ثقافة

الالتقاء بالأموات صار واردا … بين الديك الهندي واللبناني: سلطة فاسدة!

بيدر ميديا ..

الالتقاء بالأموات صار واردا … بين الديك الهندي واللبناني: سلطة فاسدة!

 

مريم مشتاوي

 

من منا لم يعرف وجع الفِراق؟ من منا لم يضعفه الموت ولم يقزّمه؟
كم مرة غافلتنا تلك الأحزان وتسحّبت داخل أعماقنا لتعقد حبالها وتشدها بقوة حول ثنايا أرواحنا الهشة؟
كم مرة جاءنا الليل مترنحاً وراح يتكسر رويداً رويداً فوق وجه كان لنا هو الحياة؟
وكم من دمعة رقراقة أوهمتنا بدفئها العابر أن الغائب عائد… صدّقنا الوهم فأذّن لنا بصباحات جديدة آتية… لم تصل حتى الساعة.
الموت لا يعبر بنا ويرحل وحيداً. إنما يأخذ معه ماء قلوبنا. يجردنا من الضوء. فنجد أنفسنا شبه عراة.
ألم يقل جبران خليل جبران:
ما زلت أؤمن
أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة
وإنما يموت بطريقة الأجزاء
كلما رحل صديق مات جزء
وكلما غادرنا حبيب مات جزء
وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء
فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة
فيحملها ويرحل.
كنت قد كتبت سابقاً عن أم كوروية استطاعت بفضل الذكاء الإصطناعي رؤية طفلتها المتوفية والتحدث معها وسماع صوتها، بعد أن فقدتها لأعوام طويلة. هذه التقنية كانت صعبة للغاية وأخذت أشهراً لتجهيزها وتطلبت مجهوداً هائلاً من قبل فريق عمل كبير سهر على تطويرها.
اليوم، هناك تطور جديد في هذا المجال. لقد أصبح في إمكاننا الآن، وبشكل مجانيّ، تحميل صورة على موقع ‏my heritage.com لشخص راحل ورؤيته يتحرك أمامنا وكأنه على وشك التحدث معنا.
هذا الموقع متخصص منذ سنوات في موضوع الحمض النووي وشجرة العائلة وتتبع أصول الزبائن عن طريق خاصية التتبع الجيني.
لقد تداولت عدة فضائيات، من بينها «سكاي نيوز» الخبر الذي أثار بشكل كبير أيضاً رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
هكذا انقسموا إلى قسمين. منهم من اعتبر هذا التطور بلسماً يخفف من حدة الفراق. فتدافع إلى الموقع محملاً صورة من يحب لرؤيته يتحرك أمامه بعد فراق طويل. أما بعضهم فقد اعتبر هذا التطور مدمراً لما قد يسببه من فتح جراح عميقة منسية في زوايا الذاكرة.
من بين التعليقات المعارضة لهذا التطور التكنولوجي ما كتبته إحدى السيدات في موقع إنستغرام، والتي فقدت شخصاً عزيزاً: «لما أشوف أعز الناس اللي مات بيتكلم أكيد عقلي ما رح يحتمل»!
وتضيف أخرى: غلط ومسبب للألم. لا حاجة له. في نعمة اسمها النسيان يا عالم»!
وانضمت لهما أخرى معلقة: «ديه عايزة قلب من حجر».
بينما على الطرف الآخر جاءت أيضاً تعليقات معارضة تحتفي بالاختراع الجديد. كان أبرزها: «شو اشتقت لأبي هلأ صار ممكن يطلع فيني كل ليلة».
وكتب آخر: «شفتوا الذكاء الإصطناعي لوين وصل»؟
أنا شخصيا واحدة من أمهات كثيرات خسرن أطفالهن! نعم طفلي مات. وأذكر أني كنت أرى ظلاله تعرج في الشوارع الضيقة. فتميل على الأنهار والأشجار والساحات والأوراق الضائعة لتطفئها. لا أعرف كم مرة أطفأ ليله المدينة وتناساني. لطالما أردت أن أنزوي مع نفسي. أن أبتعد عن كل شيء. كنت أشعر بأني دمعة عالقة في جفن حزين، تحاول التمسك به قبل أن تنزلق إلى العدم. تعبت نعم تعبت. وحلَّ بيني وبين أعماقي شتاء أبديّ.
اتخذت في ذلك الوقت قراراً بمحاولة التحرر من ذاتي لبعض الوقت. قد تكون استراحة محارب منهك مهزوم مجروح مصاب بالخذلان من رأسه حتى قدميه. ما عدت أشم ثيابه التي لم أغسلها منذ رحيله. فلطالما اعتقدت أن للحنين روائح تشدني إليه. وما عدت أفتح ألبوم الصور. وما عدت أمشي وفوق رأسي كفن الهدايا. هُزِمت!
لا أمنية لي سوى أن أراه أمامي ولو لحظة واحدة. أن أنظر في عينيه فتشع تلك الروح الجميلة. لكني لن أجرؤ أن ألتقي بجسد آلي يمثله. أو بصورة متحركة لا روح فيها.
ربما هناك قلوب قوية تحتمل هذا النوع من التطور. ولكني شخصياً قد أموت وأنا أنظر إلى طفلي يتحرك ولا أستطيع أن أضمه إلى قلبي. لا. لا أريد أن ألتقيه جسداً بلا روح!

حكومة الهند وحكومة لبنان

ومن الوجع إلى قصة طريفة من باب «شر البلية ما يضحك». لقد انتشرت مؤخراً على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي قصة من الهند.
بطلها ديك عنيد لا يهزم! ديك أفاد صاحبه لسنوات عديدة وكسب بفضله المال الكثير.
كيف بدأت القصة؟ اشترى رجل هندي ديكاً كان يمرّنه كل يوم ليفوز بصراع يندرج في خانة رياضة مشهورة في الهند تُعرف باسم صراع الديوك!
يربط الرجل في رجل ديكه سكيناً ويدفعه إلى حلبة الصراع مع ديك آخر يحمل أيضاً في رجله سكيناً. يتصارع الديكان بأرجلهما ومناقيرهما حتى يقتل أحدهما الآخر ومن يفوز في المعركة يكسب صاحبه الرهان.
جاء يوم جهز الرجل ديكه للمعركة. لكن الأخير لم يكن يرغب في خوضها. أصر الرجل ودفع بالديك غصباً عنه. غضب الديك. جن جنونه وقتل صاحبه.
حين علمت السلطات الهندية بالحادثة ألقت القبض على الديك، وأيضاً حققت مع عشرة متهمين كانوا حاضرين خلال الواقعة.
الديك الهندي قتل رجلاً واحداً فكان مصيره السجن!
ماذا عن الديك اللبناني، الذي فجّر مرفأ بيروت وأضاع تاريخ وجغرافيا وروح وعصب البلاد، وقتل الأطفال والأمهات والآباء وترك المدينة مدمرة غاطسة في سوادها وتوهانها؟
لم نسمع عن ديك بيروت شيئاً، رغم مرور الوقت! هل يعقل أن الحكومة اللبنانية لم تلق القبض على متهم واحد، حتى الآن، أم أن صمتها المريب يثبت مقولة «سوس الخشب منه وفيه»؟
لعل شاعرنا العظيم نزار قباني قد اسشرق واقعنا بدقة متناهية، حين وصف ما يحدث الآن في أوطاننا قائلا في رائعته: «في حارتنا… ديك سادي سفاح.
في حارتنا ديك يلبس في العيد القومي لباس الجنرالات… ألغى وطناً… ألغى شعباً… ألغى لغة… ألغى أحداث التاريخ… كيف سيأتي الغيث إلينا؟ وكيف يفيض علينا الخير، وتغمرنا البركة؟ فهذا وطن تحكمه الديكة؟!

كاتبة لبنانيّة

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com