مقالات

أحم،عندنا إنتخابات ٧من ٧

بيدر ميديا ..

الباحث/عبد الحميد برتو

اشكاليات وملاحظات وتصورات:
تَهدف هذه الفقرةُ من المقال توضيح وإغناء نقاط جرى تناولها. نقاط تكتسب أهمية خاصة في المرحلة الحالية. تعمل على إزالة الغموض، الذي يكتف بعض جوانب بعضها. تسعى الى إِنْعامِ النَّظَرِ في الأخطاءِ، والتحررِ من ردود الأفعال المتسرعة والطائشة. تناهض رغائب الإنتقام أو الإنتفاع التي تولدها الأنانية، أو أي سلوك يفتقر الى الموضوعية والحس الوطني والإنساني الصافيين. إن التعصب يجهض الموضوعية، ويذكي نيران الأذى الإجتماعي والنفسي. يشل طاقات تفهم كيفية التصرف إتجاه معترك الحياة الفعلية وتحويلها الى حياة مثمرة وغنية ومبدعة.

المشاركة في الإنتخابات:
يتسع السؤال حالياً حول جدوى المشاركة في الإنتخابات، مادامت نتائجها محسومة، حتى قبل أن تنطلق الدعوة إليها. عليه لا ضرورة تدعو الى المشاركة في تلك اللعبة. هناك مَنْ يكتفي بطرح السؤال التالي: هل المشاركة في الإنتخابات تؤدي الى خلق بديل سياسي أفضل أو تحقيق تغيير جذري؟ لا يغيب عن المشهد مَنْ يدعو بصوت مرتفعٍ ومُنَغَمٍ الى ضرورة خوض المعركة الإنتخابية. هذا الى جانب مَنْ يسبح بين الضفتين من خلال التأكيد أهمية الخطوات القصيرة صوب تحسين صورة الحياة السياسية في البلاد.

قبل إطلاق الأحكام النهائية، من الضروري إلقاء نظرة متفحصة على سير وقائع كل الدورات الإنتخابية السابقة. قبل الحديث عن أهمية القوانين الإنتخابية، ينبغي السؤال عن طبيعة تعامل مَنْ بيدهم السلطة والمال والسلاح مع تلك القوانين ومدى إحترامهم لفكرة الإنتخابية نفسها. عرضنا بالملموس طرق تعاملهم مع كل الدورات الإنتخابية السابقة. إنهم تعاملوا مع القوانين وكامل خطوات العملية الإنتخابية كعجينة دقيقٍ بين أيديهم، يخبزونها حسب شهيتهم، بل لكل منهم شهيته الخاصة وقدرته على الهضم.

فُرِضَ الإعتمادُ في البدء على نظام الدائرة الإنتخابية الواحدة. بعد ذلك تم إعتماد مبدأ الدوائر المتعددة منذ إنتخابات 2010. هذا بعد إنطلاق نحو 1000 تظاهرة شعبية إحتجاجية على نطاق البلاد كلها، ضد تلك الطريقة في الإنتخابات، وما تلحقه من ضرر بالقوى الصغيرة نسبياً. ساهمت الإحتجاجات الشعبية بدفع المجتمع الدولي صوب الضغط الخجول على نظام الدائرة الواحدة والقائمة الواحدة. كما لم يسمح نظرياً بخوض الإنتخابات للأجنحة المسلحة التابعة للأحزاب أو الجماعات الجديدة، التي إستجلبها الإحتلال معه، شمل القرار في هذا المجال الجيش العراقي أيضاً. ثم بعد ذلك تم التراجع عن هذا الإجراء الإفتراضي. إذ أن الجميع يعلم علم اليقين أن الأجنحة المسلحة لأحزاب السلطة، لا تتحكم في الإنتخابات حسب، إنما بكامل الحياة السياسية والإقتصادية للبلاد وغيرهما من الجوانب الأساسية وغير الأساسية الأخرى.

تبجحت أحزاب السلطة، بل الأحزاب التي تحكمت بالسلطة من خلال قوات الإحتلال الأمريكي ولاحقاُ الإيراني، بعد إنسحاب العدد الأكبر من تلك القوات في عام 2011 من العراق، باطلاق صفة الإنتخابات الأولى بعد الإنسحاب على إنتخابات عام 2014. لإلصاق صفة الوطنية بها وبهم.

ذكر وتحدث مواطنون كثر من مختلف الأعمار والفئات الإجتماعية عن الإنتهاكات، التي رافقت الدورات الإنتخابية كافة. ذكرنا في هذا المقال العديد من الإنتهاكات البشعة، التي تتعلق بالإنتخابات نفسها وبالحياة العامة أيضاً. يعتقد معظم المواطنين، بأنه لا فرق بين الإنتخابات المبكرة أو المؤجلة، فهي ليست أداة للتغيير في ظل المناخ السائد في البلاد. تتخذ مختلف الإجراءآت القسرية لترتيب الأوضاع الداخلية للقوى المهيمنة، وفيما بينها كذلك. تُطرح عشراتُ الإنتهاكاتِ التي تتعلق بسلامة الإنتخابات، وما يجري من عمليات تزوير فيها. ولكن نرى أن من أخطرها قتل بعض المرشحين لمجلس النواب ـ البرلمان. هذا الإسلوب يسعى لتعميم الرعب الإجتماعي. وهو أخطر حتى من حرمان عشرات آلاف اللاجئين والمهجرين والنازحين من ممارسة حقهم الإنتخابي، لأنه لا يرتبط بحدث معين، إنما يسعى الى عزل الهموم الوطنية العامة عن أصحابها تحت ضغط عامل الخوف. إن قائمة الإنتهاكات طويلة، ليس آخرها منع الناخبين من نقل أنفسهم الى عناوينهم الجديدة. هذا إجراء يهدف الى حرمان مئات الآلاف من حقهم الإنتخابي أيضاً.

أثار التأجيل الجديد قلقاً عند المتوهمين بإمكانية خلق تغيير عبر الإنتخابات العامة الفاسدة، قانونياً وإجرائياً ومناخياً. ولَّد التأجيلُ الأخير إحباطاتٍ عند كثيرين مِمَّن يعولون على الإنتخابات. هناك مَنْ يَعْقِدُ الآمال على إمكانية الرقابة الدولية بكل صنوفها: المساعدة الإرشادية، التدريب، المراقبة، الإشراف، وكل مستويات الدور الأممي الممكنة. أجل يُمكن أن تلعب الرقابة الدولة أدواراً مناسبة حين تكون الجهات السياسية المهيمنة تقيم إعتباراً لسمعتها الدولية. ليس في بلد لا قيمة فيه للورقة الإنتخابية أو السمعة المستنفذة أصلاً في تقرير مصير الإنتخابات، حيث يمكن تغيير الصناديق الإنتخابية بأكملها، وتعطيل أجهزة العد والفرز ونقل المعلومات عبر الحواسيب وغيرها. وأخيراً عند الضرورة يجري حرق الصناديق، لتوضع الأرقام النهائية حسب ما تنتزعه المساومات بين المهيمنين.

عن أي إنتخابات يمكن الحديث في بلد باتت فيه الدعوة للإعدام دعاية إنتخابية. بلد يحتل في العام 2020 المرتبة الرابعة عالمياً في أحكام الإعدام. بلد بات فيه التظالم الإجتماعي وروح الإنتقام من مفاخر الحياة السياسية. أعادوا إحياء أسوء ما في تاريخنا من الدكة العشائرية الى إتخاذ الدين غطاء للجريمة واللصوصية والبغي والعدوان. بلد بات فيه الإستعراض يعلو على العمل.

أظهر تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية، شمل 180 دولة، تبوء العراق فيه المرتبة 160 عالمياً، أي في أسفل قائمة دول العالم الأكثر شفافية للعام 2020، أي أنه في مراتب بعيدة جداً عن الشفافية ومستلزمات تحقيقها. إحتل العراق المرتبة السادسة ضمن قائمة الدول العربية الأكثر فساداً، متقدماً على كل من: ليبيا، السودان، اليمن، سوريا والصومال. أكد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وجود 50 الف موظف فضائي في وزارة الدفاع وحدها. عجزت حكومات الإحتلال المتعاقبة عن كشف تسرب مئات مليارات الدولارات من بين أيدي أصحاب النفوذ والسلطة. شملت سرقات كبار المسؤولين الحكوميين و”قادة” الأحزاب المتسلطة وحتى النواب الأموالَ النقدية والسبائكَ الذهبية والممتلكاتِ والأبنيةَ الحكومية وأجزاءً من القروض الخارجية، وهي ديون المستقبل على رقاب الإجيال الجديدة القادمة، ببساطة حاميها حراميها.

لا تخلو الإنتخابات حتى في الدول المتقدمة من بعض الخروقات. تظهر بعض حالات التزوير بنسب بسيطة جداً. تكون تلك النسب مقبولة في الغالب من قبل الأطراف المتنافسة نفسها. يكون هامش الخلل أقل بكثير من نسبة الإنحراف في تقدير النتائج الإنتخابية عبر إستطلاعات الرأي العام، عند بوابات المراكز الإنتخابية قبل فرز النتائج الإنتخابية العامة وإعلان النتائج الرسمية، أي يبلغ الإنحراف نسبة تتراوح بين 1 ـ 3%. ولكن نسبة التزييف والتزوير عندنا تتبع أو تقوم على سياسة أخذ الجمل بما حمل. ومن المفارقات العجيبة أن حكام الدول المتخلفة و”النامية” يذلون شعوبهم للتعويض عن الإذلال، الذي يتعرضون له من قبل الدول الكبرى والمهيمنة على الحياة الإقتصادية والسياسة الدولية.

لا تجد وصفة جاهزة بالمقاطعة أو المشاركة. ولكن إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب. ويعني الإقتراع الإحتكام الى الشعب. فينبغي إحترام إرادة أغلبية الشعب حين تقرر المقاطعة أو المشاركة. على الرغم من كل الكذب الذي طغى في مجال إشهار النتائج الإنتخابية لكل الدورات السابقة، فقد ظلت تتناقص المشاركة الإنتخابية من أعلاها أول مرة بنحو 60% الى أن وصلت في آخرها عام 2018 الى أقل من 20%. هذه الأرقام الحقيقية بدأت تتسرب نتيجة لتفسخ العلاقات بين الأطراف المهيمنة على السلطة. قالوا سابقاً: “عندما يختلف اللصوص تظهر الحقيقة”.

ـ يتبع:

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com