مقالات

الدراما السورية . . تحت مجهر الجمهور

حكايات سورية ملونة ،ومختلفة ،تطل كل عام عبر الشاشات العربية لتحدث حراكا إعلاميا ،بكافة مجالاته ،
وحضورا جماهيريا كبيرا في كل مساحات الوطن العربي .
 حكايات لاتشابه أي حدوتة سمعناها من قبل ،فقد عودنا صناعها على الاختلاف والتميز ، والرقي ، وكانت في معظمها تحمل هدفا ،أو رسالة تسعى لإيصالها من خلال نص متماسك ، وحوارات شفافة ،مبسطة ،وحبكة درامية رغم اختلاف درجاتها من كاتب لأخر إلا أنها فرضت وجودها رغم كثافة الاعمال التي تقدم في آن معا .
هذا العام شكلت الدراما السورية كما وصفها البعض صفعة غير متوقعة لحشد كبير من الجماهير التي تنتظر بفارغ الصبر كتابنا ومخرجونا ، وممثلونا ليطلوا علينا ببريق مختلف عن كل عام ،وأحداث تأخذهم إلى أماكن مربكة ،ومفرحة ،ومحزنة في آن معا، خاصة وأن ذاكرة المشاهد العربي والسوري ،لا زالت حاضنة لتلك الدراما التي أطلت علينا قبل سنوات طويلة ، لتتربع على عرش الدراما هازمة منافستها المصرية ،التي كانت مسيطرة على عرش الشاشات .
الاختلاف هذا العام لم يتوقف عند طبيعة الاعمال التي قدمت وفحواها ، كما لم يتوقف عند طريقة الإخراج اي إختلاف المدرسة الإخراجية لكل قائد عمل ، أو عند تكرار الحوارات التي شابهت نفسها ،أو حتى عند المشاهد التي كانت تمر دون أن تعرف لما كتبت ،وهي لا تحمل أي جديد في سير الاحداث، الملفت في نظر البعض هو الإحساس أن الدراما السورية موقعة باسم عدد محدد من نجومها ،وان الدراما السورية باتت محصورة فقط بمن نجم وأبدع في عام من الأعوام ، ليكون هو الملك فقط على عرش خمسة أو ستة أعمال ،والملفت أن الممثل المتكرر يبدو أنه فقد قدرته على الخروج من حالة ما إلى حالة أخرى مختلفة ،حتى بت ترى ( أحمد ) هو نفسه ( أحمد ) ولكن في عمل آخر ويتجلى ذلك بوضوح من خلال طريقة كلامه ،حركاته،لحيته،شعره،وكأن ممثلنا بات معتمدا على اسمه الذي طال النجومية ،غير آبه بالمشاهد الذي يعيش الشخصية التي تُقدم ويعشقها مثله تماما إن كانت مقنعة بكل تفاصيلها .
نحن لسنا بصدد انتقاد نجوم الدراما ،ولا التقليل من قيمة موهبتهم أو إبداعهم ، بل للفت انتباههم أننا بحاجة للإقناع أكثر . . الدراما هذا العام حملت تشابها كبيرا بمعظم ما قدم في السنوات السابقة رغم اختلاف التسميات ،وذلك ما جعل عام 2017 ،مختلفا عن غيره من الأعوام الأخرى بأكثر من صورة،مما دفع البعض للبوح بشكل صامت أو علني ،أن الوضع الراهن الذي تعيشه سوريا جعل الأقلام تبتعد عن الإبداع الشخصي الذي لمسوه، بحيث أن جزاء مما قدم عن الأزمة لم يحمل ما هو جديد ، بل عايشناه ،ولا زلنا حتى اللحظة، وكل ما شاهدناه ،عرض من قبل عبر المحطات الإخبارية ، ناهيك عن غياب ما هو أقسى ،وعن الافتقاد إلى طرح قضايا كان من المفترض أن تطرح وبشكل واضح وصريح، إضافة أن هناك من يرى فيما قدم ،استغلالا للوضع الذي تعيشه البلاد العربية بالعموم ،وسوريا بالخصوص، وكان من المفترض عدم تأجيج المشاعر ،وإعادة الأحزان ،والآلام ،خاصة ونحن معتادون أن الدراما تتحدث عن التاريخ ،ولكن بعد فترة على مرور الحدث ، وليس قبل انتهائه .
اما أعمال البيئة الشامية ، كان هناك فجوة بينها وبين المتلقي الذي طالما أحبها وانتظرها ، ولا نستطيع أن نعرف لما خفت بريقها ،هل الاستسهال في صياغتها هو وراء ذلك ؟ رغم أننا لا يمكن أن ننكر أن العمل البيئي كان حجر أساس في الدراما وما من داع لذكر بعضها فهي خلفت وراءها بصمة لا تمحى .
أما الكوميدية والتي كانت تحمل باقة جميلة من الابتسامات ،كانت فقيرة بكل معنى الكلمة ،وغائبة رغم التواجد الطفيف الذي قدم، وما عرض كان دون المستوى ،لدرجة أن ما طرح حمل الكثير من الحوارات الفائضة بالجمل التي لا عبق لها ،فلا تعرف أين تبتسم وأين تتأثر، فقد اختلطت البسمة بما يفترض أن يقدم بما هو بعيد عن الكوميدي ، والحقيقة ما قدم من كوميديا مصغرة هو بعيد تمام البعد عن الكوميدية الناضحة ،بل كانت عبارة عن برعم صغير يحتاج لوفرة من المياه ولمعرفة كبيرة بأصول نسج العمل الكوميدي، وهنا نسأل لما غاب مبدعو تلك الأعمال ،فقد كنا بحاجة لها وبالذات هذا العام ، لتغسل ما بداخلنا من وجع .
نبرر للدراميين السوريين ، ربما لأن حالة التخبط ،التي نعيشها في هذه المرحلة ، ومشاعر القلق ، نغصت على الكثير من مبدعينا، و ربما ذات الحالة منصهر بها المتلقي بشكل أكبر لذلك لم ينسجم كما العادة مع ما قدم ، وبكلا الحالتين نغفر للمتلقي رأيه، ولكن للمبدعين نعاتب ، نطالب ،أن يكون قلمهم بمستوى نضج المشاهد و أن يفرز الأمل القادم على سوريا أعمالا أكثر إبداعا واقناعا ،وبعيدا عن شلالات الدم التي باتت صلب النصوص الدرامية .
الدراما السورية مطالبة بالعمل الحثيث لتعيد الرونق لحضورها الغائب منذ سنوات الأزمة السورية .. ننتظر موسم 2018 أن يكون مليئا بالحب ،والامل ، والنجاح ،والمادة الدسمة المفيدة للمجتمع العربي عموما والسوري خصوصا ،فالدراما ليست فقط نقلا للواقع ، و إنما خلق له .
بقلم الكاتبة
وسام حمود
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com