مقالات

من شمائل قريتي …

من شمائل قريتي

الهويدر الخضراء قرية من قرى بغداد كما ورد في مجلة لغة العرب في عددها السادس من السنة الأولى 1911م ، وأظنّ أنّ هذه التسمية ترجع للعصر العباسي عندما كانت بغداد دار السلام بأدبائها وفنانيها ، فقد كان المتخلف عقلياً يداوى في بساتينها بأنغام الموسيقى ، خلافاً لما يفعله الفرنسيون في ذلك الوقت من إحراقه ظناً منهم أنّ الجنّ قد لبسه !. ومنذ وجودها وإلى يومنا هذا انمازت بالمدنية فبسق منها رجال علم وسياسة استوزر منهم اثنان لأكثر من وزارة ، وترأس اثنان آخران جامعة ديالى لعقد من السنين .

يمر بها نهر ديالى من جانبها الأيمن ويلتف حولها لينفك عنها من أقصى يسارها ، ليرسم في جيدها قلادة من عذب مائه ، ويحاذي جنوبها نهر خريسان ، وكأنهما يقولا لنا أنها حية ، فمن الماء كل شيء حي . زينتها أشجار النخيل كالسوار وفي كنفه أثمرت أشجار الليمون بأنواعه كلها ، فكانت من منابع التمر والليمون لبغداد منذ القدم .

عاش أهلها كأسرة واحدة لم تعرف غالب أنسابهم العشائرية فيما بينهم إلاّ للضرورات على قلتها ، وأغلب أسطح دورها بلا أسيجة من طين أو طابوق ؛ لأنّ أهلها سيجوها بالقيم الأصيلة من حسن الجوار ، وبالبراءة التي تكاد أن تنطق بقداستها وطهرها ، فما أن يتوفى الفقير المعدوم حتى يجد أهله أن كل مراسيم تشييعه ونقل جثمانه لمقبرة وادي السلام في النجف الأشرف ، وغسله ودفنه قد تكفل بها الميسور من رجالاتها ، ولربما يبقى اسمه طي الكتمان ! .

في صغري كنت أراها تعيش كرنفالاً متنوعاً بضيوف القرية من بعقوبة وأطرافها ومن بغداد وكركوك وغيرها في أيام عاشوراء الحسين عليه السلام ، وكأنهم ينسجون لحمة الوطن بتنوع مذاهبه وعروقه ، وكأنها تنذر الوطن من طائفية مقيتة سوف تهيمن عليه وتفتك بأرواح أبنائه لتيتم أطفاله ، وترمل نسائه .

كثرت فيها المقاهي التي نبع منها الشعراء والكتاب ، وبعضها صار مقراً من مقرات السياسة في زهو الشيوعية التي أضفت الثقافة لوناً من ألوانها المائزة بجريدة طريق الشعب ، وطالما كنت أسمع شعار ((وطن حر وشعب سعيد)) يلهج به بعض المعتمرين للجراوية كالمرحوم هاشم عمران الدوري ! .

 

د عبدالحسين أحمد الخفاجي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com