مقالات

كامالا هاريس والباب الخلفي للمكتب البيضاوي .

بيدر ميديا .

بقلم : صادق الطائي .

مثّل فوز السيدة كامالا هاريس بمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة، سابقة جديدة في الحياة السياسية الأمريكية، إذ تعد أول امرأة تشغل هذا المنصب، على الرغم من ترشح سيدتين للمنصب قبل ذلك، إلا أنهما لم تفوزا به، كما أن كامالا أول امرأة من أصول افريقية ـ آسيوية تشغل منصب نائب الرئيس، وبذلك تكون السيدة هاريس المولودة في أكتوبر 1964 قد قطعت جزءا مهما من مشوارها السياسي الذي قربها من مقر الرئيس الامريكي في المكتب البيضاوي، فهل ستدخل أول امرأة لهذا المكتب وتشغل منصب رئيس الولايات المتحدة من الباب الخلفي؟
في البدء أحب أن أقدم تعريفا توضيحيا عن منصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة، والتغيرات التي طرأت على هذا المنصب، إذ لم يحدد الدستور الأمريكي في بداية كتابته صيغة محددة، أو وصفا لوظيفة أو مهام نائب الرئيس، لذلك أقرت صيغة الاختيار على أن يفوز بمنصب الرئيس من يفوز بأعلى الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وأن يشغل منصب نائب الرئيس من يأتي ثانيا بعدد الأصوات، لكن بعد تبلور نظام الحزبين الكبيرين مطلع القرن التاسع عشر، اتضح أن الأمر أصبح غير مقبول سياسيا، إذ كيف يمكن أن يشغل منصب نائب الرئيس شخص من الحزب المنافس، فتم تعديل القانون عدة مرات، وصولا إلى الصيغة الحالية، وهي أن ورقة الرئيس ونائبه تعتبر ورقة واحدة، ويتم قبول الاثنين معا في حالة الفوز، وأن المرشح للرئاسة هو من يختار نائبه في الحملة الانتخابية الرئاسية.
منصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة كان لوقت طويل مثارا للتندر والسخرية، وطالما وصف نائب الرئيس، بأنه شخصية لا عمل لها إلا القيام ببعض النشاطات البروتوكولية مثل، حضور الجنازات ممثلا للرئيس، ليبقى بعد ذلك لا عمل له إلا انتظار موت الرئيس، أو استقالته ليشغل كرسي الرئاسة. كما تجدر الإشارة إلى أن نائب الرئيس يشغل ضمن مهامه القليلة منصب رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي، ويحق له التصويت في حالة وجود تعادل في الأصوات، وكذلك يترأس الجلسات المشتركة النادرة للكونغرس بين مجلسي الشيوخ والنواب. لقد أقر الدستور الأمريكي بتعديلاته الحالية على تولي نائب الرئيس الامريكي وبشكل آلي مهام الرئيس، في حالة وفاة الرئيس، أو عجزه أو استقالته، أو إقالته، وقد شهد التاريخ الأمريكي الحديث خمس حالات لفراغ كرسي الرئاسة لاسباب مختلفة، ما سمح لنائب الرئيس بالجلوس في المكتب البيضاوي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية وبكامل الصلاحيات، وكان جون تايلر أول من خلف رئيسًا متوفى، وهو وليام هنري هاريسون، الذي أصيب بالبرد في يوم تنصيبه عام 1841. وكان أن تقاعس الكونغرس عن الاعتراف بأن تايلر لديه صلاحيات كاملة لرئاسة البلاد، كما سخر منتقدو تايلر ومعارضوه منه فأطلقوا عليه لقب «الرئيس بالصدفة». وفي التاريخ المعاصر نتذكر جيرالد فورد الذي احتل كرسي الرئاسة عام 1973 بعد استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون، إثر فضيحة «ووترغيت».
وشهدنا على مدى نصف قرن تقريبا، تحولات في اختيار الرئيس لنائبه ليخوضا معا سباق الانتخابات الرئاسية، وبات واضحا أن المرشحين لمنصب الرئيس يبحثون عمن يكملهم في منصب الرئاسة، فنجد مثلا الرئيس رونالد ريغان الذي وصف بأنه ذو خبرة سياسية متواضعة، قد اختار جورج بوش الأب السياسي الحاذق القادم من دهاليز وكالة المخابرات الأمريكية ( CIA) ليكون نائبا له لثماني سنوات، الذي فاز بعد ذلك بمنصب الرئيس، وهو يقترب من السبعين من عمره، فاختار نائبا شابا هو دان كويل ليتمما الصورة معا.

كامالا هاريس ضليعة في السياسات القانونية الداخلية، ستكمل ما يحتاجه بايدن الضليع في السياسة الخارجية

بينما اختار بيل كلينتون المحامي والعارف بالشأن الامريكي الداخلي، نائبه لدورتين رئاسيتين، وهو السياسي العارف بالسياسات الخارجية السيناتور الديمقراطي آل غور، الذي ترشح بعد ذلك للتنافس الرئاسي أمام جورج بوش الابن وفاز بالتصويت العام، إلا أنه خسر الانتخابات في المجمع الانتخابي. أما الرئيس جورج بوش الابن الذي وصف بقلة الخبرة والمعرفة والدراية السياسية، فقد اختار أحد صقور المحافظين الجدد، العجوز ديك تشيني الذي طالما وصف بأنه هو من أدار سياسات الولايات المتحدة طوال دورتي حكم بوش الابن، وكذلك كان حال الرئيس باراك أوباما الاكاديمي القانوني الشاب ذي الخبرات السياسية الداخلية المهمة، نجده قد اختار أحد خبراء السياسات الخارجية جوزيف بايدن نائبا له ليتكاملا في مؤسسة الرئاسة. نائب اوباما السابق، الرئيس المنتخب جوزيف بايدن الذي يبلغ من العمر اليوم 78 عاما قد اختار بدوره أمرأة، ومن الاقليات الملونة هي كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس، لتتكامل صورة الرئاسة المقبلة، فهي في منتصف الخمسينيات من عمرها ضليعة في السياسات القانونية الداخلية، لتكمل ما يحتاجه بايدن الضليع في السياسة الخارجية، كما أنها تمثل خطوة مهمة تم استثمارها في الحملة الانتخابية، التي تزامنت مع موجة الاحتجاجات التي غزت الشارع الامريكي بعد مقتل جورج فلويد، الامريكي الاسود على يد شرطي عنصري أبيض، وقد تم بالفعل استثمار تعاطف الشارع للحصول على أصوات الاقليات التي دفعت بمرشحي الحزب الديمقراطي للفوز في انتخابات 2020.


سيرة نائبة الرئيس كامالا ديفي هاريس تكشف الكثير من طبيعة شخصيتها، وسر صعودها، واحتمالية تقدمها في سلم المناصب السياسية، فهي ابنة مهاجرين، وُلِدت في أوكلاند في كاليفورنيا، أمها تعود في أصولها إلى طبقة البراهمة العليا في الهندوسية، وتتحدر من أب دبلوماسي هندي سكن في بيسانت ناجار في مدينة مدراس بولاية تاميل نادو الهندية، وهو متحدر من عائلة غوبالان الارستقراطية، الاب ساعد ابنته الطبيبة شيامالا غوبالان للسفر إلى الولايات المتحدة لاكمال دراستها العليا لتتخصص بجراحة سرطان الثدي، أما والد كامالا فهو افريقي من جامايكا، هاجر إلى كاليفورنيا مطلع الستينيات لإكمال دراسته العليا في الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بيركلي، وتذكر كامالا هاريس التي ولدت في حقبة تصاعد حركة الحقوق المدنية المطالبة بحقوق السود في الولايات المتحدة، إذ تقول، إن والديها كانا يدفعانها في عربة الاطفال وهما يشتركان في تظاهرات السود نهاية الستينيات. خلطة الأعراق والأديان التي تحدرت منها كامالا هاريس مميزة، فالأم هندية هندوسية، والأب افريقي من بلد لاتيني مسيحي كاثوليكي، وتزوجت كامالا من المحامي اليهودي دوغلاس إمهوف، لكنها رسميا تعلن انها مسجلة في الكنيسة المعمدانية الثالثة في سان فرانسيسكو. أما سيرتها المهنية فهي أيضا جديرة بشخصية امرأة عصامية حققت طموحاتها بجهد ونشاط، إذ أكملت دراسة العلوم السياسية بجامعة هوارد، وهي جامعة من جامعات الأقلية السوداء في واشنطن، ثم اكملت دراسة القانون وحصلت على الدكتوراه في كلية هاستينغز للقانون في جامعة كاليفورنيا عام 1990 لتبدأ حياتها العملية نائبة مدعي عام (1990-1998) في مدينة أوكلاند، واكتسبت عبر عملها سمعة صارمة لأنها كانت تترافع في قضايا عنف العصابات، وتهريب المخدرات، والاعتداء الجنسي على الأطفال.
وارتقت هاريس في الرتب، وشغلت منصب المدعي العام سنة 2004، وقد تم انتخابها عام 2010 بفارق ضئيل لمنصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، هزمت كامالا هاريس لوريتا سانشيز في انتخابات مجلس الشيوخ، لتخلف السيناتور باربرا بوكسر المنتهية ولايتها، لتصبح بذلك ثالث امرأة تشغل مقعد السيناتور الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا، وأول سيناتور من أصول ملونة. مطلع عام 2020 أعلنت ترشحها في الحزب الديمقراطي للتنافس على منصب الرئيس، إلا أنها انسحبت بعد ذلك وأعلنت عدم نجاحها في تمويل حملتها الانتخابية، لكنها حققت نجاحات ملموسة في مناظرتها مع منافسها جوزيف بايدن، الذي أحرجته عندما أدانت مواقفه السابقة في مواضيع مثل معارضته لمشروع الحافلات المدرسية في السبعينيات، أبان حملة مناهضة العنصرية، لكنها تحولت بعد ذلك لدعم الحملة الانتخابية لبايدن، الذي وجد فيها ما يكمله سياسيا، فأعلن عن اختيارها لمنصب نائب الرئيس في آب/اغسطس 2020.
اليوم باتت التوقعات كثيرة عن احتمالية اضطلاع كامالا هاريس بأدوار مهمة في الإدارة الديمقراطية المقبلة، وقد فُتح لها الباب للترشح في الدورة الرئاسية المقبلة عندما يكون بايدن قد بلغ الثانية والثمانين، ولا يمكن أن يترشح لدورة ثانية، كما أن هنالك احتمالية كبيرة لان تدخل كامالا المكتب البيضاوي قبل ذلك، نتيجة عدم مقدرة بايدن القريب من الثمانين على الإمساك بكل الملفات، كما أن هنالك احتمالية عدم قدرته صحيا على إكمال دورته الرئاسية، وحينها ستدخل هاريس إلى المكتب البيضاوى من الباب الخلفي، لتكون أول رئيسة للولايات المتحدة من الاقليات الملونة.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com