تحقيقات

لماذا نقرأ أو بالأحرى لماذا ندرس الوثائق الرسمية ؟

بيدر ميديا ..

لماذا نقرأ أو بالأحرى لماذا ندرس الوثائق الرسمية ؟

الدكتور /ضرغام الدباغ .

الأمر بتقديرنا يتعدى ما يعتقد بأنه ترف ثقافي إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، ومن هنا ولد اهتمامنا بدراسة الوثائق البريطانية حول العراق، ثورة الرابع عشر من تموز: 1959 ـ 1958 التي جمعها وترجمها وله الشكر والتقدير على ذلك الأستاذ خليل إبراهيم حسين (الضابط الحر، العميد المهندس، وزير الصناعة السابق) بطريقة تدل على الحرص، بالإضافة إلى الدقة والموضوعية، ووضعها في أجزاء ثلاثة تغطي المرحلة الممتدة من 2 / تموز ـ يوليو / 1958 وحتى 9 / تموز /1959 وهي وثائق البعثات الدبلوماسية البريطانية في العراق والبلدان المحيطة به مع المركز (وزارة الخارجية البريطانية بلندن) وسفارات بريطانيا في واشنطن وباريس وموسكو أو غيرها بقدر تعلق الأمر بالأحداث العراقية.

 

وقد تضمنت 550 وثيقة امتدت بعدد1117   صفحة، وأغلب الظن أن أي خلل أو انقطاع في سلسلة التطورات، مرده أن بعض تلك الوثائق قد تعرضت للشطب أو الحجب. أو ربما أن هناك تقارير لم تطرح ضمن الوثائق المعروضة تحت أنظار أو متناول الباحثين وعلينا أن نعلم أن الدوائر البريطانية ( وزارة الخارجية ـ أجهزة الإعلام )، على ما يعرف عنها من موضوعية، إلا أنها لا تتأخر بحجب ما يؤدي نشره إلى مضاعفات غير مطلوبة أو مرغوبة، أو ربما إلى فضائح سياسية مدوية، بل أن هذه الأجهزة الإعلامية منها بصفة خاصة، لا تتوانى عن المساهمة بحملات تضليل منظمة بهدف حرف أبصار وأذهان المتلقي إلى محاور واتجاهات ثانوية.

 

وقد مورست هذه السياسة في مناسبات عديدة أبرزها حرب السويس / 1956 أحداث حرب فوكلاند /1982، الأحداث العراقية / 1990 – 1991 وحتى 2003 وبعدها، وغيرها, كما يجدر الذكر بأن وزارة الخارجية البريطانية لم تطرح حتى الآن دلائل أو وثائق تكشف غموض وملابسات رحلة نائب هتلر، رودلف هيس الجوية في طيرانه من برلين إلى لندن أبان الحرب العالمية الثانية (1941) رغم مرور ستون عاماً عليها ووفاة اللاعبين الرئيسيين في القضية هيس وتشرشل.

 

وإذا كان المترجم الأستاذ خليل إبراهيم، الذي سنعتمد بدرجة أساسية على إنجازه الممتاز بالإضافة إلى كتاب تأريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري بحلته واتجاه العمل الجديد فيه، وهو بدوره إنجاز يستحق العاملون فيه التقدير، نقول أن الأستاذ خليل إبراهيم لم يشأ أن يعلق كثيراً (إلا فيما هو ضروري) على التقارير، ولم يؤشر بما يعتمل في وجدانه الوطني والقومي، وهو الضابط المساهم في حركة الضباط الأحرار والمطلع على الأحداث، فأنه قد فعل ذلك مصداقًا لموضوعيته وأمانته ودقة إنجازه وحرفية عمله وحسناً فعل، وتركها كمهمة لغيره، فأننا بدورنا لا نريد التركيز على الوثائق ومناقشتها كمفردات، بل اخترنا أن تكون دراستنا مركزة على ثلاثة محاور رئيسية:

 

1 . محور التعريف بأهمية الوثائق البريطانية، درجة دقتها، موضوعيتها.

2 . محور التعريف بأهمية الاتجاهات، وهي التي تركزت حولها الوثائق وتحليل أبعاد تلك الاهتمامات

3 . محور الملاحظات حول الجانب المهني والمعلوماتي، في الوثائق البريطانية وأهمية ذلك في مجال صياغة المواقف والقرارات السياسية حيال العراق بصفة خاصة والقضايا العربية بصفة عامة.

 

وأخيراَ وليس آخراَ، الاستفادة من عبر ودروس التاريخ، فأن الجهات التي تناوئ الأقطار العربية والنامية بصفة عامة تعول بنسبة كبيرة جداً على التناقضات الداخلية، وهي ثانوية في الغالب، كثغرات فتستغلها لإلحاق أفدح الأضرار بالسيادة الوطنية والاستقلال السياسي، وتعميق التبعية الاقتصادية، وفرض أنماط غريبة على الثقافة الوطنية، وأخيراً لجعل هذه الأقطار لواحق تدور في أفلاكها كبلدان تابعه للمتربولات لا قيمة تاريخية لها، كما وتفقدها الأمل في إحراز مواقع أفضل في التبادلات الاقتصادية أو في مساهمتها في مسرة الحضارة الإنسانية.

 

وسوف يدرك القارئ اللبيب هذه المرامي بسهولة بمجرد أن يمنح هذه الصفحات الاهتمام الكافي ثم ليجد في نهاية المطاف أمراَ آخر في غاية الأهمية: هي أن أهداف المستعمرين هي واحدة (في معظمها) وإن ما يتغير هو الأساليب فقط دون الجوهر.

 

 

                              د. ضرغام الدباغ

 

                                 بغداد / برلين

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com