شعر

في ذكرى ناجي العلي ..

هيئة التحرير ز

ـــــفي ذكرى ناجي العلي ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مظفر النواب .

قصيدة
مرثية لأنهار من الحبر الجميل
( ناجي العلي )ــــــــــــــــــــ

………………………………..

ّّّ
دماً مُمطِراً
هكذا الليلُ يَمضي
وصَمتُ القَبائلِ
ذِئبٌ خَبيثُ التَرَصُّدِ
مَن يَأمَنِ الذِئبَ يوماً؟
دمَاً مُمطِراً
هكذا العُمرُ يَمضي
وللأُقحوانَةِ دَمٌّ
وأنتَ مِن الأُقحُوانَةِ
والوَعلِ
في الشَّرقِ
تَنمو التَراتيلُ
في الليلِ
تُمطِرُ بَعضُ الأَغاني
على ظُلمةِ الروح
كالياسَمين المُبَجَّلِ
تُمطِرُ
ما زالَ تُمطِرُ
والليل يُمطِرُ
والخَيلُ والناسُ
أينَ يُريدُ الرَحيلُ
مَدى الإنتظارِ اختناقٌ
تُراثٌ مِن القَتلِ
آهِ مِمّا تُقادُ السَواقي
إلى جهَةِ الملح
كَم ساعَةُ القَتلِ
كانَت خُرافيَّةً
قَتَلوكَ وغَصّوا
كَأَنّكَ مَقتَلُهُم لا القَتيلُ
بِهِم ألَمُ الضَّبعِ مِن نَجمةٍ
أَرعَبَتهُم مَسافَةُ
هذا التَّحَدي المُضيء
وراءَ المَدى دَفنوكَ (دُفِنَ في لندن)
بِأَرضٍ تُكابِدُ مِنها
وضاقَ على رِئَتَينا
ظلامُ نُزولِكَ للقَبرِ
بينَ الأَجانِبِ حَيّاً
وبينَ الأَجانِبِ مَيتاً
وتِلكَ انتَهت
عسى هذِه لا تَطولُ
أَميرُ صِراطٍ
على فَرسِ الليلِ
تُرسِلُ قَطرةَ حبرِك
بازاً تَصيدُ الذِئَاب
وتَرسُم في الطرُقاتِ
شِباكاً مِن الخَطِّ
تَلهو بِهِنَّ وتَبكي
لَكَم مُذئِبٍ
عَلِقَت رِجله بِشِباكِكَ
وأغراكَ صَيدُ كبيرِ الذِئاب
فَداعَبتَ بِالحِبرِ ذِئبَتَهُ
واستَثارَ عَشيرَةَ
ذاتِ المَخالِبِ
طالوكَ يا سَيِّدَ الوَعلِ غَدراً
قَرَأتَ بِجُرحِكَ
أَبعَدَ مِن قاتِليكَ
بَعيداً لدى الذَّبحِ
تَرنو الوعولُ
أميرٌ بِدونِ سِلاحٍ
سِوى الحِبرِ والحُزنِ
قَتلُكَ سَهلٌ
ولكِّن مَوتَكَ يا سَيدي
مُستحيلُ
لِماذا الشُهود؟
أَما أَنتَ طوفانُ خَلقٍ؟
شَهدتَ لقَتلِكَ مُنذُ زمانٍ
رَسَمتَ الجَنازَةَ والحُزنِ
بَحراً مِن الكبرياء
ويا ما أمَضَّكَ
بين البُكاةِ وراءَ الجَنازةِ
وجهٌ ذَليلُ
لماذا الشُهود؟
أَما أَنتَ قَتلُكَ
مِثلَ الغِناء؟
يُرَتِّلُ جيلٌ
ليَنشَأَ كالحربِ جيلُ
لماذا الشُهود؟
أَيحتاجُ قتلُ الطيورِ شُهوداً؟
وأَيُّ دليلٍ
كتاريخِ قَتلِ الطيورِ دَليلُ
لماذا الشُهود؟
أَيحتاجُ موتُ النَهارِ شُهوداً
سِوى صرخَةِ الوَعلِ
لا
ثم سُكونٌ إلى السهلِ
يَنداحُ طَيراً
ويَبقى الفَراغُ مَع اللهِ
بينَ البَنفسَجِ والريح
كَم مِن فَراغٍ
كَمِثلِ فَراغٍ تَرَكتَ
شَديدُ الوُجود
ويُفقِدَهُم وَزنَهم وَالعُقول
إذا كانَ ثَمَّ عقول
ويَكفي تُحَدِّقُ شَهراً
بِلا لُغَةٍ لتَقولَ
بأنَّ الجُناةَ خَليطَ لُغاتٍ
وأنّ الشَوارع وقتَ الجريمة
تُفضي لشَخصٍ
خَليطِ لُغاتٍ
أما هكَذا هُنَّ كلُّ المَباغي؟
وَطَعمُ الظَهيرَةِ يَعبقُ
بالكُسكسِ التونِسيِّ
أما تُطبِقُ الجَفنَ ترتاحُ
تُحَدِّقُ في لا مكانٍ؟
كأَنَّكَ تَبحَثُ عَنّا
كلُّ الجماهيرِ حَولَكَ
هذا السُكوتُ جَماهيرُنا
ومُخَيَّمُنا تَحتَ رأسِكَ
في غرفةِ العَملياتِ
للهِ رأسُكَ مِمّا الهُمومِ ثَقيلٌ
وعودُكَ مِمّا نَحيلُ
وبينَ المَباضِعِ واليأسِ
جاءَت أزِقَتُنا
في ضَجيجِ الصِغارِ
وأحزانِها السَرمَدِيَّةِ
تَلثُمُ كفَّكَ
ألّا تَكُفَّ عن الرَسمِ
ما كُنتَ في ريشَةٍ
واستَقامَت عُيونُكَ
مِثلَ صَلاةِ الجَماعَةِ
صَوبَ المخيّمِ
لولا انحِرافٌ جَميلٌ
تَعوَّدتَهُ للجَنوب
أأنتَ تَميلُ جَنوباً بِشَوقِكَ؟
أم كلُّ هذا الجَنوبِ
إليكَ يَميلُ؟
ويُؤلِمُ وجهَكَ
عِطرُ الزُهور
التي أَرسلَ القاتِلون
ولا يستَطيعُ الإشاحَةَ
إلا فؤادُكَ
يَرجونَ تَنجو يا وَعل
لم يَكفِهم مَرَّةً قَد قُتِلتَ
يُريدونَ قَتلَكَ
في كلِّ يومٍ
فَمِثلُكَ لا يَنفَع القَتلُ فيهِ
ومِثلُكَ يوغِلُ حَيّاً
ويَدخُلُ مِثلَ الهَواء النَقيِّ
يرُشُّ النَقاهَةَ في البيتِ
يَفضَحُ وِسخُ غَسيلٍ
يُخَبؤهُ بَعضُهم
خَلفَ بَعضٍ
فساخوا وساخَ الغَسيلُ
رَأيتُكَ
أنتَ الحُضورُ
وفي ذلكَ المَقعَدِ
المُتَكَوِّنِ في الظِّل
تَلبَسُ ثَوبَكَ بالعَكس
تلهو وتَبكي
تُحاوِلُ أن تَرسُمَ الثَورَةَ
الآن بالعكس
هذا بكاؤُكَ
تَلهو وَتَبكي
تُدَبّج بالخَطِّ
مَقتَكَ أنظِمَةً
وَتُغَرِّدُ حنظلةً
رَجَوتُكَ تَسمَعُني
يا سيِّدَ الحُزن
مِثلُكَ نبكي إلى فوق
ما بينَ أنفُسِنا
نَتفَقّدُ نُضجَ الحِجارَةِ
مثلَ الفواكهِ
رُمّانَةً بعدَ رُمّانَةٍ
واللّهيبُ كما عسلٍ
في فَضاء الفُؤادِ يَسيلُ
حزينٌ كأيقونَةٍ
كان وَجهُكَ
في غُرفةِ الموتِ
تَنسابُ مِثلَ حُروفِ المساجِدِ
والضوءُ كان يُداعِبُ خَدَّيكَ
مُنتَظِراً أن تُتِمَّ الحِكايَةَ
كُنتَ تُحدِّثُ عن نَعجَةٍ
لبست جِلدَ ذِئبٍ
وصادَفَها الذئبُ تَعبرُ نَهراً
وكانَ كَكلِّ الذئاب
بهذا الزمانِ
نَصيرَ سلامٍ قويّاً
دَعاها إلى بيتِهِ ليُفاوِضَها
وعَوى لافتِتاحِ الحِوارِ
عِواءً بزَيتٍ
عَوَت بَعدَجُهدٍ
عواءً على مستَوى ذَيلِهِ
عَوى وعَوت…وَعَوى
عَوى وَعَوت
وتَغَلَّب طَبعُ النِعاجِ عليها ثَغَت
وقطَعتَ الحكايَةَ
قبلَ نهايَتِها
أغمَض الضَوءُ عَينَيهِ
فَوق قَميصِكَ
وهو يُتَمتِمُ
ماذا الحِكايةُ أَيضاً تَقولُ
وتَغفو كَأَنَّك نَجمٌ
يُرافِقُ قافِلَة النَّومِ
يَربِضُ قَلبُكَ
مِثلَ الأُسودِ الصَغيرَةِ
في بابِ مملَكَةِ المَوتِ
في مثلِ جُرحِكَ
تَعيا علومُ الجراحَةِ
في مثلِ جُرحِكَ
تَفقِدُ كُلُّ الضِماداتِ أَعصابَها
لحظاتُ الغُروبِ
قَبابِر سَمراءَ
تَنزِلُ في رِئَتَيكَ
وآخِرُ جُهدِ الفَراشاتِ غادَرَ
قد حانَ مَوعِدُ سَحبِ السِتارَةِ
والبابُ أُقفِلَ
فاغفو دَقائِقَ
تَرتَح مِن مَحبَّتِنا
سَيِّدي
أَرسَلَ الشارِعُ العرَبِيُّ المُجَوَّعُ
باقَةَ صَمتٍ
لكَم كُنتَ تَحتاجُ أمسِ
دَواةً وليسَ دَواءً
لقد كُنتَ تَحتاجُ
شَمسَ المُخَيَّمِ
قُرصاً مِن الأسبَرينِ
وبَعضَاً الغُبارِ المحَليِّ
لكّنَّ دَفنَكَ سَوفَ
يَتِمُّ غَداً في المَطَر
والتَعاليمُ تَقضي
بأن يستَمِرَّ بَقاؤُك
تحت المطَر
وما دُمتَ تَحكي
عَن النَعجَةِ الذِئب
لا يَتوَقَفُ هذا المَطَر
مُمطِراً هكّذا
يأخُذُ هذا اللّيلُ زينَتَهُ
في مَرايا النَوافذِ
لم يَبقَ مِن نَظرَتَيكَ
سِوى الأُفقِ
وأنطَفَأَ السَلسَبيلُ
وذاتَ مَساءٍ
تَوَجَّستَ قَبرَكَ يَطفو
يأخذُهُ مَطرُ الليلِ
زورَقَ عِشقٍ
وثَرثَرتَ في رِقَّةٍ
مِثلما يُزهِرُ اليانسون
وكانَ الكتابُ
الذي في يَديكَ
له زُرقَةُ الماءِ في طَبريّا
أَزَحتَ الكتابَ
كما مَوجَةٍ
وسرَحتَ مَلِيّاً
أَخَذتَ مَدىً مِن هواءٍ
كأَنّكَ تَغرَقُ
مَن يُنقِذِ الحَرفَ
حينَ تَفيضُ الوَساخاتُ
في الكتبِ المدرسية؟
مَن يَأخذ الثأرَ للِشُهَداءِ
إذا فَسَدَ المِلحُ والقلبُ
وضاقَت إلى اللُّدِ عَيناكَ
مَن يَنتَقِم لدمائِكَ؟
هل كنتَ تَعلمُ
أَن الرجالَ قَليلُ؟
ورُحتَ تُراجِعُ
سِفرَ اغتِيالِ الطيورِ
وأسمائِها
يدفَعونَ عَن الكرَوانِ كثيراً
وفي بُلبُلٍ يتَرافَعُ
عن وَردةِ العشقِ
يُفتَحُ للطَلَقاتِ حِسابٌ
رَأيتَ الوشاياتِ
مَزَّقَتِ الطيرَ
فألتَهَبَت رِئَتاكَ
رأيتَ ذِئاباً
تُلَقّنُ شَدوَ الطيور
نَمَت رِئَتانِ على رِئَتَيكَ
مِنَ الصبرِ
والقَلبُ بُركانُ حُمّى
وذوَّبتَ بُؤبُؤَ عينَيكَ
حِبراً وَغازَلتَ نَجماً
تَرافَعتَ عَن كلِّ حُزنِ الطيور
ولكنَّ بعضَ الشُهودِ
مِن الجُبنِ
فوقَ سَراويلِهم نَكَثوا
شَهدوا لِلمُلَقِّنِ
أو أخَّرَتهُم
على الطرُقاتِ الوحولُ
يقولونَ مُتَّ
وضاعَ الأريجُ
وأُقفِلَ شَأوٌ
مِن الإرتعاشِ الطفوليُّ
تَحضُنُ في جانِحَيكَ
فلسطينَ دافِئَةً
كالحمامةِ عِشقاً
تُوَقِّتُ نَبضَكَ
ساعَةَ صَبرٍ على نبضِها
تَتضوَّرُ قَبل تَضوُّرِها
تَحرِث الأَرضَ
والطِّبَ والصَيدَليات
بَحثاً عمّا يُداويكُما
طِبُّنا العربيُّ تَخَلَّف
والوصفةَ الأَجنبية قاتِلةٌ
الدواءُ تَخلَّفَ
والصَيدلياتُ مَملوءة
بالتحاميلِ أو بالشِعاراتِ
وهيَ تحاميلُ يا سيِّدي
وتَبثّ بُكائَكَ طِفلاً
فَتُسدِلُ منها جَناحاً
كخيمَةِ عُرسٍ
ويَثبُتُ قَلبُكَ ساحَةَ لعبٍ
وتَصهُلُ فيه الخُيولُ
قصيرٌ هو الحُلم
تَرجِعُ مُضنىً
تَشقُّ طريقُكَ
بينَ خيامِ المَقاهي
إلى البَحرِ
بيروتُ في ذلكَ
الإتجاهِ المَطير
وقلبُكَ يَستشرِفُ اللاذقِيةَ
نائمَةً في ضبابِ المَساءِ
وتَمسَحُ وجهَ المياهِ
مَنائرُ يافا
تُفتِّشُ عن زورَقٍ
عَجَمَتهُ البِحارُ
يُسمّى إلى أَبَد العِشقِ
ناجي العَلي
كلُّ بَحرِ المَحبةِ
يَعرِفُ وجهَكَ يا سَيِّدي
لا يَهُمُّكَ يا سيِّدي
أنَّ مَجرىً جَهول
سَتُرخي السَلاسِلَ
بَعدَ الغُروب
ويُبحِرُ قبرُكَ
ما كَفَنُ المَوتِ إلّا شِراعٌ
ويَستَقبِلُ اللهُ كلَّ الزوارِقِ
مِن أجلِ حُزنِكَ
أيَّتُها المُطمَئِنةُ :
عودي لِرَبكِ راضِيَةً
أدخُلي جَنّتي
تَتبَسّمُ :
هل جنَّةٌ غَيرُ هذي فلسطينُ؟
أنهارُها عَسلٌ
والشَهادةُ مِن أجلِها عَسلٌ
والعَذابُ وُصولُ
آهِ مِمّا انتِظارُكَ صَعبٌ
ومِمّا السَماءُ كثُقلِ الحديد
لقَد مَرَّ أكثَرُ مِن لِيلةٍ
وشِراعُكَ لم يَبدُ في الأفق
وقَتلُكَ لا ينتَهي
لم تَجِد ساحِلاً
آهِ مِن وَجعِ الروح
لوكانَ هذا العِراقُ العِراق
لضَمَّكَ بينَ جوانِحةِ كالفُرات
فكلُّ البيوتِ مَراسِمُ فيهِ
ولِلدمِّ ثأرٌ شُجاعٌ
وِليسَ يَجوزُ لِدَمِّكَ
ثأرٌ ذَليلُ
ولسنا نَمَلُّ انتِظارَكَ
أنَّ الجماهيرَ
تَستَقبِل النَجمَ
في الأفقِ
مِثلُ الإشارَةِ مِنكَ
أميرَ الإشارَةِ والحِبرِ
حينَ سَتأتي فَلسطينُ
سَتَنزِلُ للبَحرِ
تَحمِلُ عنكَ
مَتاعَ هُمومِكَ
والجُرحُ يَبرى
ومَوتُكَ مِثلَ الظِّلالِ يَزولُ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com