رأي

حول العلاقات الاقتصادية الدولية .

الدكتور ضرغام الدباغ .

من أھم القضایا التي اتخذت طابع المجابھة في العلاقات الاقتصادیة الدولیة والتي برزت بشكل واضح في السنوات الأخیرة، ھو الصراع مع الاحتكارات الدولیة والتي تسمى أیضاً ” الشركات المتعددة الجنسیة )ش. م. ج( ” )Multinational Coroporations( . ومن الأسباب الرئیسیة لاحتدام ھذا الصراع ھو في الدرجة الأولى، التطورات الداخلیة لھذه الاحتكارات وافتضاح خطوطھا الجوھریة

المعادیة للتقدم. )1(

ومن المعروف أن المرحلة الحالیة الإمبریالیة للرأسمالیة تتسم بوجود وفاعلیة الاحتكارات الدولیة ذاتھا )ش. م. ج(، ومن ھنا تشكل ھذه المقدمات والاستنتاجات الناجمة عنھا جزءاً من أفكار الاشتراكیة العلمیة ومرحلة أولى ھامة من المخططات الإستراتیجیة لحركة التحرر العالمیة المعادیة للإمبریالیة متوازیاً مع تطور الأزمة العامة للرأسمالیة، في وقت ازدادت فیھا أھمیة الاحتكارات )ش. م. ج( في الاقتصاد العالمي للرأسمالیة بصورة ھائلة، وبرز بشكل أوضح دورھا المخرب، ویعبر عن ذلك العملیة الموضوعیة لتوزیع الإنتاج على الشركات دولیاً في الرأسمالیة، والتي ھي التدویل المتنامي قانونیاً عبر التمركز والتكثیف للرأسمال، بالإضافة إلى ظاھرة ثانیة مھمة ھي التدویل المتنامي لتنظیم احتكار

الدولة، المتمثلة بھیئة تكامل الفعالیات بین الدول.

وبرغم أن الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، كما ھي علیھ الیوم، لم یطرأ علیھا تغیر في جوھرھا، ولا تختلف كثیراً جداً في ھیكلھا القاعدي الأساسي، عن أشكالھا المبكرة في بدایات القرن العشرین، إلا أنھا قادت في كل المجالات، وبمقاییس مكبرة وشروط متغیرة، بالمقارنة مع الماضي، إلى خطوط جدیدة تبرز الملامح العصریة للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( بوضوح أكبر عما كانت علیھ في مرحلة بدایات الرأسمالیة. وتتمثل الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( الیوم في مختلف الاتجاھات بأبعاد أعظم وتتسم بدرجة أعلى من القوة الاحتكاریة، وبتنظیم وفاعلیة أكثر ..الخ، كما تتسع حقول أعمالھا بصورة ملموسة، وذلك یعني أن التوزیع الجغرافي للعمل الاحتكاري وأنشطة )ش. م. ج(، قد أزداد بصورة ملموسة خلافاً لما یعتقد خطأ البعض أحیاناً بوصفھا انحلال وتشتت المركز. وغالباً ما یضاف إلیھ توزیع فرعي حیث تتكون ارتباطات والتي عبرھا ومن خلالھا یؤثر الرأسمال المتمركز على مناطق ومجالات مختلفة

بدون الحاجة إلى اتصالات مركزیة، وھي مرحلة أخطر من السابق.

كما أن الثورة العلمیة التكنیكیة فتحت مجالات جدیدة لعمالقة الاحتكارات)ش. م. ج(، التي تفتش عن مجالات لتوسیع مصالحھا وفق السیاقات الرأسمالیة تنتھزھا للحصول على أعلى نسبة من الأرباح، وھذا بدوره یزید من حدة التناقضات الداخلیة في الرأسمالیة، وفي نفس الوقت یزید من استمرار تطور العملیة الثوریة العالمیة، وفي كلتا الحالتین، تؤدي إلى اتخاذ أشكال جدیدة في إستراتیجیة الاحتكارات

الدولیة )ش. م. ج(.

ومع اشتداد تمركز احتیاطیات الخامیة والسیطرة الاقتصادیة الكبیرة في أیدي الاحتكارات)ش. م. ج( ، ومع تكامل آلیات التطبیق الشامل لھذه السیطرة وتلاحمھا مع سیطرة الدولة الإمبریالیة، ازدادت بصورة جوھریة عدوانیتھا والنتائج المضرة لفعالیاتھا لیس فقط، في المجال الاقتصادي، بل وأیضاً في المجال

السیاسي ولیس فقط في المراكز الإمبریالیة، بل وأیضا ً وقبل كل شیئ في الدول النامیة وضدھا.

3

ویستنتج من كل ذلك : أن احتداد التناقضات الموضوعیة بین الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، كأحد الأضلاع الرئیسیة لنظام الدولة الاحتكاري )نظام الدولة الإمبریالیة(، وبین الطبقات والشعوب المستغلة المضطھدة، وكذلك الدول النامیة التي تتعرض للتھدید في آسیا وأفریقیا وأمیركا اللاتینیة، وقد بلغت خطورة ھذه الظاھرة لدرجة لا یمكن غض النظر عنھا، وتحولت إلى حقیقة واسعة في وعي الجمھور العالمي، وأطلقت ردود فعل سیاسیة في الساحة الدولیة التي أدت إلى نھضة غیر مسبوقة، وإلى أتساع

واضح للحركة العالمیة ضد الاحتكارات.

وقد أشارت كتابات كثیرة إلى النمو المھدد والدور الخطیر للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، وتصدت لھا، وما زالت تواصل المقاومة ضد الاحتكارات والنزاع الطبقي معھا. وقد أشتد خلال السنوات الأخیرة في مناطق التحرر الوطني تطور حركة النقد ضد فعالیات الاحتكارات الدولیة وتصاعد إلى حد كبیر نشاط العملیات المضادة لھا في الدول المتحررة وقد أتسمت ھذه المرحلة من النزاع بأھمیة خاصة، وذلك بمواصلة النضال ضد الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، وبنقل ھذا النزاع على مستوى منظمة الأمم

المتحدة ومنظماتھا المتخصصة.

وفي الوقت الحاضر، بدأ حتى علماء البورجوازیة أنفسھم بالتعبیر وإبداء النقد لظاھرة الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، ویشیر إلى ذلك مثلاً الإعلان الصادر عن ” نادي روما ” الذي ورد فیھ بأن الشركات المتعددة الجنسیة تمثل مشكلة شاملة، واضطرت للاعتراف بالجوانب السلبیة لنشاطاتھا. وبالطبع لا تخلو أطروحات ھذه المنصة الإصلاحیة بمحتواھا الفكري )إصلاحیة اجتماعیة( من تعلیلات ومبررات لا تخدع أحداً للإیھام بأن لا یزال ھناك تیار قوي لنظریون بورجوازیون ــ إمبریالیون ینتقدون الاحتكارات )ش. م. ج(، ولكنھا في واقع الحال لا تعدو عن كونھا أنشطة وكتابات تحاول تبریر أفعال

الاحتكارات، وھي تعمل في النھایة لصالح الاحتكارات الدولیة ولیس النضال ضدھا.

وتمت في عشرات من المؤتمرات السیاسیة والعلمیة في السنوات الأخیرة تعریة أسالیب الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، ورفعت توصیات ھامة لفرض الرقابة علیھا، وتحدیدھا أنشطتھا ووضع الأسس لھا. كما وطرحت أفكار استراتیجیة ضد الاحتكارات ونوقشت وأقرت مناھج علمیة مناسبة بھذا الصدد. كما اھتمت بھذه القضایا في العدید من البلدان وعلى مستوى دولي، لجان ومعاھد علمیة وفرق عمل ومجالس نقابیة ولجان برلمانیة …الخ وفي سنوات السبعینات وحدھا، نشرت ما یقارب ألف بحث ومقالة صحفیة

حول ھذه الحلقة من المشاكل.

وتشیر نتائج البحوث، والمعلومات المكتسبة ومن خلال التحالیل لھذه المسائل بوضوح : كم ھي معقدة ومتعددة العملیات، أو المراحل والظواھر التي یجب البحث فیھا، ولا سیما وأن الفعالیات الاستعماریة الجدیدة للاحتكارات الدولیة وقضایا النضال ضد الإمبریالیة، إذ لا یمكن البحث في ھذه الموضوعات بشكل منفصل عن كامل النظام الاستعماري الجدید )New Colonialism( وشمولیة العلاقات الاقتصادیة الدولیة للرأسمالیة، والنضال التحرري الاجتماعي والوطني الشامل في البلدان النامیة كجزء من العملیة الثوریة العالمیة، لذلك نرید في ھذا البحث أن نحدد ونرسم أبعاد المشكلة وتأشیر وجھات

النظر التي تضمھا على اختلافھا.

في البدایة، لابد من الإشارة إلى أحجام الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، بالنسبة إلى الدول النامیة واتجاھات تطورھا. إذ أن وزن الاحتكارات الدولیة بالنسبة إلى الدول النامیة واتجاھات تطورھا، في تصاعد، وإذا علمنا أن الاحتكارات یقارب عددھا 7300، وعشرات ألوف الفروع التابعة لھا التي تنمو

4

بشكل متواصل في الاقتصاد العالمي الرأسمالي. ونعلم أن في مطلع السبعینات كانت )ش. م. ج(، تسیطر على ما یقارب 50% من الإنتاج الصناعي وأكثر من 60% من التصدیر، وما یقارب 20% من الناتج القومي الإجمالي في بلدان العالم الرأسمالي.

وقد بلغ الثمن المدون لرأسمالھا الموظف فقط في البلدان النامیة بشكل استثمارات مباشرة عام 1975 أكثر من 69 ملیار دولار، وإذا ما یقارن المرء ھذا التركیب العضوي المنخفض للرأسمال قیاساً إلى الدول الصناعیة الرأسمالیة، ودرجة الاستغلال المرتفعة في الدول النامیة بالإضافة إلى حساب أن فروع الاحتكارات تغطي 40% من احتیاجاتھا للرأسمال من مصادر محلیة، سوف یجد بأن حجم الاستثمارات المشار إلیھ یعادل قیمة وثمن إنتاج یمثل ثلث)1/3( الناتج القومي الإجمالي لكافة الدول النامیة تقریباً والبالغ 816,35 ملیار دولار )عام 1975(. كما یلاحظ المرء بأن في العدید من البلدان النامیة تمثل حصة الزراعة نسبة عالیة في تكوین الناتج القومي الإجمالي، ونادراً ما عملت الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، في ھذا المجال )الزراعة(، بصورة مباشرة، كما نجد )رغم عدم وضوح التفاصیل(، السبیل لقیاس أھمیة الوزن الذي یمتلكھ الرأسمال الاحتكاري الخارجي في بقیة فروع الاقتصاد لأغلب الدول النامیة من خلال المساھمات في الرأسمال والقروض وامتلاك براءات الاختراع وإجازات وتقدیم الرشاوي لموظفي الدولة الأمر الذي یضاعف في حقیقة الأمر من قوة التأثیرات الاقتصادیة لھذه

الاحتكارات.

وتشكل الروابط الدولیة للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، بالتفاعل الوثیق مع جھاز الدولة الإمبریالیة العاملة اقتصادیا بشكل مباشر )إضافة إلى المؤسسات الدولیة الاستعماریة الجماعیة( بشكل متنامي، تشكل العمود الحامل للنظام العالمي للاستعمار الجدید. إن الطاقة الاقتصادیة التي تمتلكھا الاحتكارات الدولیة الیوم )ش. م. ج(، والسلطة الاقتصادیة تتجسد، وتبرز بشكل واضح مع الدول النامیة لیس

بصورة المقارنة وإنما بصورة التھدید أیضا . مثلاً:

استطاع احتكار دولي متعدد الجنسیة عملاق مثل شركة )Exxon( استطاع فقط في عام 1976 من البیع ب 48,6 ملیار دولار، وبالمقارنة نفس العام كان الناتج القومي الإجمالي لخمس دول نامیة فقط

)البرازیل، الأرجنتین، الھند، المكسیك، إیران( أعلى من دخل احتكار إكسون، أما سائر البلدان النامیة فكانت أقل من ذلك وأغلبھا أقل بكثیر ..! أما مبیعات أربعة من أقوى المراكز الصناعیة للعالم الرأسمالي )Exxon, Genrak Motors, Royal Dutch, Shell, Ford( فقد كانت عام 1976 160,7 ملیار دولار وھو أعلى بكثیر من الناتج القومي الإجمالي لكافة الدول الأفریقیة البالغ 146,6

ملیار دولار.

ووفق مصادر ھیئة الأمم المتحدة )وھي غیر متكاملة( ، في أعوام السبعینات كانت 319 شركة احتكاریة دولیة تملك على الأقل 2845 فرع لھا، في الحقول الإنتاجیة للدول النامیة فقط، لثمانیة عشر منھا 1463 فرع ملك للاحتكارات الأمریكیة و936 شركة للاحتكارات الأوربیة الغربیة، و446 لاحتكارات خارج الولایات المتحدة وأوربا الغربیة، إن ھذه الاحتكارات التي تغلغلت في الدول النامیة منذ الأربعینات، كانت في العام 1950 بعدد 395، وفي العام 1960 بلغت 903 وفي ھذا دلیل واضح

على السعة وشدة التوسع الاستعماري الجدید للرأسمال الاحتكاري الدولي )ش. م. ج(.

ً
ویشیر ھذا التوسع أیضا، على أن إزالة أو الحد من نشاط الاحتكارات ستؤثر بشكل حاد على الشروط

التوسعیة للرأسمال العالمي، وستكون عملیة الوقوف بوجھھا، المقدمة الجذریة لتحریر الدول النامیة

5

اقتصادیاً من الإمبریالیة وانتھاج طریق التقدم الاجتماعي والقضاء على النظام الرأسمالي ومخلفاتھ كما حدث ذلك فعلاً في بعض المستعمرات السابقة بما یشكل نموذجاً في سلسلة من الدول النامیة المتحررة الأخرى وھنا تكمن أھمیتھا التاریخیة العالمیة.

ومن جھة أخرى یضمن ھذا التقدم التاریخي العالمي وبطریقة دیالكتیكیة أیضاً تكوین الشروط التي مكنت الاحتكارات الدولیة المعاصرة من توسیع فعلي في العالم، عندما أزالت موانع قویة للأنشطة الاقتصادیة الاستعماریة القدیمة، في إطار التحرك الدولي للرأسمالیة الإمبریالیة المعاصرة. )2(

ووفقاً للشروط المتغیرة في میزان القوى، ما زال بوسع الاحتكارات الدولیة حالیاً تشدید توسعھا الاقتصادي في الدول النامیة بأكملھا، وبالطبع یجب التفریق في تقییم الحالات بشكل منفرد، أن ھذا الاتجاه لتطور الحجم الكامل لتصدیر الرأسمال الخاص من بلدان المتربولات الرأسمالیة، وھو ما تؤكد

ًً
علیھ أیضا، وبینما كان في العام 1956 حتى 1965 بمعدل 2,8 ملیار دولار سنویا، أرتفع إلى سبعة

أضعاف ذلك، حیث بلغ عام 1975 إلى 21,9 ملیار دولار، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمیة الثانیة. وشھدت السنوات الأخیرة )عقد السبعینات( تصاعداً في تصدیر الرأسمال الخارجي الخاص من 7,02 ملیار دولار عام 1970 ارتقى إلى ما یقارب 20 ملیار دولار عام 1975، بما في ذلك

الاستثمارات المباشرة من 3,05 إلى 10,2 ملیار دولار. )3( وبجانب القوى الاقتصادیة الدافعة والمرتبطة بالنظام التي تؤثر باستمرار، كانت سرعة ھذه العملیة

)بصفة خاصة( تتأثر بالعوامل التالیة :

ــ الإرغام المتنامي للتطبیع على الشروط المتغیرة من خلال تقدم العملیة الثوریة العالمیة في الدول النامیة والذي یؤثر على الاحتكارات وخصوصاً الإرغام في المشاركة في العملیات الوطنیة للتصنیع، وضمان تزوید المراكز الإمبریالیة بالمواد الخام.

ــ الضغط الداخلي المتزاید للتناقضات الرأسمالیة التي تحتد تحت تأثیر الثورة العلمیة التكنیكیة المتقدمة من جھة، وعملیات الاحتكار من جھة أخرى، والتي أدت إلى تشابك عوامل الأزمة العامة للرأسمالیة مع الأزمات الھیكلیة الشاملة وإلى أزمة دوریة اقتصادیة شدیدة في الاقتصاد العالمي الرأسمالي، وإلى احتداد

التنافس الاحتكاري ونمو الفائض النسبي للرأسمال الذي یفتش عن توظیفات ..الخ.

ــ وأخیرا، الاستقرار النسبي لشروط التوظیف الرأسمالي الأجنبي المصدر وفي القطاع الصناعي قبل كل شیئ للعدید من الدول النامیة التي یجعل تطورھا الرأسمالي والمشدود في بعض الأحیان إلى الخصائص الرجعیة لسلطة الدولة فیھا ملائماً لشروط التوظیف للرأسمال الأجنبي. وفي حالات غیر قلیلة من خلال الوضع الاقتصادي لھذه الدول والذي تدھور بشكل حاد حیث حملت الإمبریالیة ثقل أعباء الأزمة

الاقتصادیة العالمیة العمیقة على كاھل ھذه البلدان.

إذن ومن دون ریب، إن الاحتكارات الدولیة المعاصرة تمتلك طاقة ھائلة وبالأخص في المجال التكنولوجي والمالي والتنظیمي والتي یمكن جعلھا في خدمة الدول النامیة التي لا تزال قاعدتھا المادیة

ً
التكنیكیة متخلفة، ولأجل المساھمة في حل المھمات الاقتصادیة. ولكن لیس بوسع أحد الافتراض واقعیا،

بأن الاستثمارات الاحتكارات الدولیة تزود الاقتصاد الوطني للدول النامیة برأسمال، وبخلق أماكن عمل ونقل التكنولوجیا العصریة. بالطبع لا تفعل ذلك، ولكن الفائدة من ذلك للدول النامیة یمكن أن تكون ذات

6

طبیعة كامنة، ولكن من جانب آخر فھي تؤدي تحت ظل الشروط الحالیة في أغلب الحالات إلى عواقب ونتائج سلبیة. )4(

ومن خلال ھجوم صادرات الرأسمالیة الحدیثة من جھة، وتوسع النشاطات الاستعماریة الجدیدة للاحتكارات الدولیة )ش.م. ج(، تتكاثر الأضرار التي تخرب اقتصادھا. إن فعالیات وتأثیرات أعمال الاحتكارات الدولیة الحدیثة بدرجات متفاوتة، داخل وتجاه الدول النامیة ، تنبثق من جوھر الاحتكار الذي یندفع دائماً نحو التوسع وتحقیق أعلى نسب من الأرباح والنفوذ، فلھا صفات مشتركة حیث أنھا تخرق مصالح أساسیة وطنیة للدول النامیة سواء كانت من خلال خسائر اقتصادیة مباشرة، أو تأثیرات ھیكلیة

طویلة الأمد أو عملیات تخریب سیاسیة، أو في التدخل العلني في الشؤون الداخلیة للدول النامیة.

وتواصل الاحتكارات الدولیة )ش.م. ج(، وتستمر في إحداث الأضرار للدول النامیة، وتسبب لھا خسائر اقتصادیة فادحة، وتقدر ھذه الخسائر سنویاً بین 50 إلى 100 ملیار دولار، والأسباب المباشرة وغیر المباشرة، أن الاحتكارات الدولیة لھا قنواتھا المتعددة والتي تسیل من خلالھا الأرباح وذلك یعني أن

الاحتكارات الدولیة الحدیثة ھي الأطراف الرئیسیة التي تستغل الدول النامیة.

ووفق مصادر رسمیة، )وھي معطیات واطئة جداً(، حولت ھذه الاحتكارات)ش.م. ج(، بین أعوام 1960 و1970 إلى رأسمالھا الخاص أرباحاً تناھز 52 ملیار دولار، مصدرھا الدول النامیة، وفي السنوات 1974 و 1975 فقط قدرت ھذه الأرباح ب 25,5 ملیار دولار. ولكن الدول النامیة لا تنظر فقط من خلال تصدیر الأرباح والرأسمال وما یسمى بالخسارة الصافیة من العملة الصعبة،)رغم وضوح ذلك في ھذه الحالة(، بل وأیضاً من خلال تحقیق الأرباح للاحتكارات الأجنبیة عامة، كما أن ھناك أیضا الجزء الموظف من جدید للربح الإجمالي، وبمعدل یبلغ على الأقل ربع المبالغ المحولة تلك التي تبقى تحت سیطرة الاحتكارات فتتراكم وفق مصالحھا. وبالإضافة إلى ذلك تمارس الاحتكارات الدولیة استغلال الدول النامیة لیس فقط عن طریق توظیفھا للرأسمال، بل وأیضاً وبحجم معین عن طریق تصدیر رأس المال بواسطة الدولة والمساعدات والأسالیب الاستعماریة الجدیدة، والتي كما ھو معروف بجانب مھمات اقتصادیة أخرى، للرأسمال الاحتكاري ذات الوظیفة الاستغلالیة. وھنا نذكر وقبل كل شیئ بأسلوب رفع الأسعار للبضائع المصدرة والمرتبطة بالقروض الحكومیة التي بواسطتھا تنال الاحتكارات الدولیة أرباح إضافیة بصفتھا مصدر للبضائع وتلحق بذلك الضرر بالدول النامیة. وبصورة عامة یجدر الانتباه بعنایة بأن ھذا الربح الاستعماري الجدید ھو بشكل عام شكل من أشكال الربح الاحتكاري المنظم من احتكار الدولة، وكما ھو في الاستعمار الجدید في مرحلة تطور النظام الإمبریالي

التي تتسم برأسمالیة الدولة الاحتكاریة المتطورة.

ومن إحدى القنوات التقلیدیة الاستعماریة الجدیدة لنھب الدول النامیة من قبل الاحتكارات الدولیة، ھي آلیات السوق العالمیة الرأسمالیة، نظام التجارة اللامتكافئ والفرض الاحتكاري للأسعار )مقص الأسعار(، ھذا النظام لیس مستقلاً كما ھو أحیاناً یبدو في الإحصائیات ولیس مجھولاً، بل ھو جزء من خواص الرأسمال الاحتكاري والذي یناسب مصالحھ في الأرباح ویسیطر علیھ. كما تسیطر )ش.م. ج(، على عموم السوق الرأسمالیة بوضوح من خلال الاحتكارات الرأسمالیة العملاقة العصریة رغم شدة ارتفاع أسعار السوق العالمیة للمواد الخام التي استمرت منذ أواسط السبعینات ولأسباب مختلفة لا زال تدھور علاقات المبادلات وانخفاض قیمة عائدات صادراتھا مستمراً في أغلب الدول النامیة، بل وتشتد ھذه بدرجة رئیسیة بسبب التضخم المستمر في الدول الإمبریالیة الرئیسیة، وتسحب من الدول النامیة

7

بھذه الطریقة )رغم عدم دقة الحسابات( ملیارات من الدولارات التي یمتلكھا الرأسمال الاحتكاري كربح استعماري جدید.

وتكبد الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، الدول النامیة أضراراً فادحة من خلال التحویلات الداخلیة لمنتجاتھا على أساس حسابات داخلیة، ھذه المبیعات تجري داخل الاحتكار ذاتھ، بین الفرع والشركة الأم، أو بین الفروع في مختلف البلدان وبلغت حجماً ھائلاً، فقد بلغ ھذا الحجم عند فروع احتكارات الولایات المتحدة في الدول النامیة لعام 1975، وعند الصادرات إلى الولایات المتحدة، بلغ 82% من إجمالي التصدیر وفي صادرات إلى بلدان ثالثة 30% بینما الحصص المعادلة للفروع خارج منطقة

الشرق الأوسط تقع فوق ھذا المعدل بكثیر.

ومن خلال تلاعب الاحتكارات بالأسعار في إطار حركة البضائع فھي على سبیل المثال تصدر البضائع بأسعار تفوق تكالیف المواد الخام التي ھي غالباً من تصدیر البلدان النامیة، أو من خلال إجراءات تكمیلیة وبمستوى عال من الشركات الأم، وتنظم تدفق الأرباح بصورة أكثر دقة وأكثر ملائمة، تشوه من خلالھا الاحتكارات علاقات التبادل للدول النامیة وتكدس المزید من الأرباح بأسالیب منظورة وغیر

منظورة.

ومن الموضوعات ذات الأھمیة الخاصة، استغلال ونھب الدول النامیة من قبل الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( من خلال ما یسمى بنقل التكنولوجیا المتمثل أساساً بتصدیر المعلومات العلمیة التقنیة من المراكز الإمبریالیة والتي تؤدي إلى تصاعد واردات الشركات من براءات الصنع والرخص وطرق الصنع والإدارة والاستشارة وتسلیف أدوات الإنتاج، وھذا الاتجاه في الواقع لھا علاقة وطیدة بالشروط المتغیرة للتوسع الرأسمالي للشركات وباستراتیجیاتھا الاستعماریة الجدیدة التي لھا أنماط مختلفة في المجال

الاقتصادي بل وحتى في المجال الاجتماعي.

إن الأھمیة الخاصة للأداة الاستغلالیة الاستعماریة الجدیدة للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( ھي ناجمة قبل كل شیئ من أن الأسواق العالمیة للتكنولوجیا أساساً محتكرة، بدرجة عالیة وھي غیر شفافة )یكتنف الفساد أعمالھا(، وھذا یعني أن منابع الاستیراد والأسعار والشروط المختلفة یمكن للاحتكارات أن تملیھا

وذلك ھو ما یحصل في واقع الحال.

ومن جانب آخر تزداد بما یمثل القفزة، طلبات الدول النامیة من الاستیرادات التكنولوجیة بسبب تطور حاجات التصنیع الوطني الذي توصلت إلیھ. وكذلك بسبب النقص للطاقات الوطنیة في البحوث والتطور التكنولوجي، وھذا ما یجذب الاحتكارات كما تجد الاحتكارات أنھ لیس من المشترط أن ترتبط ھذه باستثمارات رأس المال التي ربما قد تتعرض للتأمیم، ومع ذلك توفر ظواھر تشابھ عما علیھ الحال في

تصدیر رأس المال. )5(

وینطبق ھذا أیضا على مؤثرات النقل التكنولوجي للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( العصریة التي تتمتع بقدرات استغلالیة متفوقة، وبھذه الطریقة فإنھا تساھم في خلق علاقات جدیدة ومؤثرة جداً ألا وھي التبعیة التكنولوجیة للدول النامیة وتساھم في توسیع الفجوة الاقتصادیة بین الدول الرأسمالیة الكبرى والدول النامیة من خلال سیطرتھا على مستوى التقدم العلمي ــ التكنیكي وترفض تزوید الدول النامیة

بالتكنیك الحدیث وأسالیب الصناعة المتطورة، بل وأحیاناً تقدم لھا تكنولوجیا ضارة وغیر صالحة.

8

وترتبط سیاسة جذب الكوادر والقوى المتخصصة للدول النامیة بشكل مباشر ومنظم من قبل الاحتكارات الدولیة)ش. م. ج(، وبھذا المعنى فقد نجحت الاحتكارات منذ عام 1961 وحتى عام 1972 بجذب 300 ألف عالم وفني واختصاصي، والخسائر التي تتعرض لھا الدول النامیة من خلال سرقة العقول یؤثر بشكل مباشر )خسائر تكالیف الدراسة( وبشكل غیر مباشر )التخلف في الإنتاج(، وھي خسائر ھائلة، وتدل معطیات الحسابات أن خسائر الدول النامیة في ھذا المجال عام 1972 كانت 20 ملیار دولار على

الأقل.)6(

ودون أدنى شك، یمثل الاستغلال والنھب الاقتصادي للدول النامیة الوجھ الشامل والحاد لفعالیات الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، ومن خلال ذلك تتعرض عملیة التنمیة الاقتصادیة إلى عراقیل كما تؤدي إلى خفض التراكم في الاقتصاد الوطني، وتتسع الفجوة باستمرار تجاه المراكز الإمبریالیة، وتتضاعف مظاھر وعناصر الضعف الاقتصادي للدول النامیة الناجم عن ھذه السیاسة الإمبریالیة، ویعمل على تواصل تبعیتھا وتخلفھا، وعلى استمراریة موقعھا اللامتكافئ والمتأخر في مكانتھا في

الاقتصاد العالمي الرأسمالي، وأیضا على أساس ومصیر سیادتھا الوطنیة.

ومن وجھة النظر ھذه : لا تنتھي مؤثرات الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، بل وتستمر وتتواصل مما یستوجب والحالة ھذه الاستمرار بتوجیھ النقد الحاد إلى الاحتكارات في توجھاتھا للحصول على أعلى نسبة من الأرباح وفي سبیل ذلك لا تحترم الإستراتیجیة التنمویة الوطنیة للدول المتحررة وتحاول إیقافھا وتخریبھا أو عرقلتھا، إن نشاطات ھذه الشركات تتناقض والدور المتنامي المنظم التكاملي للدولة الوطنیة بالنسبة إلى عملیة إعادة الإنتاج )والذي ھو مقسم وغیر موحد( في الدول النامیة وتقوي وتشجع الاتجاه إلى الفوضى وعدم التخطیط في الاقتصاد، وھي كقاعدة لا تخضع استثماراتھا لخطط التنمیة والتطور

الوطنیة، أي أنھا تؤثر مصالحھا واحتیاجاتھا تحقیق الأرباح على خطط التنمیة .

وتدفع الاحتكارات )ش. م. ج(، في بعض الحالات حلفاءھا المحلیین من الفئة العلیا للبورجوازیة إلى مشاركتھا، وإلى إسقاط الأنظمة القائمة على التخطیط، لإحلال اقتصاد سوق حرة محلھا. وبصورة خاصة فیما یخص التخطیط ووضع البرامج. وتدل الخبرة والتجارب أن الاحتكارات الدولیة بسبب تصرفھا التجاري الضیق والمتوجھ إلى الربح، لیست قادرة على تصور المشاكل الشاملة سواء كانت اجتماعیة أو على صعید الاقتصاد القومي في البلدان النامیة، ولذلك فإنھا لا تستطیع مطلقاً أن تكون الشریك الجدي في استراتیجیة تنمیة التي تتطلبھا الیوم الأوضاع الاقتصادیة في الدول المتحررة

الوطنیة.

ولا تتلاءم فعالیات )ش. م. ج(، أیضا بالنسبة إلى احتیاطیات الثروات الطبیعیة للدول النامیة، مع المصالح الوطنیة لھذه البلدان. فھي )الاحتكارات( إما تبذر ھذه الاحتیاطیات، أو تسرقھا أو تبیعھا بأسعار رخیصة جداً رغم أن ھذه البلدان تعتمد بدرجة شبھ مطلقة على وارداتھا من ھذه الثروات الطبیعیة.

ومن المعروف أن ھذه ھي الأسباب الجوھریة التي أدت إلى تفاقم مشكلة المواد الخام في السنوات الأخیرة، وردود الفعل المضادة المعروفة والتي قادت إلى النزاعات الدولیة المستمرة في ھذا المجال، كما تعرقل استغلال منابع أخرى معروفة لھا من أجل إتاحة المجال للتلاعب بأسعار المواد الخام وكذلك لإضعاف مواقف الحكومات الوطنیة اقتصادیا أو تعمد بعض الأحیان إلى تقلیص الإنتاج لأجل ممارسة

الضغط على حكومات وأنظمة تقدمیة وزعزعتھا.

9

وبھذا المعنى أیضاً، وھذا مھم : من أجل تحقیق سیاسة جني المزید من الأرباح، فإن فروعھا في حقول الصناعة التحویلیة في الدول النامیة لا تلجأ إلى المصادر المحلیة للمواد الخام، بل تستوردھا وتستورد كذلك مواد تكمیلیة من الشركة الأم أو من الفروع، في وقت تقوم بعكس ذلك في الحقول المالیة، فحیثما یكون ذلك ممكناً تقوم الاحتكارات الدولیة بتحریك وسائط ” حرة ” )نقود سائلة( في أسواق الرأسمال

للدول النامیة وتسجلھا كرأس مال مستلف للتمویل الإضافي لاستثماراتھا.

وتعمد فروع البنوك الاحتكاریة الكبرى )كأداة للتحویل( في العدید من الحالات، التي تركز الوسائط المحلیة )النقود( كودائع وتضخھا عبر مكانتھا التقریضیة في الاحتكارات الصناعیة واحتكارات المواد الخام، وبھذه الطریقة ترتفع تارة أرباحھا عندما تستغل الفرق بین الربح والفائدة، وتمتلكھ كربح عمل، وتارة أخرى یزداد تأثیرھا في السیطرة، وفوق ذلك تضعف من استقلالیة الرأسمال الوطني الذي یتناقص بفعل ھذه الأسالیب والفعالیات ویحرفون الخطط الوطنیة عن نقاط ثقل أھداف التخطیط الوطني ویستغلونھا لأھدافھم الاحتكاریة. ومن خلال ذلك یتم إبطاء في وتائر التغیرات الھیكیلیة الاقتصادیة

الضروریة والتوسعات المطلوبة والملحة لمنابع التراكم الداخلیة للدول النامیة بشكل شدید.

وفي إطار الإستراتیجیة لاستعادة ملیارات من البترو دولار التي یفترض أنھا مخصصة للتراكم النقدي للبلدان النامیة البترولیة، لغرض الاستفادة منھا في عملیة إعادة الإنتاج للمراكز الإمبریالیة في تمویل عملیات توسعھا في بلدان نامیة أخرى، وتقوم الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، بھذه العملیات على نطاق واسع ویؤثر سلبیاً على طاقات القوى المنتجة المعاملة للدول النامیة، وبدرجة أساسیة توثر سیاستھم في الأجور للشغیلة وغیرھم )بإعطاء رواتب وأجور مرتفعة نسبیاً(، وكذلك من خلال تركیز القوى المنتجة الماھرة المؤھلة العاملة في العدید من الدول النامیة في دوائر فروعھا وأبعادھا عن العمل في الحقول الوطنیة، بالإضافة إلى أن ھذه العملیة تساھم في تشطیر ھذه القوى المنتجة وإضعافھا، وحرمانھا بالتالي من دورھا في ممارسة تأثیراتھا الاجتماعیة كقوى رئیسیة مناھضة للعملیات الاستعماریة في البلدان الصناعیة. وبھذه المناسبة تجدر الإشارة إلى استثمارات الاحتكارات الدولیة على وضع العمل والشغیلة

ً
في ھذه البلدان بالقیاس إلى أبعاد المشكلة ھي تأثیرات لا توصف بأنھا تأثیرات إیجابیة دائما، بل ھي في

الغالب لھا تأثیر سلبي.

وبذلك تؤثر السیاسة التكنولوجیة للاحتكارات ومساعیھا المتواصلة لرفع درجة الاستغلال وبالتالي الأرباح من خلال عملیة الترشید الرأسمالیة وتصعید قوة العمل، وفي بعض الأحیان مستوى الإنتاجیة، وحتى في حالة ارتفاع أجور العمل المدفوعة في شركات رأس المال الأجنبي على معدل الدولة النامیة المعنیة، لا یدل ھذا على انخفاض درجة الاستغلال أو على تحسن أوضاع العمال المستخدمین ھناك، كما

تحاول دعایة الاحتكارات طرحھ عادة.

ً
ومن العوامل المؤثرة أیضا، أنھ یجب الانتباه بأن التنظیم العصري المتقن لعملیة الاستغلال في الشركات

الاحتكاریة، یضمن تارة تطبیق القوة العاملة طیلة یوم العمل وتارة أخرى یضمن درجة عالیة من شدة العمل حیث الأجور الاسمیة فوق المعدل ولا یمكنھا من تغطیة تكالیف إعادة الإنتاج المرتفعة للقوة العاملة، وذلك أن التفاوت بین ثمن وسعر القوة العاملة في شركات الاحتكارات الأجنبیة غالباً أكبر مما علیھ في المعدل القومي، وإضافة لذلك وبالأخص في مناطق الإنتاج الحرة ” مصانع السوق العالمیة ” ولیس من النادر أن تدفع الاحتكارات الدولیة أجور أسمیة أقل من التي في الصناعة المحلیة طالما تكون

قوى العمل غیر مؤھلة )كفوءة(.

10

وكما ھو ثابت في المعطیات التاریخیة، أن الإستراتیجیة الاقتصادیة للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، تجاه الدول النامیة قد اتخذت ولأسباب عدیدة، أنماطاً مختلفة، ویمكن رسم أحد أھم واجھاتھا كما یلي بدون تفاصیل : عندما ساد في زمن مواد الخام الرخیصة اتجاه وحید الجانب لعملیات الاحتكار في نحقیق الأرباح من خلال تصدیر الخامات الزراعیة والمعدنیة، ثم استكملت ھذا التوجھ في خلال انتشار واسع لتوظیفات رأس المال في استثمارات الصناعة التحویلیة وفي مجالات الخدمات الصناعیة. وھي توجھات حتمت على الاحتكارات الدولیة أن تساھم في عملیة التصنیع في الدول المتحررة، وتستغل بذلك الاحتیاطي الھائل لقوى العمل الرخیصة لھذه البلدان عبر التصنیع لزیادة أرباحھا، وھي تحاول تحویل وحرف ھذه العملیة إلى تطور صناعي ولكن بما یخضعھا لمصالحھا ولإحكام سیطرتھا وربط كافة فروع الصناعة بما في ذلك فروع الصناعة الثقیلة وبناء الماكنات إلى منشئات تابعة لارتباطاتھا

المتفرعة والمتشابكة.

ولكن إلى جانب ذلك ھناك ملاحظات لا ینبغي أن تھمل: أن الفعالیات الصناعیة للاحتكارات الدولیة لا تنطبق على كافة الدول النامیة بنفس القیاس والأسلوب، إذ أن حجم وشكل والمستوى التكنیكي لاستثماراتھا الصناعیة تختلف وتتفاوت وقبل كل شیئ في طاقة المواد الخام للبلدان النامیة في الاستثمار والتي ھي على أیة حال ھدف )ش. م. ج(، في استخدامھا في عملیة إعادة الإنتاج للمراكز الإمبریالیة، وأیضا اعتبار وضعھا السیاسي والاجتماعي، وھذا یعني درجة تطور علاقات الإنتاج الرأسمالیة المحلیة

واستقرار الھیاكل السیادیة لتتمكن من مساعدة )ش. م. ج(.

إن انھماك الاحتكارات الدولیة في تشیید الصناعات في الدول النامیة قطعت أشواطا بعیدة بأسالیب تخطت أسالیبھا القدیمة التي كانت تقوم بھا في البلدان النامیة سابقاً مثل الإنتاج التجمیعي )معامل التركیب( التي یجب استیراد الأجزاء الھامة أو كلھا لإدارة الإنتاج، من المصنع الرئیسي أو من فرع آخر، أو القیام إنتاج مواد استھلاكیة بدیلة لتلك التي مستوردة وفي أكثر الحالات على أساس الإنتاج المحلي للمواد الخام، نرى الیوم أن الاحتكارات عمدت في الحالات التي تم فیھا إنشاء صناعات كاملة وعصریة نسبیاً في درجة الھیكلیة وتبدو ھذه الصناعات أنھا قامت لاحتیاجات السوق المحلیة، ولكن إنتاجھا لا تتسع لھ السوق الداخلیة بقسمھ الأعظم بل تعتمد في مبیعاتھا على مصانع موالیة للاحتكارات

في دولة نامیة أخرى.

وأفضل الأمثلة ھي مصانع مركبات الكیمیاء البترولیة أو صناعة الألمنیوم في بعض الدول النامیة البترولیة في الشرق الأوسط التي تنشأ قرب موارد المواد الخام، أي قرب منابع الطاقة الرخیصة، ویتم تصنیع إنتاج ھذه المصانع )النصف مصنعة( في بلدان مجاورة أخرى.

من خلال نقل التكنولوجیا والدخول في ھذه الدائرة، تسیطر الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، على صناعات كھذه، ولو بصورة غیر مباشرة، وتمنع إعادة الإنتاج القومیة المستقلة في البلدان النامیة وترفض تزوید البلدان النامیة في ھذه الحالات بفقرات مھمة من السلسلة التكنولوجیة. وتحتفظ الاحتكارات بحلقات الوصل الإنتاجیة المغلقة تكنولوجیا، ولكنھا موزعة على عدة بلدان وعلى الأغلب لإنشاء فروع أو أقسام إنتاجیة التي تتطلب تكثیف في العمل أو في الطاقة وقلیلة الإنتاج وثانویة في

الجانب الفني أو مضرة بالبیئة.

إن مخططات إنتاج من ھذا النوع لا تصلح كإنتاج لاكتفاء حاجات البلدان النامیة الأساسیة بل أنھا مجرد تزوید للمنھاج الكامل والمسلسل عمودیا أو صادرات في إطار الإستراتیجیة التسویقیة الكاملة، أي في

11

حالة الاتجاه إلى السوق الداخلیة فإن الاحتكارات تضع في حساباتھا إرضاء المصالح الاستھلاكیة للفئات الاجتماعیة المحلیة وفي المقدمة الفئات العلیا.

وعلى العكس من ذلك، تؤثر الاحتكارات من خلال قیود ترتبط الصادرات وإطلاق احتیاجات إضافیة للاستیرادات تؤثر سلبیا على أوضاع میزان المدفوعات وتخلق في كل حالة تشابك تكنولوجي وارتباطات اقتصادیة صغیرة ھنا وھناك والتي تنعكس على الارتباط الاقتصادي العام للبلدان النامیة بالاحتكارات

)ش. م. ج(، وعلى مستوى وثیق.

ھذه المؤشرات تبدو بوضوح خاصة فیما یسمى بالمناطق الإنتاجیة الحرة والتي تفضلھا الاحتكارات الدولیة لاستثماراتھا الصناعیة بشكل متزاید. ففي عام 1975 كان یوجد في 25 بلد نام 79 منطقة حرة، و39 أخرى غیرھا تحت الإنشاء ومن بینھا 14 مشروع في 11 بلد نام آخر. وعملیاً تعفى ھذه المناطق من المراقبة الدقیقة للدولة، وتتحول إلى ما یشبھ جزیرة للرأسمال الأجنبي في اقتصاد ھذه البلدان. وفي بعض الأحیان اتخذت أشكال معاھدات تحمیھا قوانین الدولة. وبطبیعة الحال، فإن الاحتكارات )ش. م. ج(، تنتزع أفضل شروط الاستثمار لرأسمالھا، وترغم السلطات المحلیة على التخلي الجزئي عن سیادتھا الوطنیة في البلدان المعنیة، كوسائط ضغط على الحكومات الوطنیة كما ھو الحال لما یجري للطبقة العاملة في قلاع الرأسمال، وھي في ھذه الحالة فإنھا تنقل وسائل الإنتاج إلى بلد آخر لاستثمار

شغیلتھا لمصالحھا المالیة.

ویحدث ھذا أحیاناً تجاه مقاییس الاقتصاد العالمي لإستراتیجیة التصنیع الاستعماریة الجدیدة، حیث لا تكون ھذه تنظیمات في الصناعة أو تغیرات أساسیة فیھ بقدر ما ھو ھذا الشكل مجرد نظام ملائم للاستعمار الجدید ونمط آخر لتقسیم العمل الدولي الرأسمالي عندما تستمر الفجوة الاقتصادیة بین الدول الإمبریالیة والدول النامیة التي تغلبت على التقسیم الاستعماري )إنتاج زراعي ومواد خام( وتدریجیاً إلى صناعة تحویلیة ولكن لیحل مكانھا التقسیم بین درجات الصناعة المختلفة كماً وبین قمم الصناعة

المتطورة علمیا ً وفنیا ً وھامشھا المتخلف صناعة المواد الخام والذي ھو مكمل لھا.

وتوصف الإستراتیجیة الاقتصادیة للاحتكارات الدولیة المعاصرة )ش. م. ج(، باشتداد التلاحم والتغلغل بعناصر مؤثرة سیاسیاً واجتماعیا وفق الھدف الرئیسي الاستراتیجي للاستعمار الجدید، وھذا ما تعبر عنھ توجھھا نحو تأثیر أقوى على طریق التطور في بلدان ارتكازھا وھذا یعني أیضا تسریع تطورھا الرأسمالي، أي إخراج التطور الرأسمالي من أزمتھ في عالم الاستعمار السابق عن طریق شركاء وشركات مختلطة تحاول الاحتكارات )ش. م. ج(، وترسیخ وتوسیع تحالفھا مع الفئات العلیا

للبورجوازیة المحلیة، أو مع أجزاء من الرجعیة الداخلیة لتعزیز مكانتھا في المجال الاقتصادي.

ووفق ھذه الشروط یكون ھذا التوسع القاعدة الاجتماعیة للتأثیر الاستعماري الجدید للاحتكارات ولیس مجرد مسألة المصالح الإمبریالیة للحفاظ على النظام، بل أنھا أكثر من مقدمة لعملیة الاستثمار للرأسمال الاحتكاري ذاتھا، وأنھا أكثر من ذلك فإن الاحتكارات تذھب إلى حد الاتفاق على نظم مع حكومات معنیة للحالات التي یتم فیھا تأمیم شامل أو جزئي. وبالتأكید تعبر وجھة النظر ھذه بوضوح أن إستراتیجیة الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، تسودھا عناصر دفاعیة، أي بالمعنى التاریخي، وھذا لا یعني كف النظر عن طاقتھا الھجومیة التي لا زالت ھائلة، وعن دینامیكیتھا لھجومھا المضاد الحالي، فبرغم كل شیئ لا زالت الإستراتیجیة الاقتصادیة للاحتكارات الدولیة تحمل صفات استعماریة جدیدة وھجومیة ضد

12

البلدان النامیة وھي تھدف رغم بعض التنازلات إلى إحباط المصالح الوطنیة والتوجھات الاستقلالیة للدول المتحررة وإفشالھا.

وعندما یدقق المرء في جوھر الأشیاء، یرى أنھا لیست مجرد عملیة نقل للتكنولوجیا ولرأس المال من بلد إلى آخر، بل ھي أكثر من ذلك، أن الإمبریالیة بھذا الأسلوب إنما تفعل ذلك من أجل توسیع مجالات تأثیراتھا والاستیلاء على منابع الأرباح إنما ھو تتنازع لتقسیم العالم الرأسمالي من جدید. وأیضا یعني جوھر الأشیاء أن الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( لا تتعایش مع حركات التحرر الوطنیة، وصراع البلدان النامیة من أجل استقلالھا الاقتصادي، بل وتحاول بكل وسیلة التمسك بمنابع المواد الخام والوقود من جدید، وتؤكد على ذلك الفعالیات الغیر اقتصادیة للاحتكارات الدولیة، أي عملیاتھا

السیاسیة والتي تھدف في النھایة سیطرة الاحتكارات والدول الإمبریالیة على البلدان النامیة.

والاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( العلاقة ھي الركائز الرئیسیة للأنظمة الاستعماریة والعنصریة في جنوب افریقیا )في عھد نظام الفصل العنصري / المترجم(، وھذه تتدخل عسكریاً ضد الدول التقدمیة الفتیة وضد حركات التحرر الشعبیة كما ھو الحال في الھند الصینیة وانغولا وشابا في زائیر، أو تقوم بھجوم مضاد كما ھو الحالب في بینین وموزنبیق، أو بأنقلاب رجعي ضد السلطة كما حصل في تشیلي، وحركات انفصالیة كما في نیجریا، اندونوسیا، وبأعمال الإرھاب ضد شخصیات سیاسیة تقدمیة وغیرھا في عملیات العنف وفي بعض الأحیان یقومون بأنفسھم بتنظیم لھذه العملیات بشكل عملیات تخریبیة تھدف لنزع الاستقرار ضد حكومة غیر مریحة لھا، ویرشون شخصیات سیاسیة ویمارسون عن طریق تأثیرھم على الوسائط الإعلامیة ومؤسسات التعلیم، والتغلغل الآیدیولوجي على الدول النامیة لضمھا تحت سیادتھا ومصالحھا من أجل المزید من الأرباح. ویؤسسون علاقات سلطة رجعیة في العالم الاستعماري القدیم، ویحافظون علیھا مثل الدول الرجعیة في جنوب شرقي آسیا والشرق الأوسط، ودیكتاتوریات فاشیة عسكریة في أمیركا اللاتینیة، ویتوقعون من رسوخھا توظیف مربح للرأسمال وفوق ذلك إمكانیة استغلالھا ضمن وظیفتھا التبعیة الجدیدة بمكافحة التقدم والاشتراكیة لأجل شطر وتجمید

الحركات الوطنیة المضادة الإمبریالیة في البلدان النامیة.

وكما ھو الحال في المجال الاقتصادي، كذلك أیضا ً في المجال السیاسي وتتمثل بالأنشطة المضادة للسیادة الوطنیة والتقدم الاجتماعي الحقیقي في الدول المتحررة، وتحت ھذه الظروف ونظراً إلى العدوانیة المتصاعدة للاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( ونظرا إلى البروز الواضح في توجھھا الاستعماري الجدید الشدة المعادي للتقدم، أصبح من السھولة الإدراك أن التناقضات بین ھذه الاحتكارات وبین شعوب البلدان أحدثت بشكل متصاعد ونتیجة لذلك اندلاع الكفاح في مناطق التحرر الوطني ضد الإمبریالیة أیضاً ضد الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( وبمقاییس متصاعدة، وإن لم تكن بصورة استمراریة وبتفاوت في الشدة

وسنكتفي ھنا بالإشارة إلى بعض وجھات النظر ومشاكل ھذا الكفاح.

إن الموقف الأساسي للأغلبیة الساحقة للبلدان النامیة في ھذه المسائل موثق في سلسلة من البیانات المھمة، فمثلاً في الإعلان الاقتصادي لمؤتمر كولومبو لدول عدم الانحیاز في آب / 1979، حیث أدان رؤساء حكومات والدول المشاركة وعددھا 85 دولة، أدانوا من جدید السیاسة التي لا یمكن تقبلھا وأعمال الشركات المتعددة الجنسیة والتي لأغراض الأرباح الاستغلالیة وتستنزف الموارد الطبیعیة وتشوه الاقتصاد الوطني وتخرق سیادة البلدان النامیة، وأیدت الرقابة والسیادة على الشركات المتعددة

الجنسیة في إطار قوانینھا الوطنیة وبالتوافق مع أھدافھا ومثلھا وبوضعھا تحت سیطرتھا وحق تأمیمھا.

13

ومن الضروري ملاحظة أن ھذا الموقف جاء فقط في إطار الإعلان الرسمي لمواقف مختلف البلدان المساھمة في المؤتمر المذكور، علماً أن ھناك مصالح ومحركات مختلفة جداً من دولة لأخرى بحسب أوضاعھا الاقتصادیة واتجاھاتھا السیاسیة والاجتماعیة وھي تفسر الأھداف المصاغة في الفقرة أعلاه

بأشكال متفاوتة وتتابعھا بعزم وشدة متفاوتة أیضاً. ومع ذلك ینبغي عدم التقلیل من أھمیة بیانات كھذه لأنھا : * أولاً. ھي تعبیر عن الروابط المستمرة ضد الإمبریالیة رغم الاختلافات المتنامیة. * ثانیاً. تمثل ھذه الإعلانات نقطة انطلاق وقاعدة سیاسیة لعملیات فعلیة للدول المتحررة ضد الاحتكارات

الدولیة.

* ثالثاً . تمثل نقاط ارتباط ثمینة للدول ذات التوجھ الوطني في التنمیة وللقوى الدیمقراطیة على اختلافھا لمساندة الطلبات العادلة لبلدان أفریقیا وآسیا وأمیركا اللاتینیة تجاه الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( وإلى تغییر في نمط العلاقات الاقتصادیة الدولیة.

ومن المؤكد أن البلدان النامیة ذات التوجھ الوطني اللارأسمالي التي تركز في علاقاتھا على تحالفات وطنیة إقلیمیة وقاریة ودولیة، تسعى إلى إجراءات لیست فقط للرقابة، بل وأیضا وذلك أھم، إلى التحدید الفعال لتأثیر وعمل الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(، وبنفس الوقت استغلال طاقات تكنولوجیة ومالیة

وتنظیمیة معینة للرأسمال الأجنبي. )7(

وتمارس البلدان النامیة ھذه العملیة )عملیة التطور اللارأسمالي( رغم أنھ وبسبب ظروف اقتصادیة معقدة وضغوط سیاسیة یجبرون على التراجع في ھذه العملیة. وتظھر لدى بعض ھذه البلدان ظواھر المقاومة ضد الاحتكارات الدولیة، وھذه تملك علاقات رأسمالیة متطورة نسبیاً والتي فیھا مصالح البورجوازیة الوطنیة، وتصطدم مع القوة العظمى والطمع للربح والسیطرة للاحتكارات. وعموماً تحتوي صفات الھیاكل الرأسمالیة في المراحل المختلفة في التطور الاقتصادي والاجتماعي على اتجاه وإعطاء أفضل الشروط المفضلة للاحتكارات الدولیة وفسح مجال تلاعب واسع نسبیاً لھا، على الأقل في إطار

المناطق الإنتاجیة السالفة الذكر.

ویبدو من ھذا: أن العزیمة والشدة لتصرف بلد نام بمفرده تجاه فعالیات الاحتكارات الدولیة لا یمكن استنتاجھا آلیاً من أرقام أساسیة معینة للمستوى الاقتصادي والتوجھ الاجتماعي، بل وتؤثر علیھا الأوضاع الخصوصیة للبلد المعني بقوة وكذلك العوامل الموضوعیة المتوفرة. ھذا وقبل كل شیئ النظر إلى مشاكل التسویق والتزوید والحاجة الملحة لرأس المال والتكنولوجیا والإلمام بقیاسات واقعیة تجاه

استعداد وقابلیة البلدان النامیة في أن تناضل ضد عملیات الاحتكارات الدولیة.

إن الاجراءات التي قامت بھا البلدان النامیة حتى الآن وكذلك الخطوات التي نصحت بھا لجنة الأمم المتحدة للشركات المتعددة الجنسیة، ھي في الحقیقة لمفردھا متفاوتة، ولكنھا لا تتعدى في النھایة إجراءات تنبیھ وتحذیر لا أكثر ولا أقل، ما عدا القلیل منھا التي تناولت المسألة بشكل أعمق وقبل كل

شیئ من جانب البلدان المصدرة للنفط.

وتشمل ھذه )الإجراءات والنصائح )تحلیلات لحقول الأعمال وأسالیب واستراتیجیات الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( وجمع المعلومات عنھا، وتم لھذا الغرض تأسیس مركز استعلامات في كوبا یتولى مھمة

14

جمع المعلومات والذي أقر رؤساء دول وحكومات بلدان عدم الانحیاز في 1976 )كولومبو( إنشاؤه وتقدم الاستشارة في مجال تطبیق الأنظمة القانونیة بالإجازة أو الرفض لطلبات الاستثمار الشركات الأجنبیة، بما في ذلك إعادة الاستثمار. وحول مجالات التوظیفات وحجم الاستثمارات وفرص المشاركة في الرأسمال والخبرات )الأشخاص( وعلى طریقة التعامل وعلى كمیة التصدیر والاستیراد والواجب

لضمان التدقیق الكامل والنظر في المستندات التجاریة وكثیر غیرھا.

وشیئ آخر یسترعي الاھتمام في ھذا المجال، وھو الشكل المؤثر من أشكال المقاومة ضد الاحتكارات والتي تمثلت حتى الآن بتأمیم ممتلكات فروع الاحتكارات بین 1960 وعام 1976، إذا أممت في البلدان النامیة بنحو 1369 حالة، ممتلكات شركات أجنبیة، من بینھا العدید من فروع الشركات الدولیة العملاقة في مجال النفط. وغالبیة التأمیمات جرت في السبعینات، 914 حالة مقابل 455 في مرحلة ما قبل السبعینات )بزیادة أكثر من الضعف(، وھذا یؤكد على احتداد التناقضات بین البلدان النامیة والاحتكارات الدولیة)ش. م. ج(، ویظھر دور الدول المتحررة الجدید في التطور العالمي وعلى قدرتھا المتنامیة في

التصدي للھیمنة الإمبریالیة.

وعلى النطاق الإقلیمي تفوقت الدول الأفریقیة من جنوب الصحراء )بلدان القارة عدا أقطار الشمال الأفریقي( ب 650 حالة تأمیم بینما تحقق في جنوب وشرق آسیا 291 حالة، وفي غرب آسیا وشمال أفریقا 275 حالة، وفي أمیركا اللاتینیة 198 حالة.

وعلى صعید القطاعات )لا یزال الموضوع یدور عن التأمیم للفترة المذكورة( فكانت في 349 حالة، كانت تأمیمات في قطاع بنوك وشركات تأمین أجنبیة، وفي 300 حالة في الصناعة الاستخراجیة، منھا 220 شركة عاملة في قطاع النفط، وفي 221 حالة في قطاع شركات الصناعة التحویلیة.

ومن الطبیعي أن ھذه الإحصائیات لیست بالضرورة تتساوي أھمیتھا السیاسیة بأھمیتھا الاقتصادیة، ولكنھا من المؤكد تعطي مؤشرات ھامة ولذلك یقتضي الإشارة بأن ھذه التأمیمات أصابت بالدرجة الأولى شركات بریطانیة في 521 حالة، و342 حالة شركات أمریكیة، وفي 146 حالة لشركات

فرنسیة.

وبرغم أن ھذه التأمینات قد أضعفت مواقع إمبریالیة، بھذه الطریقة أو تلك، إلا أنھ لا یجوز غض النظر بأن محتواھا الاقتصادي / الاجتماعي ودرجة تأثیرھا نظراً إلى ظروف الاستغلال للاحتكارات الأجنبیة، لیس متساو في كافة البلدان، وھنا یلعب التوجھ الاجتماعي في الدول دوراً أساسیاً، ویتناول ھنا سلطة الدولة والتي تتحول الشركة المؤممة أو جزء من رأسمالھا إلى ممتلكات الدولة، وطبیعة العلاقات الإنتاجیة المتكونة. وفي حالات عدیدة تسمح التأمینات في البلدان النامیة ذات النظام الاقتصادي المتجھ نحو الرأسمالیة، تسمح للاحتكارات الدولیة إعادة تنظیم تأثیرھا الاستعماري الجدید، واستحداث نشاطات تتمكن من خلالھا الدخول إلى مجالات جدیدة، كما ولیس نادراً أن حدث إعادة الممتلكات الخاصة

المؤممة إلى أصحابھا..

ویمكن للتأمیمات إن كانت مدروسة وفي ظل سیاسة وخطط تنمیة راسخة تحت شروط التوجھ الوطني اللارأسمالي، أن تؤدي ترسیخ الاستقلال الوطني وتقویة الأسس المادیة للتقدم الاجتماعي.

وتساھم الإجراءات الأخرى التي تتخذھا البلدان النامیة ضد الاحتكارات وتأثیراتھا من كونھا متعلقة بالشروط الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة المتوفرة بالدرجة التي توصل إلیھا ھذا البلد أو ذاك من

15

السیادة الوطنیة. وقد أثبتت لجنة الأمم المتحدة حول الشركات المتعددة الجنسیة حیث ورد ما نصھ ” أن بعض البلدان النامیة تبدي قلقاً متزایداً من نشاطات الشركات المتعددة الجنسیة ” وتتفاوت القدرات من بلد إلى آخر على إیجاد إستراتیجیة للتصرف إزاء فعالیات الشركات المتعددة الجنسیة وملاحظاتنا أعلاه

والبراھین تجعل ما ذھبنا بصدده في غایة الوضوح، مع التزامنا التعبیر عنھا بدقة.

لا یمكن التصدي بسھولة لعمالقة الاحتكارات، وھم )بجشعھم وتقدیسھم لمبدأ الأرباح( یمثلون المثل المعادیة للإنسانیة والإنسان في تطبیقھم بشكل شامل وصارم مثل وقیم الرأسمالیة والإمبریالیة، والتي تمثل الإنتاج المتقدم للنظام الرأسمالي، فھذه الاحتكارات )ش. م. ج( لا یمكن التصدي لھم بالمثل الأخلاقیة وبتحذیرات تدعو لحسن التصرف، أو بطلبات العدالة في الأسعار، أو المساعدة في تكنولوجیات مؤثرة وفق أولویة حقوق الدول النامیة. وسعي )ش. م. ج( نحو الأرباح والتسلط إنما ھو نتاج موضوعي لقوانینھا الداخلیة لتراكم رأس المال ونتیجة لذلك. وفقط یمكن وضع الحدود لھا والموانع لأعمالھا عندما تصطدم بقوة حقیقیة وبإرادة صلبة، أي عندما نعمل قوى اقتصادیة وسیاسیة

أقوى منھا ضدھا.

إن احتمالات النجاح في الصراع ضد الاحتكارات الدولیة تعتمد بدرجة عالیة على علاقات قوى وعوامل سلطة واقعیة تصارع الاحتكارات على نطاق العالم، والمنطقة وعلى نطاق الأمة من القوى المعادیة للاحتكارات واستخدام قواھا بشكل فعال ومؤثر. ومن وجھة النظر ھذه نجد أن الطاقات الاقتصادیة للمقومة ضد الاحتكارات في الدول النامیة في حد ذاتھا محدودة نسبیاً في الوقت الحالي، وتعتمد ھذه قبل كل شیئ على ثرواتھا الطبیعیة وھنا تبدو أكثر مؤثرة ولكن ذلك یختلف بحسب البلدان. وینسحب ذلك في الوقت الحاضر على تراكم رأس المال لبعض الدول التي لا تزال تستغل بصورة رجعیة وعدا ذلك

تنسحب على احتیاطي القوى العاملة وحجم السوق والاحتیاطیات الكامنة للطاقة …الخ.

وما یشبھ ذلك نلاحظھ عند القوى الاجتماعیة المضادة: الطبقة العاملة كقوة اجتماعیة رئیسیة في النضال ضد الاحتكارات لا زالت في الكثیر من البلدان النامیة في طور التشكیل كطبقة وتنظیمھا وقواھا النضالیة تصطدم بالعدید من العوامل القویة، ولا زالت تشارك بشكل غیر كاف في النضال العام ضد الاحتكارات الدولیة. أما البورجوازیة الوطنیة فلا زالت بالنسبة لعلاقاتھا مع الاحتكارات منشطرة إلى أقسام مختلفة، والتي على أساس صفاتھا الطبقیة تمیل قلیلا أو كثیرا إلى المساومات لذا ھي مشتتة، وغالباً ما تتخذ البورجوازیة الصغیرة مواقف رادیكالیة ضد الاحتكارات الأجنبیة ولكن بقاعدة اقتصادیة

ضعیفة ومبعثرة.

ولا یمكن أن تنال العوامل الاقتصادیة في البلدان النامیة أھمیة أكبر من النزاع مع الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج( وقدرات السلطة السیاسیة للقوى الوطنیة، وسلطة الدولة الوطنیة، وتحقیق نتائج ملموسة إلا من خلال خلق علاقات عمل وتلاحم راسخة ضد الإمبریالیة على الصعید الوطني والدولي، وفقط من خلال تعبئة ھذه القدرات یمكن أن تكون الطاقات الاقتصادیة والاجتماعیة للبلدان النامیة مؤثرة في

الصراع ضد الاحتكارات.

وأخیراً ولیس آخراً، یستنتج من كل ھذا لماذا نعتبر ترسیخ السیادة الوطنیة للدول المتحررة حالیاً مسألة رئیسیة في الصراع ضد الاحتكارات الدولیة ومن أجل التعبیر الدیمقراطي للعلاقات الاقتصادیة العالمیة الرأسمالیة. وتعتبر قرارات الأمم المتحدة والمیثاق الذي تم الاتفاق علیھ في الاجتماع العام التاسع والعشرون ” میثاق الحقوق والواجبات الاقتصادیة للدول ” الإطار التوجیھي المناسب للتطبیق في

16

القوانین الدولیة وإعطاؤه محتوى مادي في البلدان ذاتھا. وإذا كان تقریر ریو )Rio( یطلب تجاه ذلك التنازل الاختیاري عن السیادة الوطنیة، بسیادة توظیفیة، فذلك یعني تحویل ھذه السیادة إلى الشركات المتعددة الجنسیة وھو اتجاه خاطئ تماماً.

نفس الشیئ ینطبق تماماً على التخطیطات الانفصالیة والتي یمثلھا نظریاً )على سبیل المثال( سمیر أمین، أو التي توجد في نظریة الانحلال ل دیتر زتكھاز، وتزول ھذه أخیرا أمام الواجب الصعب للتغیر الدیمقراطي والقضاء التام على الاستعمار في العلاقات الاقتصادیة العالمیة وتتجھ أكثر أو أقل ضد التفاعل والتعاون الضروري والمتاح بین البلدان النامیة في تحالفات عریضة صد الأنشطة الامبریالیة ، ولكنھم یبالغون في تقدیر الامكانات في التعاون الاقتصادي للبلدان النامیة فیما بینھا على شكل تشعبات اقتصادیة إقلیمیة وبنوك تنمیة وروابط إنتاجیة ومعامل مشتركة ومؤسسات بحوث … الخ لتقویة مواقعھا ضد الاحتكارات الدولیة )ش. م. ج(. والدول الإمبریالیة لإزالة وإضعاف ارتباطاتھا الحالیة. ویعملون ھذا في إطار تخطیط تقویة الاستقلال الوطني والجماعي. إن تحقیق خطوات كھذه لا یمكن عزلھا عن تغیرات اقتصادیة واجتماعیة ضروریة وإضافة إلى ذلك یجب الاھتمام بالأخطار الناجمة عن ھذه التجارب لاستغلال التعاون الاقتصادي الإقلیمي الاستعماري الجدید والخطوات الأولى للتكامل بشكل

كبیر.

إن النجاحات التي توصلت إلیھا البلدان النامیة حتى الآن في تكوین اقتصاد وطني وفي ترسیخ السیادة قد ثبتت مواقعھا تجاه الاحتكارات الدولیة وأضعفت سیادة ھذه الاحتكارات التي كانت في نھایة الستینات غیر محدودة في دول آسیا وأفریقیا وأمیركا اللاتینیة من مختلف الجوانب وإن كانت ھذه الإجراءات ضد

الاحتكارات لیست بطابع شمولي. )8(

ھذا التطور الذي أصبح ممكناً بفضل علاقات القوى المغیرة في العالم والتوجھ نحو الانفراج جعل كل ذلك ممكناً على أساس علاقات القوى المتغیرة في العالم والتوجھ نحو الانفراج جعل ذلك مجالاً لتلاعب الاحتكارات الدولیة أضیق، حیث وضعت حدود معینة لاندفاعھا نحو التدخل المفتوح )في العادة باستخدام وسائل عسكریة أو أجھزة أمن الدول الإمبریالیة( وھذا ما جعل الرجوع إلى سیاسة القوة في حالات معینة وفي المستقبل أمراً وراداً في الإستراتیجیة الامبریالیة . وفي نفس الوقت أاضطرار الاستعمار الجدید إلى اكتساب خصائص جدیدة في البلدان النامیة. إن وضعاً كھذا ملائم أكثر للبلدان النامیة، وسببھ الرئیسي كان التأثیر المتنامي لتیارات التحرر العالمیة على الأحداث الدولیة، والتأثیر المتنامي للتوجھات المعادیة للإمبریالیة على الأحداث الدولیة، الوقوف لأجل تحدید ومزاحمة تأثیر الاحتكارات الدولیة في البلدان النامیة والذي في نفس الوقت محتواه )الوضع الجدید( الاستفادة الممكنة من القدرات الاقتصادیة والفنیة للاحتكارات لتطویر البلدان النامیة بضمان مصالحھا الوطنیة ھو جزء لا یتجزأ من الكفاح الذي باشرت فیھ الدول ذات التوجھ الوطني في التنمیة منذ أمد طویل وتمارسھ مع البلدان النامیة لأجل تغیر

دیمقراطي للعلاقات الاقتصادیة الدولیة.

أن نجاح ھذه المجھودات النھائي تعني قبل كل شیئ امتداد عملیة إزالة الرأسمالیة على المجال الاقتصادي، ووضع حد نھائي لعبودیة الاحتكارات المسماة )الشركات المتعددة الجنسیة( والإمبریالیة لاستغلال الموارد الطبیعیة والبشریة للدول النامیة من قبل الدول الرأسمالیة المتطورة.

وتنطلق السیاسة العملیة للبلدان النامیة المتحررة من أن : عملیة جعل الإنتاج جماعي غیر قابلة للإعادة، وبأن الإنتاج الكبیر الحجم وتعمیق تقسیم العمل في القیاس القومي وكذلك الدولي تمثل اتجاھات

17

موضوعیة لتطور قوى الإنتاج. لم یعد ھناك من إمكانیة لآمال خیالیة بالرجوع إلى جنة المنافسة الحرة أو لتصورات غیر واقعیة عن رقابة ذاتیة أو قلب جوھر الاحتكارات الدولیة)ش. م. ج( .

ولا یمكن أن تتم إنجاز عملیات رقابة مؤثرة على فعالیات الاحتكارات الدولي )ش. م. ج( في البلدان النامیة أو إجراء التأمیم الدیمقراطي وضمان تطبیق ھذه المراحل، إلا من خلال تحالف وطید ضد الإمبریالیة على مستوى دولي وتغیرات داخلیة اجتماعیة واقتصادیة وقاعدیة )في البناء التحتي(، في ھذا الإطار ترى البلدان المتحررة أیضاً الإمكانات والحدود للقوانین المحددة للشركات المتعددة

الجنسیة.

إن علاقات تعاون بین القوى الدولیة من أجل التحرر وبین العملیات ضد الاحتكارات للحركات العمالیة والتقدمیة في البلدان الصناعیة الرأسمالیة والاتجاھات الوطنیة في أفریقیا وآسیا وأمیركا اللاتینیة أصبح شرطاً ضروریاً لنجاح الكفاح الذي تقوده البلدان النامیة لأجل التحرر الاقتصادي ومن أجل نظام

اقتصادي دولي جدید. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ھوامش

 الكاتبان یعبران عن مصطلح شركات متعددة الجنسیة )M.N.C( )ش. م. ج( بالمصطلح الاقتصادیة ” الاحتكارات الدولیة ” والاحتكار ھو مؤشر لعمل اقتصادي أكبر من شركة/ المترجم

 یعني المؤلفان ھنا، نمط تحرك الرأسمالیة الإمبریالیة وظھور الاستعمار الجدید وتقلص نفوذ الدول الاستعماریة القدیمة: إنكلترا، فرنسا، ھولندة، البرتغال، وظھور الاستعمار الجدید، الإمبریالیة )New Colonialism – Imerialism( بقیادة الولایات المتحدة. / المترجم.

 بلدان المتروبولات )Metopols( ھي البلدان الرأسمالیة الرئیسیة ” بلدان المركز “. / المترجم

 كما لدى الاحتكارات خبرائھا القانونیین الذین یعرفون ولدیھم الخبرة في التسلل والاستفادة من المعطیات الموجودة في كل بلد نام. / المترجم

 تصدیر رأس المال )Capital Export( ھو الظاھرة الأھم في الاقتصاد الرأسمالي. / المترجم.  یندر أن یفلت خبیر أو عالم جدید من خریجي الجامعات الغربیة المتفوقین من البلدان النامیة من

براثن الشركات الاحتكاریة العملاقة، فیتم إغراؤه وتوظیفھ بشتى السبل. / المترجم

 البلدان النامیة في نضالھا من أجل تقلیص التبعیة، مضطرة إلى اللجوء إلى )ش. م. ج( في عملیات التوصل إلى التكنولوجیا، ولكن علیھا أن تراقب فعالیاتھا بدقة، وتحاول أن تقلص ما استطاعت لذلك، من الآثار السلبیة. / المترجم.

 یلاحظ القارئ أن الموقف على صعید العمل الدولي قد تغیر تغیراً ملحوظاً بتفكك الاتحاد السوفیتي ومنظومة البلدان الاشتراكیة، لصالح المعسكر الإمبریالي لأسباب وظروف عدیدة.

18

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com