة الأضواء

باريس –  غادة فائز هنو

“اسمي لانا، عراقية من بغداد ومقيمة في فرنسا، كنت صحفية ومصورة فوتوغرافية، شاءت الأقدار أن اغير مهنتي إلى صاحبة مقهى. في نهاية 2018 أسستُ مشروعي، أطلقتُ عليه “الليمون والكرز”

{ بدايةً اطرح عليكِ سؤال مدام لانا ماهي اجمل ذكرى لكِ حدثت في بغداد ومازالت عالقة في ذهنك الى الآن ؟

–           الذكريات ، لكل شخص خانة في ذاكرتهِ تحت مسمى الذكريات ! وًيحتفظ فيها بأجمل و أقسى التفاصيل التي مرَ بها ، في خانة ذكرياتي  لدي مساحة جميلة من الذكريات التي سافرت معي طوال هذه السنين ، و أسميتها بغداد .  مرحلة الطفولة و مابعدها هي أجمل ما  احتفظ به  ، المحبة ، الآلفة والسعادة التي كانت موجود في بيوتنا و نتشاركها  مع الجيران و أصدقاء المدرسة . زيارات الصديقات ، أحاديثنا ، ضحكاتنا ، همساتنا وتفاصيلنا البريئة . التنزه في شوارع بغداد بالأخص شارع 14 رمضان و المنصور حيث كنا نسكن و الاعظمية من قبلها و احنُ الى بيتنا القديم و إستقبال جدتي بعودتنا من المدرسة ، احنُ الى بغداد الجميلة ، ولكن بنسختها القديمة.

{ في أي جامعة كنتِ تدرسين ؟

–           بدءاً كنت ادرسُ في بغداد / كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد في الجادرية ، و لكني لم أكمل دراستي بسبب ظروف السفر ! و بعدها عدتُ و التحقتُ بجامعة السليمانية الحكومية / قسم الصحافة و الإعلام ( فرع الإعلام المرئي و التلفزيون) و من ثم حصلت على شهادة الماجستير في الإتصالات و الإعلام الإلكتروني من جامعة E.F.J  للإعلام هنا في فرنسا .

{ ما هو سبب توجهكِ الى مهنة الاعلام وتحديداً الصحافة ؟

–           دراسة الإعلام و مهنة الصحافة انا من اخترتها وليس العكس ! حيث نشأت في بيئة إعلامية بحتة ، والدي صحفيًا معروفاً و لديه الآن صحيفة الكترونية بعنوان ( الگاردينيا) ، و والدتي ايضا كانت إعلامية في بغداد . تأثرت بهما خصوصًا عندما ادركتُ أهمية هذه المهنة و تأثيرها على المجتمع و بالأخص عندما تُستخدم بالشكل الصحيح ! حيثُ تيقنتُ ان الصحفي اصبح يُشكل مجتمعهُ و يفتح له نوافذ واسعة في نطاقات التفكير الحُر ،الحرية ، المساواة و الخلاص من قيود المجتمع و التفكير الضيق.

 حيثُ كلما تطور الصحفي و اترفع بتفكيرهِ  و بمسؤليتهِ امام مجتمعهِ ، كلما انتفع جمهورهُ و قرائهُ من عملهِ ، وبه تتطور الشعوب حيث اصبحت الصحافة تهتم بالتحليل و النقد.

{ كيف كانت مزاولتكِ لعملكِ في الصحافة هل كانت سهلة ام فيها نوع من الصعوبة ؟

–           بالتأكيد ! لإن الصحافة هي مهنة المتاعب و لديها رهبة . برأي اي صحفي مهما كان المجال الذي يخوضهُ فإنه حتمًا سيواجه صعوبات بحسب المكان الذي يمارسُ فيه المهنة . لكن!  و بفضل البيئة التي ترعرت بها و بسبب الخلفية الصحفية التي نشأت معي ساعدني والدايّ للتغلب على تلك العقبات من خلال التجارب التي مروا بها و صادفتهم ، و هذا ساعدني كثيراً.

{ نعم هذا جيد ، طيب لماذا هاجرتي الى خارج العراق ؟

-الآمان ! هو العنصر الأهم و الوحيد الذي نبحثُ عنه اينما كان ، و هو ادنى مقومات العيش السليم ، كل شخص على هذه الأرض يستحق أن ينعمَ بالأمن والامان و يحظى به لضمان استمرارية الحياة و التركيز في تفاصيلها  و بالأخص بوجود العائلة و الأطفال .

{ ماهو سبب اختياركِ لهكذا نوع من المقاهي ؟

–           شغفي و تأثري بالنمط الكلاسيكي هو ما دفعني الى البحث عن هوية جديدة للمقهى ، عن هوية تدمج عصرية الغرب مع سحر الشرق ! حيث انا من محبي ستايل او طراز ( الريترو- Retro ) أو ال ( ڤنتج- Vintage ) .هو طراز بدأ بعد الثورة الصناعية في العالم الغربي و التي حققت  إنجازات عديدة في التكنلوجيا و كان لها اثر كبير في المجتمع ، حيثُ ولدت اتجاهات فنية متعددة غيرت معتقدات الناس و أذواقهم الفنية . حيث يعتمد على الألوان المفعمة بالحياة و الملفتة للإنتباه و بالأخص في الملبس و أدوات المطبخ ! حيث أشعر بأنني انتمي الى هذه الحقبة الزمنية ، لذا قررتُ أن اخذكم برحلة زمنية الى عصر الريترو و لكن بلمسة مختلفة اي مقهى اوربي بروح شرقية .

{ من اين استوحيتي اسم المقهى “ليمون وكرز”؟

–           من حبي و ولعي بهذا الفاكهة الجميلة ( الليمون ) ، أردت ان اختار إسم مميز و له صلة بالأصناف التي اقدمها ، ولم أجد أفضل من الليمون ، لإنها من الفواكه التي نستطيع منها إعداد الأطباق الحلوة و المالحة ، بالإضافة الى انها تتمتع بفوائد كثير ، و نستطيع استخدامها كلها من القشر ، للعصير و حتى البذور الذي يُصنع منه الزيوت و العطور .  و نفس الشيء بالنسبة الكرز !

  و عندما نرى انسجام الفاكهتين من حيث الالوان و المذاق و حتى الشكل فإنه شيء مميز يخطف القلب ( بالنسبة لي )!

{ ما الذي يميز مقهى ليمون وكرز ؟

-مايميزهُ هو ان جميع الأصناف منزلية الصُنع ( Homemade )? اي انني اصنعها بنفسي .

بالإضافة الى تنوع الأصناف المقدمة ، حيثُ جمعتُ من عدة دول اصناف مشهورة من المخبوزات و الحلويات و اضفتُ عليها لمسة شرقية بسيطة ، سواء من حيثُ المذاق او الشكل ليناسب طراز المحل و ذوق الزبون . حيثُ اقدم اصناف متنوعة من المخبوزات  و الحلويات العراقية ، الانگليزية و السويدية ، بالإضافة الى اصناف الشاي ، القهوة و المشروبات الباردة .  كما أن الوان ، ستايل المقهى  و الموسيقى التي اعتمدها هو مايميزهُ عن بقية المقاهي .

{ هل واجهتِ صعوبة في فتح المقهى الخاص بكِ؟

-بكل تأكيد ! بداية كل مشروع يوجد تحديات و صعوبات يجب ان نواجهها ، بالأخص اذا كان في غير بلد الأًم ، حيث تحديات اللغة و الحصول على موافقات و تصريحات . و البدء في مشروع جديد يتطلب وقت و جهد استثنائي.

بالأخص عند بداية كل مشروع يجب تقديم جدول و خطة عمل للمشروع و يجب الموافقة عليه من قبل غرفة التجارة للحصول على رقم ضريبي ، ناهيك عن التفاصل الاخرى من البحث عن مكان ملائم لإقامة المشروع ، و بناء هوية مستقلة للمحل … الخ

التحدي الاكبر بالنسبة لي هو كان الحصول على قرض من البنك لتمويل المشروع ، ولكن اغلبية البنوك رفضت المشروع لإنه مخاطرة كبيرة بالنسبة لهم ! و لكن إصراري كان هو الدافع للمحاولة مرارًا وتكرارا حتى تمكنت  اخيراً من الحصول على قرض لبدء المشروع عندما طرحت الفكرة على احدى البنوك التي رحبت بالفكرة و مولتني.

استغرقت الأمور الإدارية ثلاثة سنوات للبدء بالمشروع .

{ في بداية افتتحاكِ للمقهى كيف كان رأي الزبائن ؟

–           الإنبهار !حيث كانوا مبهورين بالديكور ، الألوان ، الأصناف المقدمة و الموسيقى ، بالأخص انتِ من مدينة جميع المقاهي و المحلات لديها نمط واحد من حيث العمارة و الديكور و حتى الألوان !  اذا كسرت هذا النمط و بدأوا يترددون على المقهى برفقة أصدقائهم و عوائلهم ، لإنه شيء جديد و عصري يمزج الذوق الاوربي مع لمسة شرقية حديثة ، و خاصة ان صاحبة المقهى ليست فرنسية ! حيث ساورهم الفضول عن هوية صاحب هذا المقهى ! بعدها بدأوا يترددون و يبدون إعجابهم بكل التفاصيل الموجودة .

{ ماذا ممكن ان نتذوق في مقهى لانا؟

– مقهى الليمون و الكرز هو مقهى نباتي-عضوي ، أي ان جميع المواد الأولية المستخدمة لصنع الأطباق هي أغذية عضوية تمت زراعتها و إنتاجها دون إستخدام الهرمونات المعدلة وراثياً او المواد الكيميائية ، كالمواد الحافظة و المنكهات . اقدم للزبائن تشكيلة مميزة من المخبوزات العربية و الاوربية ، بالإضافة الى عدة اصناف من الحلويات من عدة دول مختلفة ، حيث توجد اصناف ثابتة و أصناف تتغير كل يوم . بالإضافة الى أنواع متعددة من الشاي الأسود ، الأحمر ، الأخضر و الأبيض ، ناهيك عن شاي الاعشاب و الأزهار ، و على رأس المجموعة طبعاً الشاي العراقي بالهيل. بالإضافة الى القهوة العربية ، البرازيلية و الفرنسية. كما اقدم للزبائن وجبة غداء خفيفة لاتحتوي على اللحوم مثل السلطات و الفطائر ، الحلويات الخالية من السكر الصناعي .ما يميز أطباقي هو اللمسة الشرقية بفضل التوابل التي استخدمها و لكن بشكل يلائم ذوق الفرنسين.

{ من اين تعلمتِ تحظير الحلويات؟

–           في البدء كانت هواية ! ولكن لم اتصور يومًا اني سأمتهن هوايتي . تعلمت اصول الطبخ و صناعة المخبوزات و الحلويات من جدتي ، و من كتب الطبخ الغربية التي كانت تملأ رفوف المطبخ . جدتي و مثل سائر الجداتّ ، كانت سيدة المطبخ  بأطباقها الشهية و لمساتها التي لازلتُ احتفظ بها بين ثنايا حواسي كلما طبقتُ وصفاتها. علمتني اصول الطبخ ، سحر التوابل و مزجها ، كيف نصنع الخبز و كعك البرتقال ، كيف نمزج المكونات مع بعضها و ندللُ حواسنا بمذاقها. هناك مثل يقول ” مع التدريب يأتي الإتقان”. حيث كثرة التدريب او صنع الحلويات يولدُ الإتقان ، لإن مع كل تجربة غير ناجحة يوجد درس نتعلمه عن ماهي نقاط الضعف او البحث عن عدم نجاح الوصفة ، بالتالي التكرار يولدُ الإتقان .

{ هذا صحيح ، ماذا تصفين تجربتكِ في مجال مختلف تماماً عن مهنة الصحافة؟

–           تجربة رائعة و مكملة لما بدأته ، بالنسبة لي عالم المخبوزات و الحلويات عالم مكمل لمهنة الصحافة( اتحدث عن تجربتي ) ، حيثُ وجدتُ الشغف الذي كنتُ ابحث عنه . مهنة الصحافة مهنة مميزة و رائعة ، حيث نترجم افكارنا ، آرائنا و تحليلنا للأمور اما عن طريق الحبر او عن طريق الكاميرا . اما عالم الحلويات فنترجم احاسيسنا بمزج السكر مع الزبدة و الشوكولاتة و نقدمها على شكلٍ كعكة تسر القلب و العين . اذكرُ كلما كنت اواجه مطب من مطبات الحياة في مجال مهنة الصحافة كنت ادخل المطبخ لصنع قالب حلوى لتحسين مزاجي و نفسيتي ، كأن هناك معالجاً نفسيًا او معلماً روحيًا يختبأ بين حبات السكر ، ملمس الدقيق و رائحة الكعك ! نعم بالنسبة لي عالم المخبوزات هو الدواء و العلاج ، حينها ادركتُ ان السعادة هي ابتكار الوصفات و صنعها بحُب لمن نُحب.

{ ماهو اسلوبكِ الخاص في تحظير الحلويات وتقديمها للزبائن ؟

–           الإعتماد على الطعم و الشكل ! كلاهما مُكمل للآخر ، حيث اقوم بالتركيز على الطعم بنسبة عالية ، اي يجب ان نتذوق و نشعر بالمكونات عندما نتناول الكعكة حسب ماتحتوي الوصفة ، اي مثلًا طعم الزبدة ، الشوكولاتة ، العسل ، الليمون ، القرفة…الخ اي نشعر مع اول قضمة بمكونات الوصفة . و هذا يعتمد بالتأكيد على جودة المواد الاولية المستخدمة. لإن جودة الطبق من جودة المواد الأولية . كما اني احرصُ على تقديم كل ماهو جديد و غير مألوف للفرنسين ، ولكن بشكلٍ يحترم ذائقتهم و اسلوب اختيارهم للوصفات . بالإضافة الى طريقة التقديم و الشكل العام للحلوى ، لإن العين هي التي تحكم قبل الطعم ! لذا احرص على شكلها الخارجي ، كما ان الاطباق التي اقدم بها الحلويات اطباق تعكس ستايل المقهى و ذوقهُ.

{ ماذا كنتِ تعملين قبل افتتاح مقهى ليمون وكرز؟

–           كنت صحيفة و مصورة فوتوغرافية ، عملت في عدة صحف عربية و فرنسية ، ورقية و الكترونية . كما كنت اعمل مع الوالد في صحيفته الالكترونية (الگاردينيا).

{ كيف كانت مشاركتكِ في مشاريع لدعم المرأة في فرنسا؟

–           كانت لدي مشاركات عديدة لدعم المرأة و حماية حقوقها المدنية و بالأخص في قضية حساسة جداً و هي قضية ختان الإناث و آثاره الجسدية و النفسية. حيث سلطت الضوء على هذه الظاهرة التي مازالت للأسف تمارس في بعض الدول الى يومنا هذا! من خلال اقامة عدة ندوات في المعاهد و المدارس الفرنسية عن اهمية دور المرأة في المجتمعات الشرقية و دور الصحافة و الصحفيين في الدول التي تعاني من الحروب . كما كنت ضيفة شرف مهرجان الصحافة الفرنسية عام 2015 . كما انني كُرمت من جميعة دولية لحماية حقوق المرأة (Sorptimist) و التي اصبحت عضوة فيها فيما بعد . كما اننا نعمل على القضايا التي تهم المرأة ، مثل العنف ضد المرأة ، ختان الإنات ، حملات التوعية الشاملة لسرطان الثدي ، تعليم الإناث  في البلدان التي تمنح حق التعليم للذكور فقط!

بالإضافة الى سرد دور المرأة العراقية و تصحيح تلك الصورة السطحية بإن المرأة العربية هي محدودة الانجازات ، و عليه انا بصدد إعداد كتاب عن دور المرأ العراقية و إنجازاتها بالأخص ابرز النساء البارزات في شتى الميادين .

{ ماهي نصيحتكِ لكل امرأة لديها شغف في موضوع ما وكيف تستطيع تحقيق حلمها ؟

–           اولاً ، تحديد هدفها او حلمها ، حيث من المعروف ان الرغبات بتحقيق الاحلام تتغير بتغير العمر و الظروف التي نعيشها ، لذا يجب تحديد الهدف اولاً ثم العمل عليه . و من اهم مقومات النجاح هو الثقة بالنفس ! يجب ان تتحلى بالثقة التامة بنفسها و بقدرتها على تحقيق حلمها ، لإن طريق الوصول ليس بسهل و لإن الحياة باتت بتفاصيلها رحلة شاقة ، لذا يجب ان تتحلى بالصبر و ان تدرس خطواتها جيدًا قبل ان تباشر بأي عمل او مشروع ، من خلال الإستعانة بأصحاب الخبرة و ان تجمع اكبر قدر من المعلومات عن المجال الذي تنوي الخوض فيه . لإن بتطور الحياة اصبح للمرأة دور كبير في النهوض بالمجتمعات و الاعتماد عليها كعنصر اساسي و فعال . لذا أطلب من كل فتاة ان تعتمد على نفسها ، شهادتها و عملها لتبني ذاتها و مستقبلها ( قدر المستطاع) !

و اؤمني بنفسك اولاً ثم اؤمني بحلمك. مع تمنياتي القلبية للجميع بدوام النجاح و الموفقية و تحقيق احلامهم البعيدة قبل القريبة .

ختامًا ، أشكر جريدة الزمان و الآنسة غادة على استضافتها لي ، للعلم اني لازلت اؤمن بإن قراءة الجرائد يجب ان تكون بملمسها ، حبرها و رائحة ورقها و كل الحب لجريدتكم التي اهتم بتصفحها يوميًا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com