منوعات

الكبار دمروا اليمن السعيد وأعاد بناءه فتى صغير!

بيدر ميديا ..

الكبار دمروا اليمن السعيد وأعاد بناءه فتى صغير!

 

مريم مشتاوي

 

تأتي الحروب، لعبة السياسيين القذرة وتجار الأسلحة والأرواح لتهدم أوطاناً عريقة شامخة. تخفي معالم البلاد الجميلة، تقضي على آثارها وتنهبها، تسقط أبراجها العالية وجسورها ومبانيها الضخمة فوق رؤوس المواطنين، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا ضحايا وأسرى مثلث سياسي لكل من أقطابه مصالحه التي يسعى خلفها وأجندته الخاصة.
هكذا ومنذ سنوات يعيش اليمن حرباً عبثية، بعد انقلاب ميليشيات الحوثي المدعومة من ايران على نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ثم جاء تدخّل قوى إقليمية ودولية عسكرياً لتصب مزيدا من النار على الزيت المشتعل أساساً.
لقد تسبب النزاع المسلح لحد الآن، وفقاً لتقارير المنظمات الدولية، في اكبر ازمة انسانية في العالم؛ بالإضافة إلى خراب البلد وجرح وقتل الاف المدنيين اليمنيين، الذين قدر عددهم بأكثر من 25,500 مدني منذ 2015 في المعارك العبثية والغارات الجوية العمياء، كان ربعهم من النساء والأطفال.
ويواجه الآن أكثر من 20 مليون شخص في البلاد خطر انعدام الأمن الغذائي؛ منهم 10 ملايين معرضون لخطر المجاعة.
وبالإضافة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتصدع الدولة، تتصاعد اليوم نغمة الحديث عن تقسيم اليمن الى يمنين: شمالي وجنوبي، أي العودة إلى ما قبل وحدة الشطرين، وما يغذي هذا الاتجاه صراع ضار، هو في حقيقته صراع بين استعمارين: داخلي تمثله الميليشيات ومن يقف خلفها، وخارجي تعكسه تدخلات قوى إقليمية تحاول رسم مستقبل البلد، بما ينسجم ومصالحها. وهنا نستحضر مخاوف شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني:
فظيعٌ جهلُ ما يجري… وأفظعُ منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعا… من المستعمر السرّي
غزاة لا أشاهدهم… وسيف الغزو في صدري

فتى يعيد بناء وطنه!

لكن من وسط الخراب والوجع والمجاعة والخوف والتقسيمات والمخططات المريبة، يخرج لنا بطل يمني صغير ليعيد تشكيل صورة الوطن الجميلة مرمماً بها ذاكرة اليمنيين التي أوجعتها الحرب.
إنه مشير بشير الحزمي، طالب يسكن في صنعاء وعمره خمس عشرة سنة فقط.
يجلس في غرفته المتواضعة على الأرض ليعيد تشكيل خارطة الأماكن في اليمن، كما يراها هو بعينيه الواسعتين المفتوحتين على الأحلام، بمشرطه الصغير، ومقص علاه الصدأ، وورق كرتون، وصمغ، وبعض الألوان، يبني مجسمات من كرتون لمبان ومعالم مهمة كانت موجودة في بلده، وتعرض أكثرها للدمار الكامل.
هذا الفتى الصغير، ليست لديه بالطبع إمكانات المهندسين المتمكنين ولا قدرات الكومبيوترات المتطورة، ومع ذلك، بنى مجسمات جميلة للمعالم المعمارية في بلده، وكأنه ينفض عنها غبار الموت ويرفعها من فوق الدمار لتضيئها الشمس من جديد.
يقول إن هدفه هو «فقط» الحفاظ على تلك المباني وأشكالها اليمنية بالإضافة إلى تجميلها.
لكنه لا يعرف أن تلك الـ»فقط» كبيرة جداً. إنها بحجم وطن مهزوم، متعب جاء هو ليرفعه ويعيد بناءه بأدواته الصغيرة.
لم ينسَ مشير بشير الحزمي إضاءة مجسماته المرتفعة في الليل. وكأنه يضيء بها الأمل في قلب كل يمني موجوع.
فهل هناك عتمة تقوى على النور؟
لم يكتف ببناء المدينة ولكنه أنارها أيضاً كي تتراقص على ضوئها الأحلام.
قصة هذا الشاب هزت مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلتها فضائيات عربية كثيرة. من بينها «بي بي سي» عربي، التي أجرت معه حواراً قصيراً عبر سكايب، أكد من خلاله أنه يمشي في شوارع الوطن، يلتقط الصور، ثم يرسمها كما يشتهي خياله. وفي المرحلة الأخيرة يطبقها على الكرتون.
ذلك الكرتون يكتسب بين يديه روحاً وهوية وحضارة منسية وتاريخاً وجمالاً لن تستطيع مسحه المدافع.
بين يدي ذلك الصغير قوة لا تهزم أبداً، وهي لا تشبه سوى زرقة السماء الواسعة!
إنها قوة الحياة مقابل الموت، وإنك لتحس أن اليمن الذي تمزّق ينهض من جديد في مجسدات هذا الطفل الصغيرة.
يقول في نهاية حواره مع «بي بي سي» إن لا أحد يدعمه سوى والده.
وكم نتمنى أن يحظى بدعم المنظمات الدولية المعنية لتنمية موهبته النادرة.
مقابل هذا الإنجاز الطفولي الرائع، تدفقت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي حباً وتقديراً لمشير، الذي أصبح بين ليلة وضحاها من المشاهير.
ومن بين تلك التعليقات تعليق لسيدة اختصرت حال بلادنا بكلمات قليلة: «الكبار يدمرون الوطن والأطفال يبنون ويعيدون له الحياة»!
نعم إن الإبداع يولد من رحم المعاناة!

كاتبة لبنانيّة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com