منوعات

في لبنان: بابا نويل مهدد بـ«الحجر» والإعلام يقاوم البؤس السياسي بالسخرية!

بيدر ..

في لبنان: بابا نويل مهدد بـ«الحجر» والإعلام يقاوم البؤس السياسي بالسخرية!

 

مريم مشتاوي

 

«جايي «بابا نويل» من النجمة البعيدة
جايي ومعه الهدايا واللحظات السعيدة
مروق لعنا وسهار معنا بهالسنة الجديدة»
أغنية لباسكال صقر لطالما رددها الأطفال في العيد في انتظار أن يطل عليهم العجوز صاحب اللحية البيضاء بلباسه الأحمر المحبب إلى قلوبهم وكيسه الكبير المحشو بالهدايا.
لكن بابا نويل لن يأتي هذه السنة ولن يحمل معه لا هدايا ولا لحظات فرحة.
يبدو أنه لن يغادر كوخه في القطب الشمالي، وذلك بعد أن أكد الأطباء أن على المسني التزام البيوت خوفاً من التقاط عدوى كوفيد 19.
نكتة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووجد فيها بعض الأهالي حجة جيدة لتبرير عدم شراء الهدايا لأطفالهم الذين ينتظرون ليلة العيد بفارغ الصبر في ظل انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان.
هكذا انشغلت القنوات اللبنانية بتتبع أخبار سانتا وذهب بعضها إلى محاولة إيجاد حلول بديلة.
فما كان من هشام حداد في برنامجه «لهون وبس» على قناة «أل أم تي في» سوى استبدال بابا نويل ببابا ايمانيول في إشارة منه إلى إيمانيول ماكرون مستنجداً به في تشكيل الحكومة وإيجاد حلول للسيطرة على سعر الدولار، الذي أفقر الشعب اللبناني.
وغنى بفكاهته المعهودة:
جايي ايمانويل من فرنسا البعيدة
جايي ومعه الدولار للسلطة العتيدة
يا إيمانيول يا إيمانيول مروق لعندنا وألف معنا الحكومة العتيدة.
أما قناة «أل بي سي» اللبنانية فقد تقصت أحوال «سانتا» وعادت بخبر يقين، حيث نشرت صورة له معقبة تحتها:
«جعبة» ختيار القطب الشمالي تبدو فارغة هذا العالم».
حصدت الصورة انتشاراً غير مسبوق على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت «جدلاً» بين رواده. فمنهم من قال إن السياسيين قد نهبوا «سانتا» وإن هداياه محتجزة في البنك المركزي، مثلها مثل أموال اللبنانيين!
كما تتالت نكات المواطنين المقهورين من باب «شر البلية ما يضحك». فهناك من أعلن أن «بابا نويل» محجور بعد إصابته بكورونا.
وأعلن آخر تأجيل العيد، وذلك بسبب قوانين الكورونا الصارمة لكل الوافدين من الخارج إلى الأراضي اللبنانية: إذا وصل «بابا نويل» على لبنان بـ 24/12/2020 سيدخل الحجر 14 يوماً كأي مسافر آت من خارج لبنان. إذا يجب تأجيل العيد لغاية 7/1/2021!
لذلك لا بد أن نعترف أن لفيروس كورونا، الذي أرهقنا وحل علينا كالقضاء المستعجل، حسنة وحيدة! وهي استخدامه حجة للتخلص من تلبية طلبات أطفالنا في ظل سعر الدولار المخيف في لبنان، وتردي الأحوال الإقتصادية والأسعار الجنونية في الأسواق.
ببساطة شديدة، لا قدرة للمواطن العادي على شراء ما كنا نسميه بأكلة الفقير مثل «المنقوشة» أو «سندويشة فلافل» أو حتى كعكة الزعتر، التي كان يشتهيها من أمام عربة الكعك، ويتلهف على تعبئتها بالسمسم. فكيف له أن يشتري لعبة ألكترونية أو حتى عادية قد يتراوح سعرها بين ثلاثة وستة ملايين ليرة لبنانية؟

«سانتا» لن يزور لبنان هذه السنة

من يقطع آلاف الأميال ليرمي بنفسه في «سفينة تغرق بصمت» إلا المجانين؟
هكذا وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الإنهيار السياسي والإقتصادي في لبنان، فشبهه بغرق سفينة تايتانك، لكن من دون موسيقى.
وأضاف لو دريان: « لبنان هو تايتانك بدون الأوركسترا… اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى».
هل يمكن لبابا نويل أن يزور شعباً يحتضر وبلداً على كف «عفاريت»؟
لا أعياد ولا حياة في لبنان سوى في قصور السياسيين العالية. أما الشعب المسكين فسيذوب على مهل كشمعة العيد حتى ينطفئ داخل لحظاته البائسة.

منقذة الأطفال

لكن رغم اليأس والظلم يبقى هناك من يسعى لإضاءة الطريق، وقد يصل نوره إلى القارات الأخرى.
أتذكرون باميلا زينون، تلك الممرضة الشجاعة، التي أنقذت ثلاثة أطفال رضع في مستشفى «الروم» يوم انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس؟
لقد انتشلتهم من بين الركام ومشت بهم مسافات طويلة جداً حوالي خمسة كيلومترات لتوصلهم إلى مستشفى آخر يعتني بهم.
هكذا اختارتها صحيفة «فايننشال تايمز» العالمية لتكون من بين عشرين شخصية نسائية مميزة للعام الحالي.
أجرت «أم تي في» لقاء معها على إثر الاختيار، لتفاجئنا باميلا الشجاعة بأنها ليست فقط بطلة بإنسانيتها بل أيضاً بتواضعها ومحبتها للآخرين. لقد تكلمت عن زملائها في ذلك اللقاء أكثر مما تكلمت عن نفسها، مؤكدة أن المصور بلال جاويش التقط صورتها مع الرضع صدفة لتنتشر وتحصد تعاطفاً كبيراً ومحبة واحتراماً من قبل كل من وقع نظره عليها. ولكن في الحقيقة هناك طاقم من الممرضين، الذين قاموا بالعمل البطولي نفسه وقصص كثيرة مشابهة، ولكن لم يتم رصدها. كانت باميلا تحاول تسليط الضوء على بطولة زملائها، الذين عملوا كجنود مخفيين وأهميتهم كفريق طبي متعاون واحد. وهذا ما زادها بريقاً وتميزاً.
لا تفكر بطلتنا في الهجرة، رغم غرق السفينة، التي أشار إليها الفرنسي لودريان، لأنها تؤمن أن لبنان قادر على تخطي أزمته ونفض رماده والتحليق من جديد.

كاتبة لبنانيّة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com