تحقيقات

هل العنف على الشاشة مسؤول عن عنف الحياة الواقعية؟.

بيدر ميديا ..

هل العنف على الشاشة مسؤول عن عنف الحياة الواقعية؟

 

 غادة السمان

الفرنسي يوري (15 سنة) ذكرت وسائل الإعلام الفرنسية أنه تعرض للضرب المبرح وظل حياً بمعجزة.
فقد هاجمه ثمانية فتيان بالمطارق والعصي وضربوه على بطنه بأقدامهم وكسروا عظام يديه وأصابعه وقفصه الصدري وساقيه وأنفه ورأسه وفكيه وتركوه بين الموت والحياة بعدما توهموا أنه مات، لكن العناية الإلهية شاءت أن يظل على قيد الحياة. وبعد غيبوبة دامت أسبوعاً فتح عينيه، لكن ما زال عاجزاً عن الكلام. روعني أيضاً أن ذلك حدث على مقربة من بيتي في حي هادئ عائلي هو (بوغرونيل) المطل على نهر السين. أحد الذين شاهدوا ذلك العنف المروع كله قام بتصويره، ثم بث على شاشات الأخبار.

هل الشاشة مسؤولة عن العنف المجنون؟

والفتى يوري ما زال في المستشفى اليوم لكنه ما زال حياً. وترك ما حدث في المجتمع الفرنسي الكثير من الرفض، لأنه يكاد يكون سابقة غير مألوفة، حتى أن رئيس الجمهورية السيد ماكرون اتصل بوالدة الفتى متضامناً بود.
ما حدث لهذا الفتى بالقرب من بيتي في حي يعدّ هادئاً أمر يكاد يكون جديداً.. وأتساءل: هل للأفلام الأمريكية التي يتميز بعضها بالعنف المروع (حتى ان الشاشات تنصح بعدم مشاهدتها لمن هم دون 12 سنة) هل لتلك الأفلام والمسلسلات أثرها الخطير على المجتمع والجيل الجديد بالذات؟ نمنعها؟ وقفت دائماً ضد المنع لكن مع الحرية المسؤولة.. وربما كان على بعض تلك الأفلام والمسلسلات أن تصير تذكيراً بأن العنف ليس فقط على الشاشة، بل قد يحدث للبشر ولأقرب الناس، بل وفي الشارع الذي نقطن فيه.

التلفزيون انتصر على القراءة!

صدرت جريدة (لوبار يزيان) العدد 23757 الباريسية وعنوانها في الصفحة الأولى: «الانتقام الكبير للتلفزيون!».
وتحت العنوان الذي يغطي نصف صفحة، شبه تفسير له: «بسبب الحجر المنزلي منذ السادسة مساء في فرنسا أضحى الفرنسي يقضي 4 ساعات على الأقل أمام شاشة التلفزيون».
وثمة تحقيق عن ذلك في العدد ذاته والتلفزيون الذي فيما يبدو هَزَم قراءة الكتب!!
من زمان تحدثوا عن موت التلفزيون المتوقع أمام السينما والسهرات والحانات والخروج من البيت إلى المطاعم، حتى صار التلفزيون هامشياً. لكن وباء الكورونا جاء لدعم التلفزيون في مواجهة السينما، وتقضي الحقيقة الاعتراف بأن الشاشة هزمت الكتاب وعزف معظم الناس عن القراءة لمعانقة الشاشة، بما في ذلك الإنترنت لدى معظم الشباب.
فهل نقول وداعاً لقراءة الكتب المبدعة التي تفوز بالجوائز (نوبل ـ غونكو ـ فرنسا) وسواها.. ووداعاً للسينما ووداعاً للكتب الفائزة بأفضل الجوائز؟
لقد انتقم التلفزيون، ولكنني ما زلت أؤمن بالتعايش بين الوسائل الإعلامية كلها دون أن تقتل إحداها الأخرى، بل يفوز عليه في إحدى الفترات، ولا أظن أننا سنعيش في ظل الحجر بعد اختراع اللقاح ضد الكورونا، المرض الذي كان حليف التلفزيون!!

إيذاء الأقباط… حرام دينياً!

أشعر دائماً بالاستياء كلما قرأت عن إيذاء الأقباط (المسيحيون في مصر) كخبر الهجوم بأسلحة بيضاء على محلات الأقباط المجاورة لكنيسة في الإسكندرية وتدمير بضائعها وذبح أحد أصحابها.. وهذه الأخبار تتكرر على نحو ما، وجوهرها سوء فهم البعض لديننا الإسلامي الحنيف.
نقرأ عن هجومات إرهابية وقنابل يتم تفجيرها أثناء إقامة القداس الإلهي في كاتدرائية بالعباسية، وقرأنا مؤخراً عن الخبر/العار، حيث تم تعرية مسنة (74 سنة) وإرغامها على المشي عارية في أزقة قريتها، وذنبها علاقة حب بين ابنها المسلم وقبطية (وكيف يمكن لهما الزواج في مناخ كهذا؟)، أظن من المفيد التذكير ببعض ما جاء في القرآن الكريم ليدرك أهل «التأسلم» أنهم يخرجون عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومن الآيات الكريمة: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون «صدق الله العظيم».
والسؤال الكبير يظل قائماً: لماذا هذه الإساءة إلى «الأقباط» في مصر حتى حدود الكفر، بتعرية امرأة مسنة وإرغامها على المشي في أزقة القرية؟ العار على من قام بذلك، لا على عري المرأة؛ لأنه تعرية لبعض العقول «المتأسلمة» العارية من الإيمان الحقيقي بالدين الإسلامي الحنيف الذي لا يعرف الظلم.

ثلج المشردين «اللامرفّه» ومطر الخيام!

هطل الثلج اليوم للمرة الأولى في باريس هذا الشتاء. وبدلاً من الاختباء في البيت خرجت للمشي تحت الثلج. منذ أيامي في دمشق وأنا أستمتع بالمشي تحت الثلج والمطر. أشعر أحياناً أن الثلج يتدفق من شعري وأصابعي ويدور في الفضاء كفراشات بيضاء حائرة. ولكن، في نزهتي المثلجة اليوم هذه لم أستمتع بالثلج، ولا بالمطر الذي واكبه، فقد تذكرت مخيمات السوريين النازحين، حيث لا يعرفون الثلج المرفه واكتأبت.. ثمة أحزان في كوكبنا يعيشها أهلنا، نتعاطف معها، بل ونشاركهم في عيشها وننسى متعنا العابرة. من زمان كنا حين يهطل الثلج في دمشق نردد كما علمتني جدتي: «والسنة بيضاء وإن شاء الله بيضاء يا بيضاء». الثلج الماطر اليوم ذكرني بتعاسة أهل المخيمات والذين شردتهم الحروب، ولم أستمتع بهطول الثلج للمرة الأولى هذا الشتاء وفي باريس.. من الصعب أن ننسى مآسي الآخرين الذين يبيتون بلا مأوى بسبب المطر والثلج. أمام أفكارنا الرومانسية وفراشات الثلج البيض.. من يستطيع أن ينسى مآسي مسقط رأسه وقلبه، الوطن؟

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com