مقالات

محركات صناعة كاريزما الزعيم عبد الكريم قاسم .

هيئة التحرير .

محركات صناعة كاريزما الزعيم عبد الكريم قاسم

يولد الزعيم ومعه الإمكانيات الكبيرة في التأثير على الآخرين ، سرقة قلوب الناس ، وجذب الهالة المضيئة نحوه ، لاسباب تتعلق بالثقة بالنفس ، وامتلاك العاطفة التي تشمل الجميع وتتوقع الأفضل دائما لهم لانه باختصار مصدر اسعادهم وبهجتهم .

الزعيم لا يخرج من الارض دونما محيطات وعوامل نشأة وظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية معينة ، ذلك الامر كثيرا ما نجده في كاريزما شخصية عبد الكريم قاسم فكيف استطاع هذا العسكري المنضبط بدقة كسب التعاطف والقبول الجماهيري اليه ؟

وهنا نقول انها عوامل وعوامل بعضها ذاتيا مرتبطة بشخصية الزعيم قاسم وبعضها داخلية مرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي وخارجية مرتبطة بتخلي بريطانيا عن صانعيها فضلا عن دور المحيط العربي والاقليمي الدولي في محاولات النيل من شخصية الزعيم .

المحرك الأول

أن شخصية عبد الكريم المحرك الأول في كسب هذه الكارزما حيث كانت اقرب الى الفقراء في تعاطفه الكبير معهم وفي ايمانه العميق بانه جاء لخدمتهم وتطوير اوضاعهم الانسانية ،

وبالفعل كانت

١_ سمتا البساطة والتواضع التين يحمل كانتا مفتاحا جوهريا الى قلوب الفقراء بعد تاريخ طويل من الحيف والظلم الذي كانوا يلاقونه ابان العهد الملكي الجائر حيث هجرة الريف إلى المدينة وتكاثر البيوت المكونة من الصرائف والطين على اطراف بغداد كل ذلك وجد ارضية مناسبة لنمو الكاريزما ، النعمة الالهية للفقراء ، هكذا هم ينظرون ، حيث هؤلاء الفقراء لم يتعاطفوا اشد التعاطف مع العائلة المالكة ومقتلها وما حادثة سحب جثة الوصي عبد الاله وتعليقها في مكان اعدام احد الضباط القومين ” صلاح الدين الصباغ ” ماهو إلا دليل على النقمة من جراء تردي الاوضاع الانسانية لهم فضلا عن الجوع والظلم الذي شهدوه طيلة عمر هذه المملكة التي صنعها الاستعمار البريطاني *

٢_ اهتمام قاسم بالتفاصيل الصغيرة وفي حياة الناس من اجل توقع الافضل لديهم فضلا عن الثقة العالية التي يمتلك هذا الجانب عزز ايضا نمو الهيبة لديه والمحبة من قبل العراقيين

٣ _ كثرة المنجزات من القوانين والتشريعات والافتتاح اليومي لمشاريع كثيرة والظهور اليومي في الشوارع والمدن والارياف دون اية قابلية للهدوء والراحة كل ذلك جعله محط دهشة العراقيين وخصوصا الفقراء

٤ _ كثرة محاولات الاغتيال التي تعرض لها ، حيث بلغت ٣٩ محاولة اغتيال واحدة منها كادت أن تقضي عليه في شارع الرشيد حيث تعاطف الناس معه إلى حد كبير خصوصا بعد خروجه من المستشفى .

٥ _ وفاء الزعيم للعراق وابتعاده عن الطائفية ونظافة يديه فضلا عن علمانيته الخالية من الشوفينية

هذه البيئة شكلت حاضنة رئيسية لولادة الزعيم سرعان ما ذاب الاخير فيها كمخلص ومنقذ لجميع الفقراء في العراق .

المحرك الثاني

هناك المحرك الثاني لولادة هذه الكارزما متمثلة بوجود المد الشيوعي الذي ساهم في انتفاضات وثورات وحركات اجتماعية سياسية ضد النظام الملكي منذ نشأته عام ١٩٣٤ بل الى ما قبل ذلك مع وجود ” فهد ” يوسف سلمان يوسف في عضوية الحزب الديمقراطي الوطني بقيادة جعفر ابو التمن **

هذا المد الشيوعي المساند لمنجزات قاسم وتداخله العميق في بيئة الفقراء والجماهير اعطى الزخم اكثر فأكثر للتاثير على الناس في خلق هذه الكارزما ، حيث محاولات ومشاركات الدفاع عن الجمهورية ضد محاولات الانقلاب أو القضاء عليها مع حركة الشواف وما جرى فيها من اخطاء وتعذيب وقتل وسحل يدل على عدم قوة الجمهورية الوليدة ومشاركتها الحزبية المطلبية بشكل دائم .
يضاف إلى ذلك تكوين ما يسمى بالمقاومة الشعبية من الشيوعيين للدفاع عن الجمهورية نقول كل ذلك قد زيد من شحنة العداء الداخلي الحزبي واعطى للزعيم هذه الهالة المخلصة أكثر فأكثر وكان العراق لن تكون له قائمة بعد زوال الزعيم مع غياب روح العمل الجماعي وعدم فهم المجتمع نفسه للديمقراطية وخلو الاخيرة داخل جهاز الحكومة الجديد ، وذلك باعتبار أن العسكر يحملون الصرامة والدقة والانضباط والفردية وتغيب عنهم روح الديمقراطية .

كلك ذلك ساهم في ترسيخ كاريزما هيبة الزعيم فاكثر

المحرك الثالث

يقع ضمن عوامل كثيرة من ضمنها

١_ تخلي بريطانيا عن صنيعتها ، الملكية في العراق ، بفعل ضعف الإمبراطورية بعد الخروج من الحرب العالمية الثانية حيث استقلال الكثير من الدول في فترة الخمسينيات ، خصوصا بعد المزيد من الخسائر التي تعرضت لها ماديا ومعنويا ، بشريا واقتصاديا ، جعلها غير قادرة على الاستمرار سياسيا وعسكريا في هذه الدول والبلدان الثائرة ضد الاستعمار ، حيث هذا التخلي وفر الامكانية في نجاح انقلاب _ ثورة ١٤ تموز على النظام الملكي وصعود عبد الكريم قاسم على سدة الحكم وبداية امتلاكة كاريزما القبول المجتمعي

٢ _ كثرة المناوئين الداخليين والخارجيين من ارباب وزعماء الطوائف خصوصا بعد القوانين والتشريعات الكثيرة التي انجزها تلك المتعلقة بالإصلاح الزراعي والغاء نظام الاقطاع والانسحاب من الجنيه الاسترليني وقانون رقم ٦٠ لسنة ١٩٦١ الذي حدد مناطق الاستثمار لشركات النفط والذي بموجبه انتزع ٩٥ % من الأراضي الممنوحة للشركات الأجنبية ، وقانون الأحوال الشخصية الجديد والذي يضمن فيه حقوق المرأة .

كل ذلك عزز مكانة عبد الكريم قاسم اكثر فأكثر وخلق له المزيد من الأعداء الداخليين والخارجيين كما اسلفنا للإطاحة به

وبالفعل تمكنوا من الاطاحة به بعد أن رفض تسليح الشعب وسلم نفسه لأصدقائه الذين عفا عنهم سابقا ولم يعفوا هم عنه بل قتلوه شر قتلة ودفنوه وبعد أن شاهدوا الاقبال الجماهيري على قبره ، حفروه وانتشلوا الجثة ورموها في نهر دجلة
وهكذا ظلت كاريزما الزعيم في قلوب الفقراء حتى تصوره مكانه كصورة داخل القمر ولذلك انطوت صفحة لها ما لها وما عليها من عراق منجز وطني اراد التقدم لأبنائه تحت بصيرة وارادة الاستعمار .

الهوامش

* : لماذا تم تعليق عبد الإله الوصي في مكان صلاح الدين الصباغ احد الضباط القومين ، وذلك لان الوصي كان حاضرا لحظة تعليق واعدام الصباغ فضلا عن الشماتة فيه ، وهذه حادثة لن تنساها له العامة بسهولة لذلك تم تعليقه في ذات المكان عقابا له .

** : وهنا نذكر أن تاريخ النضال ضد الاستعمار وصنيعتها الملكية لم يبدأ من ثورة العشرين بل مع ظهور احزاب وطنية تمثلت بحزب الديمقراطي الوطني ومؤسسة جعفر أبو التمن حيث كان ” فهد ” فيه عضوا نشطا ضد سياسات الحكومة الملكية التي تخدم الاجنبي أكثر مما تخدم ابن البلد لذلك اصدار امر بالقاء القبض على فهد ولجأ الاخير إلى بيت أبو التمن ولم يسلمه إلى الحكومة ودافع دفاعا كبيرا .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com