مقالات

فيروس كورونا… «جائحة عدم المساواة»

بيدر ..

فيروس كورونا… «جائحة عدم المساواة»

 

صادق الطائي

 

كل العالم يعيش تحت وطأة الجائحة منذ أكثر من عام، هذا الأمر صحيح إلى درجة كبيرة، لكن السؤال الذي بدأ يكبر ويظهر بشكل جلي، هل تأثيرات الجائحة متساوية في كل المجتمعات؟ هل تعاني كل المجتمعات بسبب كوفيد 19 بالدرجة نفسها؟ أم أن الأغنياء أصبحوا أكثر غنى، والفقراء ازدادوا فقرا؟
لقد كُشف مؤخرا عن أن القيمة الإجمالية لثروات عشرة من أغنياء العالم قد ازدادت منذ تفشي الجائحة بقيمة 540 مليار دولار. علما أن هذا المبلغ يكفي لحماية سكان العالم كافة من الوقوع في الفقر بسبب الفيروس، أو تحمل كلفة اللقاح لجميع سكان الأرض. فقد سلط تقرير حديث لمؤسسة أوكسفام الإغاثية الدولية الضوء على ما سماه «فيروس عدم المساواة» تقرير المؤسسة الذي نشر في 25 كانون الثاني/يناير 2021، اعتمد على آراء 295 باحثا في الاقتصاد من 79 دولة، وقد أشار أكثر من نصفهم إلى أن جائحة كوفيد 19 عمقت الهوة بين الأثرياء والفقراء في مختلف دول العالم، وأن الكثير من الحكومات باتت عاجزة، أو شبه عاجزة عن الالتزام بمسؤوليتها تجاه نظم الضمان الاجتماعي.
كذلك ذكرت منظمة العمل الدولية، في تقريرها السنوي، أن جائحة كورونا عمّقت التفاوتات، وأعلنت المنظمة وفقا لإحصائياتها أن ملياري شخص، ممن يعملون في القطاع غير الرسمي، معرضون للخطر بشكل خاص، وأن توقعات خبراء المنظمة أفادت بأن الملايين قد يتم دفعهم إلى البطالة، أو العمالة الناقصة، أو الظروف الطاحنة للفقر في أوساط العمال. وأفاد غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، قائلا «لم تعد جائحة كورونا أزمة صحية عالمية فحسب، بل أصبحت أزمة في سوق العمل ذات تداعيات اقتصادية كبيرة على الناس». ومن الأرقام المخيفة التي أوردها علماء الاقتصاد في تقرير أوكسفام «أن الدعم غير المسبوق من جانب الحكومات لاقتصاداتها، أدى إلى انتعاش أسواق الأسهم، الذي أدى بدوره إلى زيادة ثروات أصحاب المليارات، فيما يواجه الاقتصاد الحقيقي أعمق ركود منذ قرن». ويضيف التقرير «أن ثروات أصحاب المليارات عالمياً زادت بقيمة 3.9 تريليون دولار بين 18 آذار/مارس و31 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، لتصل حالياً إلى 11.95 تريليون دولار، أي ما يعادل إجمالي ما أنفقته حكومات دول مجموعة العشرين في مواجهتها للوباء».
يبدو أن المشكلة تدور في دائرة مغلقة من الأسباب والنتائج، إذ يشير تقرير أوكسفام إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر هم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، لأنهم غالبا ما يعيشون في أماكن ضيقة، وأحيانا بدون مياه أو مرافق صحية. وإذا ازدادت الإصابات بكوفيد 19 قلت فرص العمل وتعرض الاقتصاد الوطني للانهيار، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى زيادة الفقر، أي أن ظروف الفقر تزيد احتمالية الإصابة بالفيروس، وزيادة الإصابات تزيد الفقر، وهكذا يبدو الأمر وكأنه نوع من الدوامة. وقد ذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي نشر في سبتمبر/أيلول 2020 بشأن تأثير جائحة كورونا على النساء «أن النساء يتحملن العبء الأكبر من أزمة فيروس كورونا، إذ من المرجح أن يفقدن مصدر دخلهن، ويقل احتمال تغطيتهن بإجراءات الحماية الاجتماعية» وقد ذكر أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن جائحة فيروس كورونا وتداعياتها ستدفع 47 مليون امرأة إلى الفقر، ما يدمر جهود المنظمة لعقود من السنوات صرفت في إرساء سياسات القضاء على الفقر المدقع. كما أشار تقرير أعدته هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى زيادة معدل الفقر بين النساء بنسبة 9.1%، وقالت بومزيلي ملامبونوكا المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن الزيادات في فقر النساء المدقع هو «اتهام صارخ لعيوب عميقة» في طرق هيكلة المجتمع والاقتصاد.

ظروف الفقر تزيد احتمالية الإصابة بالفيروس، وزيادة الإصابات تزيد الفقر، وهكذا يبدو الأمر وكأنه نوع من الدوامة

هذه الدوامة الاقتصادية لا تعاني منها الدول الفقيرة، أو الدول ذات الاقتصادات المتوسطة فقط، إذ أن الحال في بعض الدول الثرية والمتقدمة سيئ أيضا بالنسبة لقطاعات مجتمعية كبيرة نسبيا، لاسيما العاملون في القطاع غير الرسمي، إذ يكاد يكون العمل من المنزل مستحيلا، أو على الأقل غير ممكن بالنسبة لهؤلاء الناس، ما يعني تدهور أوضاعهم الاقتصادية، علما أن العديد من هؤلاء الأشخاص يعانون الكثير من الأمراض المزمنة، ومن شروط صحية متردية، كل ذلك يزيد من مخاطر إصابتهم بأعراض شديدة إذا أصيبوا بالفيروس، ما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة، وقد أشر هذا الأمر رسميا في المملكة المتحدة التي أتضح أن نسبة وفيات الأقليات فيها أعلى بكثير من نسبة الوفيات بين البريطانيين الأصليين. لذلك علق تقرير أوكسفام على الأمر بالقول «يبدو أن الفيروس لا يصيب الجميع بالتساوي».
الفجوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، اتضحت أكثر في برامج التطعيم التي ابتدأت نهاية العام المنصرم، وتوقع عدد من خبراء الصحة العالمية أن يتضح عدم المساواة على نحو بالغ في توفير لقاحات كورونا على مستوى العالم. وحسب بعض التقارير الدولية أن مجموعة صغيرة من الدول الغنية اشترت كميات كبيرة من جرعات اللقاح من مختلف المناشئ للوصول إلى تطعيم نصف سكانها، أو أكثر، بينما تبقى الدول الفقيرة عاجزة عن توفير الكميات اللازمة لتطعيم شعوبها. لذلك حذرت منظمة الصحة العالمية من عدم وضع حدود لأسعار جرعات اللقاح، لأن ذلك سيؤدي إلى عدم حصول الدول الفقيرة على لقاحات التطعيم، بينما تستمر شركات الأدوية في جني المليارات من الأرباح. لذلك أطلقت منظمة الصحة العالمية برنامج «كوفاكس» مطلع شهر يناير، الذي سيمكن الدول الأكثر فقرا من تلقي لقاحات كوفيد 19 بين نهاية يناير الجاري ومنتصف شباط/فبراير المقبل. وقالت مسؤولة اللقاحات في منظمة الصحة العالمية كيت أوبراين يوم 5 يناير، أن «المنظمة ستبدأ توزيع ملياري لقاح مضاد لفيروس كورونا على الدول الأكثر فقرا في غضون أسابيع من الآن». ويسعى برنامج «كوفاكس» الذي أطلقته المنظمة إلى تقديم جرعات كافية لتحصين 20% من سكان البلدان المشاركة فيه بحلول نهاية العام الجاري.
ولابد من الإشارة إلى أننا نسمع بين الحين والآخر عن تبرع مليارديرات العالم بمبالغ كبيرة لمواجهة الأزمات المالية، أو لمساعدة بلدانهم، أو المؤسسات الصحية الدولية في مواجهة الجائحة. فقد تبرعت ماكينزي سكوت، الزوجة السابقة لجيف بيزوس مؤسس موقع أمازون، بحوالي أربعة مليارات دولار لصالح بنوك الطعام وصناديق الإغاثة الطارئة في أزمة جائحة كورونا، كما أعلن جاك دورسي، الشريك المؤسس لموقع تويترعن تحويله مليار دولار من ممتلكاته لصالح صندوق مخصص لدعم جهود الإغاثة من الوباء وأغراض إنسانية أخرى. كما تعهد بيل غيتس وزوجته ميليندا بتقديم أكثر من 300 مليون دولار عبر عمل مؤسستهما الخيرية، لصالح تطوير اللقاحات والعلاجات وأساليب التشخيص، كذلك تبرعت الكاتبة البريطانية جي كي رولينغ مؤلفة سلسلة روايات «هاري بوتر» بمليون دولار لمساعدة المشردين والمتضررين من العنف المنزلي في زمن الجائحة. لكن الأصوات تعالت في مختلف دول العالم تطالب حكوماتها بفرض نمط من الضرائب التصاعدية، ليتسنى للحكومات الاستفادة من مليارات الأغنياء الذين جنوا أموالا تفوق الخيال في زمن الجائحة، لتتمكن الحكومات والمنظمات الدولية من إشاعة نوع من المساواة في مواجهة الجائحة.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com