مقالات

على الـ«سوشيل ميديا»: ترامب يصنع الكآبة وعجوز أمريكي يلهم الناس الفرح!

بيدر ميديا .

على الـ«سوشيل ميديا»: ترامب يصنع الكآبة وعجوز أمريكي يلهم الناس الفرح!

 

مريم مشتاوي

 

مر أسبوع حافل بالأخبار المتراشقة على الفضائيات العربية، كان أبرز نجومها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أصيب بفيروس كورونا الكاسح للكرة الأرضية ودخل على إثره المستشفى.
ترقب الجميع حالته، خاصة أنه يبلغ من العمر 72 سنة، وهي الفئة العمرية التي يشكل الفيروس الخطر الأكبر عليها. تابعه الإعلام خطوة بخطوة من لحظة دخوله المستشفى إلى لحظة خروجه سالماً. وهو الآن يمتثل للشفاء التام.
كان الحديث عنه شغلنا الشاغل طيلة أسبوع. ينط لنا من شاشة التلفزيون. يخرج رأسه من أغلفة الصحف ليطمئننا عن حاله. يقفز من جدار فيسبوكي إلى آخر ليؤكد لنا أنه قادر أن يدوس على كوفيد بإصبع رجله الكبيرة. يتزحلق كارجاً من حساب إلى آخر على إنستغرام. أما تويتر فلا يغرد لسواه. حتى بت أخشى أن أفتح جارور المطبخ فيخرج لي وهو حامل حقنة كبيرة من الديتول!
لذلك قررت أن أبحث عن قصة عجوز آخر يبث شيئاً من الضوء في نفوسنا، ويعيد لنا ثقتنا بالآخرين. يرمم مفهوم الأخوة والتضامن والمحبة التي تراجعت في عهد ترامب وأمثاله.

عجوز أمريكي يصنع الفرح

نشرت «بي بي سي» عربي مؤخراً قصة عجوز أمريكي يدعى دارلي نوي. يبلغ من العمر تسعة وثمانين عاماً. دارلي رغم سنه الكبير لم يتوقف عن العمل ولا ليوم واحد.
فهو يعمل في مطعم شهير جداً من سلسلة مطاعم «بابا جونز».
هكذا يستيقظ كل صباح قبل العصافير بنشاط وحيوية. يستجمع قوته البدنية التي لم يستطع الزمن أن يهزمها. ويخرج مسرعاً ليركب سيارته ويقود في أنحاء البلدة موزعاً علب البيتزا في الجوار. يدور من منزل إلى آخر دون تذمر أو شكوى.
لا أعرف إن كان قد لجأ إلى العمل بسبب معاشه التقاعدي أو الضمان الاجتماعي الشخصي، الذي لا يكفيه ليدفع إيجار شقته وفواتيره ومصاريفه الخاصة، أو لأنه ببساطة شديدة يحب عمله. فمن يرى ابتسامته وتواصله الدافئ مع الناس يفهم أن توزيع البيتزا ليس مجرد عمل بالنسبة له بل هو تواصل يومي مع أفراد بلدته. ربما لو ترك العمل لعاش وحيداً في شقة صغيرة صامتة كقبر ينتظر أن يطبق على أنفاس صاحبه.
من بين العائلات التي كان يطرق بابها ليقدم لها البيتزا، عائلة فالدس، التي كانت تسكن قريباً من مكان إقامته. لقد أحبت العم دارلي كثيراً وسجلت زياراته لها في مقاطع فيديو عفوية.
كان يدق باب البيت كمن يعزف لحناً على طبلة. نقرات فرح متصاعدة توحي أن ثمة حياة ستتفتح حالما يُفتح الباب. كأن ذلك العجوز يقبض على الربيع بين يديه ويطلق سراحه على عتبات البيوت.
ثم يقول بصوت بشوش يملؤه الحماس وهو يشير إلى العلبة التي يحملها:
مرحباً هل تنتظر بعض البيتزا؟
ثم يفتح حديثاً ليقلص المسافة بينه وبين الزبائن ويخبرهم قصته في سطور قليلة، مؤكداً أنه يعيش في الجوار منذ أكثر من ثلاثين عاماً ويقوم بتوصيل البيتزا.
نشرت عائلة فالدس المقاطع التي صورتها له على «تيك توك» بهدف جمع مبلغ من تبرعات المتابعين لمساعدة دارلي على تحسين وضعه المادي.
ما إن شاهد رواد الصفحة تلك الفديوهات حتى بدأ يتدفق المال، فجمعت العائلة 12 ألف دولار أمريكي بفعل الحب.
دارلي، الذي لم يسمع بـ«التيك توك» في حياته لم يكن يتوقع حجم المفاجأة التي تنتظره.
وفي يوم فيما هو جالس على كرسيه الخشبي الكبير، دق الباب. هذه المرة كان الربيع، الذي يحمله إلى الناس بانتظاره. فصانع الفرح له في مولوده نصيب.
دخلت عائلة فالدس بيت دارلي من دون موعد مرتب. وقال السيد فالدس: «نحن كجزء من المجتمع قمنا بجمع المال لك من خلال تبرع آلاف الناس الذين يحبونك. لأنهم يحبونك تمكنا بسرعة من جمع أكثر من 12 ألف دولار. هذا المبلغ كله لك.»
رد العجوز قائلاً: كلا هذا غير صحيح. لماذا تفعلون أمراً كهذا؟
أجابته السيدة فالدس بصوت مفعم بالمحبة: أراد الناس أن يقدموا لك هدية.
فتململ دارلي على كرسيه وكأنه حاول أن يقف ولكن رجليه خانتاه بفعل الصدمة. شكر العائلة على مساعدته التي لم يتوقعها يوماً. ولكن العائلة أكدت له بأنها لم تفعل شيئاً كانت فقط صلة وصل بينه وبين الناس. شريان من المحبة يصل إلى القلب، حيث المياه دافئة تخفق على مهل.
ثم قدمت له هدية تيشيرت أبيض مرسوما عليه صورته وكتب تحتها:
مرحباً هل تنتظر بعض البيتزا؟
يا الله كم الفرق شاسع بين حكومات بلاد الآخرين وحكومتنا اللبنانية. تلك الحكومات تقدم لمواطنيها مبلغاً ولو هزيلاً في سن التقاعد. تعتني بمسنيها. أما في لبنان فالحكومة متفوقة في بلع حقوق الناس كلها وتكاد من شراهتها أن تبلعهم هم أيضاً!

كاتبة لبنانيّة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com