مجتمع

النقيب السابق للمحامين العراقيين ضياء السعدي: كل طرق حل الأزمة السياسية العراقية مسدودة

بيدر ميديا.."

النقيب السابق للمحامين العراقيين ضياء السعدي: كل طرق حل الأزمة السياسية العراقية مسدودة

حاوره: مصطفى العبيدي

 

ضياء السعدي النقيب السابق لنقابة المحامين العراقيين ونائب الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، تحدث لـ«القدس العربي» عن المشهد العراقي والأزمات السياسية والدستورية التي يمر بها البلد، ومواقف النقابة إزاء القضايا الوطنية والعربية. ويذكر ان المواقف الوطنية للمحامي ضياء السعدي، جعلته يتعرض لعدة محاولات من بعض القوى السياسية المتنفذة بعد 2003 لإبعاده عن منصب نقيب المحامين مستخدمين مختلف الضغوط ومنها سلاح قانون اجتثاث البعث، إلا انه أثبت انه لم يكن قياديا أو عضوا فعالا في ذلك الحزب، كما انه معروف عنه عدم استغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية حيث قرر التنازل عن الامتيازات المالية الخاصة بمنصبه كنقيب للمحامين، إضافة إلى مواقفه الوطنية المعروفة. وبالتالي فإن سيرته والتزامه النهج الوطني المستقل جعل المحامين العراقيين يعيدون انتخابه نقيبا لهم لدورتين متتاليتين، إلا ان مواقفه جلبت له أيضا الكثير من الأعداء والخصوم وخاصة من الأعضاء المقربين من أحزاب السلطة وبلدان الاحتلال. وفي ما يأتي نص الحوار.
○ في خضم الأزمة السياسية والدستورية التي يمر بها العراق حاليا، يرى الكثيرون أن أحد أسبابها هو الدستور العراقي الذي فيه ثغرات واشكالات، ما رأيك بهذا الأمر؟
•ان دستور 2005 وضع والعراق تحت الاحتلال، ولم يتم وضعه بإرادة وطنية حرة، وهو دستور غير متكامل فيه الكثير من الثغرات والاشكالات، ومن نتائجه أننا نعيش الآن أزمة سياسية قانونية دستورية حادة من خلال عدم تمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل حكومة جديدة. ولحد الآن تبدو كل الطرق مسدودة، بسبب إرادة محلية وإقليمية، رغم ان مجلس النواب تنتظره مهام وتحديات عديدة وأزمات وطنية حادة يعاني منها العراقيون.
○ ما المطلوب لمواجهة الأزمة السياسية الحالية في العراق؟
•رغم ان الدستور فيه مواد غامضة وقابلة لتعدد التفسيرات، إلا ان مواده واضحة، فالمادة القانونية التي أشارت إلى ان انتخاب رئيس الجمهورية يتم بحضور ثلثي أعضاء مجلس النواب، ولكن تبدو المخارج من هذا المأزق غير متوفرة بسبب إرادة بعض القوى السياسية، وهذا يقود العراق إلى تراكم الأزمات العديدة وزيادة معاناة العراقيين، لذا فهم في حالة من القلق والغضب من استمرار هذه الحالة.
وقد طالبت النقابة بضرورة وضع دستور جديد للعراق ينطلق من ضرورة الحفاظ على وحدة البلد وسيادته، ومعالجة كل الافرازات السلبية لتطبيق دستور 2005 الذي أثبت عدم قدرته على تنظيم الدولة، وهو ما دفع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان إلى المطالبة بإجراء تعديل عاجل على الدستور لحل الأزمة الحالية في البلد، على ان تتم الاستعانة بالمختصين بالقانون الدستوري من العراقيين الفقهاء والمجتهدين في هذا المجال الذين يعرفون الثغرات والاشكالات فيه، إضافة إلى الاستعانة بالخبراء الدوليين بهذا الجانب، مع إبعاد الاجندات السياسية الأجنبية عنه. علما بان العشرات من مواد الدستور الحالي معلقة بإصدار قوانين، إلا ان تلك القوانين لم تصدر بسبب الإرادة السياسية لبعض القوى المستفيدة من الأوضاع الحالية.
○ كيف تقيمون دور نقابة المحامين أزاء قضايا العراق وهل أدت دورها النقابي والوطني بما يخدم الوطن؟
•دور النقابة جامع لكل المحامين وتعبر عن آرائهم ومصالحهم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية، كما تعبر عن مواقفهم إزاء ما يجري في العراق بعيدا عن التأثر بالمواقف الحزبية. وكان نهجنا خلال عملي كنقيب للمحامين، هو تعزيز استقلالية النقابة، بعيدا عن أي ارتباطات حزبية أو حكومية أو أيديولوجية، لذا لم نقبل ان تكون النقابة مرتبطة بالأحزاب أو تتلقى توجيهات منها، وبالتالي تفقد النقابة دورها وقرارها الوطني الذي يصب في مصلحة المحامين المهنية، ومصلحة الشعب العراقي.
○ هل لمست تدخلات في عمل النقابة؟
•لا ينكر ان هناك بعض المحاولات للسيطرة على النقابة ولكن إصرار قيادات العمل النقابي على ان تكون النقابة مستقلة أبعدتها حتى الآن عن الارتباطات الحكومية والحزبية، وتمسكت بأهم شروط العمل النقابي وهي الاستقلالية، وينسحب ذلك أيضا على القضاء الذي لا سلطان عليه إلا سلطة القانون، وان لا يقبل بتدخل أية جهة في عمله، لكي لا تضطرب العدالة ويصبح المجتمع في حالة عدم اطمئنان للقضاء.
○ ماهي مواقف النقابة إزاء قضايا حقوق الإنسان مثل ملف المغيبين والمعتقلين قسرا وغيره؟
•انطلاقا من اهتمام النقابة بالشأن الوطني والجوانب الحقوقية والإنسانية والقانونية للشعب العراقي، فقد كان لها مواقف معروفة، مثل الدعوة إلى وقف ممارسة تعذيب المعتقلين في التحقيقات لكونه محرم في الدستور وقانون العقوبات، وفي ضرورة إعادة المهجرين إلى ديارهم عقب احتلال داعش لمناطقهم، وتعويض الدولة لهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء تدمير دورهم ومناطقهم. وفي قضية أخرى طالبنا بالكشف عن مصير المخطوفين والمغيبين قسرا، ومعرفة أماكن احتجازهم والجهات التي قامت باحتجازهم خلافا للقانون، إضافة إلى العديد من المواقف تجاه مشاكل العراق.
○ ما موقف النقابة خلال انتفاضة تشرين المطالبة بالإصلاحات والخدمات؟
•نقابة المحامين دعمت انتفاضة تشرين 2019 بعدة طرق منها تنظيم تظاهرة كبيرة للمحامين في ساحة التحرير وسط بغداد، دعما للمتظاهرين ومطالبهم الشرعية والقانونية والدستورية مثل الإصلاحات والخدمات ومحاربة الفساد والسيادة، حيث قامت النقابة بنصب خيام اعتصام في ساحة التحرير مع المتظاهرين، كما شكلنا فرقا من المحامين المتطوعين تبنت الدفاع عن حقوق المعتقلين من المتظاهرين، والمطالبة بإطلاق سراحهم وتقديم التعويضات لهم ولباقي ضحايا الانتفاضة.
○ كيف كانت مواقفكم أزاء الاحتلال الأمريكي للعراق؟
•خلال عملي كنقيب للمحامين لدورتين، رفضنا الاحتلال بكل أشكاله وممارساته، حيث أكدنا على حقوق العراق كبلد محتل، استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1483 لسنة 2003 الذي اعتبر القوات الأمريكية والبريطانية قوة احتلال، وبالتالي كان على تلك القوات الالتزام بقوانين الحرب وخاصة اتفاقية جنيف، إلا ان عدم التزام قوات الاحتلال بالقواعد الدولية المنظمة للحرب الحق أضرارا فادحة بالدولة وبالشعب العراقي، ولذا كان لنقابة المحامين مواقف وطنية أبرزها المطالبة بالتعويض عن الدمار الذي لحق بالبلاد وقتل الأبرياء العراقيين أو استخدام أسلحة محرمة دوليا، او الانتهاكات ضد المعتقلين في سجن ابي غريب، كما كان للنقابة موقف ازاء حادثة ساحة النسور في بغداد عندما قتلت قوات الاحتلال 21 عراقيا من المدنيين المتواجدين صدفة في المنطقة دون مبرر.
والحقيقة ان المحاكم العسكرية الأمريكية لم تحاكم جنودها الذين ارتكبوا جرائم مخالفة للقانون الدولي في العراق، رغم انها موثقة، لذا طالبنا بضرورة إلغاء قرار الحاكم الأمريكي بول بريمر في المذكرة 17 لسنة 2003 الذي منع القضاء العراقي من الاستماع للدعاوى التي تقدم للمحاكم العراقية ضد جرائم الجنود الأمريكان، ودعونا إلى ان يكون القضاء العراقي هو المسؤول باعتبار الجرائم وقعت داخل العراق، لأن المذكرة 17 وفرت غطاء لحماية مرتكبي الجرائم ضد العراقيين، والغريب ان العمل بالمذكرة ما زال قائما حتى الآن رغم دعواتنا المتكررة لمجلس النواب العراقي من أجل الغاءها، لاتاحة المجال للعراقيين لإقامة دعاوى ضد جرائم الاحتلال. وقد طالبنا أيضا بمحاسبة دول الاحتلال على جرائمها ضد العراقيين خلال الاحتلال ولتشمل قصف ملجأ العامرية الذي قتلت غارة أمريكية عليه أكثر من 400 مدني، وكذلك التعويض عن قصف مفاعل تموز النووي السلمي من قبل إسرائيل قبل احتلال العراق.
○ نلاحظ هذه الأيام إتساع ظاهرة النزاعات المسلحة بين العشائر وخاصة في جنوب العراق، كيف تنظرون إليها وما أسبابها ومن الجهات الداعمة لعدم استقرار العراق أمنيا؟
•الصراعات المسلحة بين بعض العشائر واستخدام أسلحة متوسطة وثقيلة فيها، هي ظاهرة خطيرة لم تكن مألوفة في تاريخ العراق قبلا، كما انها تتكرر في أكثر من محافظة ويذهب فيها الكثير من الضحايا، بما يشبه الصراع العسكري المسلح بين العشائر لأسباب غير مقبولة. ونحن نخشى ان تتحول إلى نهج مألوف، أما الأسباب فمنها عدم الإيمان بالدولة ودورها في الفصل بالمنازعات، ودور القضاء، وكأنما يراد بنا العودة إلى العهود القديمة المتخلفة باللجوء إلى العرف العشائري بدل القانون لحل النزاعات، وهو أسلوب غادرته البشرية منذ عهد بعيد. ومن أسبابه أيضا ضعف الدولة وأجهزتها الأمنية في مجابهة الذين يعتمدون هذا الأسلوب بعيدا عن القانون، إضافة إلى أسباب أخرى منها ضعف الولاء للدولة وتفضيل البعض للولاء للعشيرة أو الحزب، ودعم قوى سياسية لبعض أطراف النزاعات العشائرية. ومطلوب موقف حازم من الدولة والقضاء حتى إذا تطلب الأمر تغليض العقوبة في قانون العقوبات أو إصدار قانون خاص يتعامل مع مثل هذه الظاهرة، والحد من تأجيجها من قبل بعض الأحزاب التي تستغلها سياسيا وطائفيا.
○ ما هو موقفكم من دعوات البعض للتطبيع مع إسرائيل؟
•بعض المحللين يرون ان عدم الاستقرار السياسي في العراق وخاصة ما يتعلق بعدم تسمية رئيس الجمهورية أو تشكيل حكومة جديدة، في جانب منه هو مقدمة لتمرير ممارسة الضغوط من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني (إسرائيل) والحقيقة ان تواجد اسرإئيل في العراق من خلال أجهزة مخابراتها أصبح واضحا، إلا ان هناك توجها لدى مجلس النواب في جلسته المقبلة بطرح قانون تجريم التطبيع، وهو توجه يستجيب لإرادة شعب العراق الذي لا يرغب بالتطبيع أو الاعتراف بدولة إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين التي لا تزال تمارس البطش والقتل بحق الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية والتي ذهب ضحيتها الكثير من الشهداء، وآخرها اغتيال الصحافية شيرين ابو عاقلة، إضافة إلى اغتصاب المزيد من الأراضي الفلسطينية.
○ باعتبارك نائب الأمين العام لاتحاد المحامين العرب ما هو دورك في نقل صورة الواقع في العراق والأزمات التي يمر بها؟
•خلال مشاركتي في اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، قمت بنقل صورة عما يجري في العراق وتضمين كل تقارير الاتحاد فقرات عن العراق وأزماته، حيث أصدر الاتحاد بيانات عديدة بخصوص أحداث العراق تؤكد على ضرورة الوحدة الوطنية ونبذ الصراعات القومية والطائفية وضرورة تأكيد سيادة واستقرار العراق وتقديم الحلول للأزمات التي يمر بها البلد بعيدا عن التدخل الإقليمي والدولي، مع التأكيد على إقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان. وقد ادان اتحاد المحامين العرب، الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق ودعا إلى محاكمة القيادات العسكرية والسياسية الأمريكية والبريطانية في محاكم جنائية دولية إضافة إلى مطالبة البلدان المحتلة بالتعويضات عن الأضرار والدمار الذي لحق بالعراق جراء الاحتلال.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com