مقالات

تقديس الزعامات .

هيئة التحرير .

تقديس الزعامات

المقال الثالث

الحقيقة أنّ مسألة العلاقة بين (الحاكم ـ الراعي) و(المحكوم ـ الرعية) تمتد بجذورها في عمق التاريخ الإنساني الطويل ، ولها امتدادات زمنية ومساند حضارية موغلة في القدم ، حتى أنّها لتتجاوز حصيلة معارفنا إزاء هذه الإشكالية ، إشكالية الحاكم والمحكوم (الراعي والرعية) والمتتبع لآثار المؤرخين والمهتمين بالآثار والحضارة الإنسانية أنّ أصل هذه المتلازمة تتوارى خلف أزمنة سحيقة تعود إلى حضارتي وادي الرافدين والنيل ؛ لأنّ هاتين الحضارتين نشأتا في أحضان الدين ، وترعرعتا في حضرة المقدس الإنساني خلافاً للمقدس الإلهي بحسب كل الشرائع المنزلة . ففي زمن موسى عليه السلام كان فرعون يرى نفسه الراعي على وفق الطقوس المعمول فيه في زمانه في تلقيه لعصا الراعي عند تتويجه ، ومثله ملك بابل الذي كان يلقب (راعي الناس) من جملة ما كان يلقب من ألقاب ، وقد جاءت هذه التسمية من عدّ الإله الذي يعبدونه راعياً لهم ويقودهم إلى مرعاهم ويتولى إطعامهم ، ومن الأدعية التي تجسد هذا الفهم الساذج ما كان يردده المصريون في زمن الفراعنة ، إذ كانوا يقولون في بعض أدعيتهم : (أيها الراعي الذي يسهر عندما ينام الناس جميعاً ، أنت تطعم رعيتك بكل ما و جيد) . يبدو أن! فكرة (الإله الراعي) أو (الراعي الحاكم المتأله) كانت شائعة في جميع الحضارات القديمة في الشرق والغرب من هذه البسيطة على الرغم من الاختلافات الطفيفة في الأساليب والكيفيات ، حتى وإن كانت المبررات السياسية والمسوغات الاجتماعية والقيمية الزمت التعاطي بها ، ودعت إلى اللجوء إليها ، وسر نجاح هذه الممارسات نابع في جله من الجهل وخواء الفكر والتبعية والاتكال الذي ما نزال نكتوي بجمره المدفون في رماد الموروث الثقافي من حيث نشعر ، أو لا نشعر بدبيبه الناعم ، الذي تلذذ به الفاشلون شخصياً واجتماعياً ومهنياً .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com