مقالات

حشد المرجعية والحشد الولائي… سمات الصراع المقبل في العراق.

بيدر ..

حشد المرجعية والحشد الولائي… سمات الصراع المقبل في العراق

 

صادق الطائي .

 

كتبت قبل سنوات في مقالات سابقة، أن واقع الحشد الشعبي في العراق يطاله الكثير من الخلط، ويتم التعاطي مع هذه القوة العسكرية على أنها كتلة واحدة تحركها إرادة عقائدية، انطلقت تلبية لفتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني صيف 2014، لرد هجمة عصابات ما يعرف بتنظيم الدولة (داعش). وهذا الكلام على أرض الواقع هو نصف الحقيقة فقط، وقد أشرت مبكرا إلى أن النظرة الفاحصة للحشد الشعبي العراقي ستنبئنا، بأنه أكثر من حشد، فهنالك فصائل ولائية تعرف نفسها بأنها «فصائل المقاومة الإسلامية» وهنالك متطوعون لبوا نداء الدفاع الكفائي، وانخرطوا في ما عرف بفصائل المرجعية، أو حشد العتبات، كما أن هناك فصائل مقاتلة منضوية تحت مظلة الحشد مكونة من مقاتلين من السنة، أو الأقليات العرقية والدينية الأخرى.

ثلثا القوة الضاربة الرئيسية في الحشد الشعبي مكونة من فصائل مسلحة تقلد السيد خامنئي، بصفته الولي الفقيه، ولا تتبع فتوى مرجعية النجف

في تقريره الأخير الذي كتبه الباحث والمحلل هشام الهاشمي، قبل اغتياله، عن الموضوع، والذي صدر عن مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والاستراتيجية في إسطنبول، بعنوان» الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي» أشار فيه إلى بعض معطيات الصراع الداخلي بين الكتلتين الرئيستين في هذا الكيان العسكري، فقد ذكر الهاشمي، أن الحشد من حيث الرايات والتسميات يتكون من 67 فصيلا شيعيا، 43 فصيلا سنيا، و9 فصائل تتبع الأقليات في مناطق جنوب إقليم كردستان». وأضاف أن «الـ67 فصيلا شيعيا يمكن تقسيمها من حيث تقليدها الفقهي المذهبي، إلى 44 فصيلا مقلدا للسيد خامنئي، 17 فصيلا مقلدا للسيد السيستاني، 6 فصائل مقلدة لمرجعيات شيعية أخرى من داخل وخارج العراق». بمعنى أن ثلثي القوة الضاربة الرئيسية في الحشد الشعبي مكونة من فصائل مسلحة تقلد السيد الخامنئي، وتتبع توصياته بصفته الولي الفقيه، وهذا يعني بصورة واضحة لا لبس فيها أن هذه الفصائل لا تتبع فتوى مرجعية النجف، ولا تطيعها عقائديا، ولا تلتزم بتوجيهاتها سياسيا، وأن علاقتها بوزارة الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة هو ارتباط شكلي فقط.
وكنت قد اشرت في مقال سابق إلى الصراع الذي خاضه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بعد إعلان النصر على عصابات تنظيم الدولة (داعش) عندما حاول إعادة هيكلة فصائل الحشد، وصرح حينذاك بأنه لن يسمح للجهات السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة أن تخوض انتخابات 2018. لكن النتيجة كانت انتصار الفصائل الولائية، التي شكلت جسدها السياسي الذي تمثل في «كتلة الفتح» التي قادها هادي العامري أحد زعماء الفصائل الولائية، التي مثلت إحدى الكتلتين الكبيرتين في البرلمان هي و»كتلة سائرون» التي يقودها مقتدى الصدر، الذي يمتلك فصيلا مسلحا في هيئة الحشد هو «سرايا السلام» وقد أفرزت اتفاقات الكتلتين حكومة عادل عبد المهدي، ولاحقا حكومة مصطفى الكاظمي. إذن هناك أصلا ما يمكن وصفه بصراع (إيراني/ عراقي) في هيئة الحشد الشعبي، والكل يتذكر تصريحات مرجعية النجف، والسيد مقتدى الصدر الداعمة لمساعي العبادي في هيكلة فصائل الحشد، بعد انتهاء مهامها القتالية نهاية عام 2018، وكان هنالك صراع نفوذ (إيراني /عراقي) واضح يمكن التقاطه من تصريحات صباح الإزيرجاوي أحد قياديي «فرقة الإمام علي» التابعة لمرجعية النجف، إذ كشف حينذاك عن خلافات بين فصائل العتبات المقدسة، مع نظيراتها في الحشد الشعبي، وهي خلافات إدارية، ولوجستية، وحتى فكرية وعقائدية. ولفت في تصريح إعلامي إلى «أن هناك مقاتلين عراقيين يحاربون مع النظام في سوريا، وقد عاد قسم كبير منهمً، لكن ما زال بضعة آلاف موجودين هناك، ولا أعرف من أين يحصلون على أموالهم بصراحة» في إشارة إلى «ميليشيا النجباء» و»كتائب حزب الله العراقي» و»ميليشيا بدر» و»ميليشيا الخراساني» التي تقاتل منذ سنوات في سوريا بتوجيه إيراني ودعم سوري، واستغلال أموال الحشد الشعبي في العراق.
وفي هذا السياق نذكر ما كتبه الكاتب سليم الحسني من أن ممثل المرجع السيستاني الشيخ عبد المهدي الكربلائي حين شكر الحشد الشعبي بالاسم في إحدى خطبه، عاد وأصدر بيانا توضيحيا قال فيه «إن الحشد حشدان، الأول: ألوية العتبات المقدسة، وهذه هي التي تستحق الشكر والحماية والدعم، والثاني: الحشد الشعبي الذي يعرفه كل العراقيين، وهذا لا يشمله الشكر ولا يستحقه، فإن مَن يظنّ أن شكرنا توجه إليه أيضا، فعليه أن يعرف بأنه خارج عن هذه الكرامة» وهذه إشارة واضحة لعمق صراع النفوذ بين النجف وقم.
الخطوة الحاسمة جاءت في شهر نيسان/إبريل الماضي عندما أعلنت فصائل المرجعية انشقاقها الرسمي، وفك ارتباطها بهيئة الحشد الشعبي، والإعلان عن ارتباطها المباشر برئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، وقد تم ذلك في مؤتمر رسمي حضرته شخصيات سياسية ودينية وممثل المرجعية، وقد أطلقت وقتذاك عدة أسئلة بقيت دون جواب، مثل: هل سيتم إصدار قانون آخر يرتب الوضع القانوني لفصائل حشد المرجعية؟ ولماذا لم يتم إدماج الألوية الأربعة التابعة لحشد المرجعية بالقوات الأمنية والعسكرية؟ وإذا كانت هذه الفصائل قد تشكلت استجابة لفتوى المرجعية في ظرف استثنائي، ولمهمة محددة هي مواجهة عصابات تنظيم الدولة (داعش) أليس من الأجدى أن يتم دمج بعض منتسبيها كأفراد ممن يمتلكون خبرات تحتاجها المؤسسة العسكرية في قوات الجيش والشرطة، أما باقي المقاتلين فيعودون لمهنهم المدنية قبل فتوى الجهاد، أو يحالون على التقاعد لمن بلغ منهم السن القانوني؟ وهل يستطع من تبقى من فصائل ولائية في هيئة الحشد مستقبلا الحديث عن طاعتهم لمرجعية السيستاني، وقد بات واضحا انهم اتباع مرجعية خامنئي في العراق؟ ويشير هشام الهاشمي إلى نقاط الصراع والتنافس بين حشد المرجعية والحشد الولائي في تقريره الأخير، إذ يشير إلى التنافس على المصالح الاقتصادية التي تقف بقوة وراء الصراع بين الطرفين، بالإضافة إلى التنافس السياسي والعقائدي فيقول «قيادة ألوية العتبات وقيادة سرايا السلام انتقدت انتشار المكاتب الاقتصادية التابعة للحشود الولائية، وطالبت في أكثر من مناسبة بإزاحتها ومعاقبة الجهات التي تقف خلفها، ولا يمكن تبريـر وجود هذه المكاتب في المناطق المحررة، بالتضحيات التي قدمتها تلك القوات، أو بعدم وجود رقابة لتلك المكاتب الاقتصادية، بحجة أنها جهات سـياسية لا تخضـع لرقابة هيئة الحشد الشعبي. فالحشود الولائية هي التي تحمي تلك المكاتب».
لكن يبقى السؤال الأهم، ما حاجة المرجعية لجيش أو ميليشيا أو أي نوع من أنواع القوة العسكرية أو الأمنية، هذا إذا علمنا أن مرجعية النجف كانت تاريخيا مبتعدة عن ولاية الفقيه، وأقرب إلى ولاية الأمة، وأن مراجع النجف طالما نأوا بأنفسهم عن الصراعات السياسية، فما الذي استجد اليوم ليكون هنالك جيش تحت إمرة المرجعية، وإن ارتبط اسميا برئيس الحكومة؟ وفي سياق الإجابة على هذا السؤال نذكر أن بعض التسريبات قد تحدثت عن صمت المرجع السيستاني شخصيا عن هذه التطورات، أو حتى عن عدم موافقته الصريحة على تشكيل «حشد العتبات» وأن من يقود هذا الحراك هم أفراد من حاشية مكتبه، والإشارة الأقوى تتجه لدور نجله محمد رضا السيستاني ومكاتب وكلائه الشرعيين المسؤولين عن إدارة العتبات، خصوصا الشيخ عبد المهدي الكربلائي المتولي الشرعي للعتبة الحسينية، والسيد أحمد الصافي، المتولي الشرعي للعتبة العباسية، اللذين أطلق عليهما صفة المشرفَين على حشد العتبات، في المؤتمر الأخير الذي عقد تحت شعار (حشد العتبات، حاضنة الفتوى وبناة الدولة) والذي اعتبره المراقبون الحدث الذي رسم خطوطا واضحة للصراع المقبل.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com