صدر حديثا

حول كتاب حكمت شبّر – ذكريات الزمن الجميل.

بيدر ميديا .

حول كتاب حكمت شبّر – ذكريات الزمن الجميل

أ.د. ضياء نافع

تمتعت بقراءة كتاب أ.د. حكمت شبّر الموسوم – ذكريات الزمن الجميل في روسيا , الصادر في دمشق هذا العام (2020). ويتضمن الكتاب عنوانا ثانويا هو – موسكو , لينينغراد , سوجي / محطات تستحق التوقف , و يقع في (280) صفحة من القطع المتوسط .  لكن حدث خلاف في الآراء حول تحديد نوعية التسمية التي تطلق على هذا الكتاب , اذ رأى البعض , ان هذا الكتاب هو (رواية) بكل معنى الكلمة , ولكن الرأي الآخر كان يؤكد ان الكتاب (سيرة ذاتية) للمؤلف ليس الا , وبرز رأي ثالث يقول , ان هذا الكتاب عمل ابداعي صرف يمزج عناصر الرواية وعناصر السيرة الذاتية , وان هذا التمازج الابداعي بين الرواية والسيرة الذاتية هو ما يميّزه عن الكتب الاخرى العديدة لحكمت شبّر ويجعله أكثر جمالا وتألقا .

عندما سألوني عن رأي الشخصي حول هذا الخلاف , قلت لهم , انني ( التهمت) الكتاب رأسا لانه يتناول موضوعة مهمة جدا بالنسبة لي وقريبة من قلبي وعقلي , وهي حياة العراقيين في روسيا , وان تسجيل كل الوقائع الخاصة بهذه الحياة من وجهة نظري ( مهما تكن هذه الوقائع صغيرة) تعتبر مساهمة جديدة واصيلة في كتابة تاريخ العراق المعاصر , اذ ان هذا التاريخ يتكون من مجمل احداث حياة العراقيين داخل العراق او خارجه ( وخصوصا في الخارج بعد كل الذي جرى ولازال يجري في بلادنا الجريحة ) ,  وكل ذلك يستحق التثبيت تحريريا اولا , ومن ثمّ الدراسة والتأمل , فقال الاول , ان هذا يعني انك تؤيد موقفي , اي انه رواية عن العراقيين في روسيا , وقال الثاني , بالعكس , فهذا الرأي يؤيد موقفي , اذ انه عرض دقيق لسيرة المؤلف الذاتية . ابتسمت انا وقلت , اني اؤيد – بشكل او بآخر – الرأي الثالث , فالكتاب فعلا مزيج ابداعي رائع بين الرواية والسيرة الذاتية , اذ ان شخوصه معروفة ومحددة , رغم ان المؤلف يشير اليهم  بالاسم الاول فقط , وعلاقته معهم اثناء دراسته في روسيا – وكل هذا يعني انها  السيرة الذاتية له , ولكن الاستطرادات الواسعة التي يذكرها والشعاب التي يسير فيها بثقة وعمق , والتفاصيل التي يوردها اثناء مسيرة دراسته في روسيا جعلت من الكتاب (رواية) فعلا , رواية تتناول مسيرة كل جيله في اواسط القرن العشرين , وهذه هي النقاط التي ( تستحق التوقف !) عندها في كتاب أ.د. حكمت شبّر هذا , الكتاب الذي اعتبره المؤلف ( محطات تستحق التوقف عندها!) والتحدّث تفصيلا عنها , و( القفز) اثناء هذا الحديث الى الاحداث القديمة الكامنة في اعماق النفس الانسانية المرتبطة بذلك الحديث او القريبة منه, ويجري كل ذلك في هارمونية فنيّة متجانسة , تجعل القارئ مشدودا للنص ولا يقدر ان يتركه باي حال من الاحوال , لانه حلو المذاق شكلا ومضمونا.

ما أكثر (النقاط!) التي شدّتني الى هذا الكتاب , والتي اريد ان اتوقف عند بعضها ليس الا , اذ لا يمكن الاشارة اليها جميعا , والا فان مقالتي هذه ستتحول الى كتاب مرادف لذكريات حكمت شبّر الجميلة . ( النقطة ) الاولى تكمن في ذلك الشئ الجديد حول ابطاله , الذين كنت اعتقد انني اعرفهم جميعا , واذا بالمؤلف يكشف لي جوانب جديدة حولهم . لقد ادهشني – مثلا- حديثه الجميل عن المرحومة حياة شرارة , والتي اعرفها حق المعرفة طوال سنين  الدراسة في جامعة موسكو والعمل المشترك في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد, وكتبت عنها العديد من المقالات , ولكني لم اكن اعرف كيف درست حياة اللغة الروسية في السنة التحضيرية , ولم اكن اعرف انهما ( حكمت وحياة) كانا سوية في نفس المجموعة الصغيرة التي درست اللغة الروسية في الكلية التحضيرية آنذاك , وكيف انهما كانا يتميّزان بين اقرانهم , وعندما قرأت تلك الفقرة في كتاب حكمت شبّر عن حياة شرارة تذكرت المثل الجميل وتأكّدت من صحته , والمثل هو – ( الديك الفصيح من البيضة يصيح ) . توقفت ايضا عند ( نقطة) طريفة حول المترجم عبد الواحد كرم , الذي ترتبط باسمه ترجمة كتاب المستشرق الروسي المعروف كوتلوف عن انتفاضة العشرين العراقية , والذي ترجمه عبد الواحد بعنوان ثورة العشرين . كنت اقول لطلبتي في مادة الترجمة , ان عدم دقّة هذا المترجم قد انعكست حتى في ترجمة  اسماء الاعلام , وقد ذكر عبد الرزاق الحسني , عندما سألوه عن سبب مراجعته لذلك الكتاب في طبعته الثانية وهو ( اي الحسني) لا يعرف اللغة الروسية , فضحك وقال انه صحح النص العربي ليس الا , وهذا ما يؤيد الرأي الذي ذكره حكمت شبّر حوله . توقفت ايضا عند ( نقطة) صغيرة ولكنها كبيرة الاهمية , وهي عن اللقاء الذي حدث بين المحامي حكمت شبّر والمحامي هلال ناجي في النجف في القرن الحادي والعشرين , وكيف تذكرا خصامهما ( او بالاحرى عراكهما) في بيروت عند انعقاد مؤتمر المحامين العرب , هذا الخصام ( او العراك ) (بين المحامين!) الذين يؤيدون عبد الكريم قاسم ضد جمال عبد الناصر , وبين الذين يؤيدون جمال عبد الناصر ضد عبد الكريم قاسم , لدرجة ان الشرطة اللبنانية تدخلت لايقاف هذا التصادم , وقرأت ضاحكا ( ولكنه ضحك كالبكا ) كلمات الندم الحقيقي لدى الاثنين ( شبّر وناجي) على ذلك الخصام العبثي آنذاك , ولكن ( لآت ساعة مندم ) وكلاهما الان في عراق اليوم , العراق الجريح …

هذه المقالة ليست قراءة في كتاب ( ذكريات الزمن الجميل في روسيا ) , ولا عرض لمحتوياته , اذ ان ذلك يتطلب مقالات عديدة , وانما هي تحية للمؤلف أ.د. حكمت شبّر, الذي قدّم للمكتبة العراقية (والعربية ايضا) هذا المصدر المبتكر والاصيل …

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com