مقالات

سمت الإنتفاضة العراقية .

بيدر ميديا .

عبد الحميد برتو .

باحث .

تعمدت إختيارَ كلمةِ السَّمْتِ، وليس الصمت، في هذا التناول السريع لهذه اللحظات الهامة في طريق الإنتفاضة العراقية. بديهي أن حدثاً إستثنائياً في فترة إستثنائية أن يثير الكثير من المناقشات، ويساعد على إطلاق الأوصاف والتقدبرات والتحليلات المختلفة. هذا طبعاً بعد تجاوز حالات الذهول والقلق وعدم الإكتراث، البادية على كل الناظرين، ومن مواقعهم المتباينة. يسعون الى أهداف متماثلة أو متقاربة أو متضاربة. يتمثل الحدث الإستثنائي برفع الخيام من ساحات الإعتصام والعودة الى البيوت دون بلاغات تطمئن المتابعين عن قرب أو عن بعد. وينبغي عدم تجاهل وجود قلة من الشباب في الساحات بإرادة إستثنائية.

لاحظت حالة الذهول العامة التي أصابت أنصار الإنتفاضة، كما أصابت خصومها. هذه حالة إعتيادية في كل المنعطفات الحادة. ربما بعد سويعات تخرج أعداد كبيرة من المعنيين وغير المعنيين من حالة الذهول والحَيرة، عند مواجهة الأسئلة الأولية، التي تطرح نفسه بنفسها على الجميع: ما سر هذه الإنسحاب المفاجئ؟ هل هو إستراحة محاربين؟ هل طغت روح المساومة على روح التضحية والإيثار؟ هل كان نتيجة لضيق النفس؟ هل بفعل جبروت القمع الدموي؟ هل بفعل مهارة وخداع القوى الحكومية والدينية والقوى الإقليمية؟ هل الأطراف المهيمنة على القرار في البلاد تعرف أنها ستدفع ثمناً باهظاً، لا يقف عند حدود تجريدهم من الإمتيازات، وإتخذت قرار القتال حتى النهاية؟ كيف تم التوافق بين الأطراف المتعددة الألوان على الإنسحاب في وقت واحد؟ ما سر صمت المؤسسات الإعلامية على مختلف حجومها ومواقعها وحتى غالبية المدونين والمغردين؟

أطلق عدد من الأشخاص، بعضهم وصف بقادة من الساحات، تصريحات زادت اللوحة غموضاً. هناك مَنْ قال قبل ساعات من الإنسحاب إن الإحتجاجات ستستمر. وآخرون تحدثوا عن تصعيد محتمل. لا شك أن الساحات تحمل أطيافاً من المواقف، التي لا يجمعها جامع سوى ضغط الحياة نفسها. لا ينبغي إسقاط المنطلقات الذاتية أيضاً. سوف يجهد كل طرف أو فرد لتبرير ما قاله قبل رفع الخيام، دون حساب أثر ذلك على واقع الإنتفاضة وأهدافها المعلنة. سوف يطلق الجميع العنان لرواسبهم الفكرية وإستنتاجاتهم الجديدة. لكن أصحاب المصلحة الوطنية الحقة لهم منطق آخر. يقوم على التحري عن الحقيقة، دعم ثقة الشعب بنفسه، والتوضيح التام والواسع لأسس المواقف.

في هذه اللحظات الحرجة تقع مسؤوليات تحديد المكاسب التي حققتها الإنتفاضة، سواءً تلك الراسخة منها، أو تلك التي سوف تتبخر، أو يمكن تحويلها الى ضدها النوعي. إن الذاكرة القصير مدمرة للطموحات النضالية. لنواجه هذا السؤال الآن من اللحظة الأولى بالتاكيد على ما تحقق، ووضع بعض الخلاصات الأولية: إن اللحظة الثورية يمكن أن تنفجر في وقت غير معلوم، ولا تنتظر قراراً من أحد. ولكن وجود قيادة معروفة ومجرب ويثق بها الشعب يمكنها مجتمعة بأن تحقق النصر المنتظر. قدمت الإنتفاضة الدليل الملموس على أن الطائفية حالة مرضية تنزل أفدح الأضرار حتى بحياتهم الشخصية. الفساد الإداري هو الوجه الآخر للإرهاب الوحشي. لا توجد فئات إجتماعية طاهرة تماماً وأخرى فاسدة تماماً. أثبتت الإنتفاضة أن المرأة العراقية باسلة وشجاعة وعميقة الروح الوطنية. الفاسدون غادرون وليسوا شجعاناً، والسلاح ليس مصدر قوة مطلق الحسم، وإن حسن إستخدامه تعتمد على مَنْ يقف خلفه. الشباب ولا سيما الكادحون منهم هم أكثر فئات الشعب جسارة وقدرة على قراءة الأوضاع المحيطة بهم وببلادهم. هذا فضلاً عن عمق روح التضحية عندهم.

مَنْ يريد أن يواصل الخطاب الحماسي أو نقيضه غير المسؤول، فهذا شأنه ومن حقه. لكن ربما يكون غير بناء. يكمن الموقف البناء حالياً في التواضع والتحليل المعمق، القائم على الصراحة والوضوح. ينبغي بذل الجهود للتعرف على القوى الحية في الشعب كماً ونوعاً. التعرف على حجم وواقع القوى الغيبية ومدى إرتباطها بالشعب وتأثيرها عليه. العمل على التعرف على كل منافذ التأثير على المواطنين. حذار من تلك المؤسسات التي مازالت تنقسم بين قولين جائرين: “جوع كلبك يتبع” و “شبع كلبك يتبعك”.

أحذوا المثقف الفاسد، لأنه لن يكون مع الشعب أبدأ، بل هو الأكثر خطراً عليه. وبدلاً من القول إن الشعب لا ينخدع ينبغي العمل على فضح الخداع بكل ألوانه وقدسياته ومهاراته ورعونة وبغيه.

كل الثورات والإنتفاضات العظيمة في التاريخ مرت بفترات مد وجزر. قامت الإنتفاضة على أسباب ملموسة شكلت قوة تأثير جبارة بالأمس، فإنها تلعب ذات الدور غداً. حين تلتهب الإنتفاضة الموقف الصحيح يتجلى بدعمها، مع إيجاد الفرص والمواقع المناسبة للهمس فيما يتعلق بقانونيات الثورات الإجتماعية.

أنتم يا شباب الساحات الأحرار أنتم الخميرة الثورية للشعب العراقي. ليس الإنتصارات وحدها هي التي تعلم الأبطال المخلصين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com