مقالات

خطة رقم 2 لإيران وميليشياتها في العراق

استغربَ الجنرال الإيراني قاسم سليماني جداً من فشل خطته المحكمة في قمع المنتفضين والمنتفضات في العراق، رغم استخدامه الفعلي لجزءٍ مهمٍ من قوى القمع الداخلي ذات الولاء الفعلي الطائفي لإيران أو المرتشية، إضافة إلى كل المليشيات الطائفية المسلحة التي تعتبر نفسها جزءاً أساسياً من الدولة العميقة التي يقودها خامنئي الإيراني في البلاد، ورغم استخدام سليماني وتوابعه أبشع أساليب القمع من قتل جماعي واغتيالات واختطاف وتعذيب وتغييب، التي أدت إلى سقوط ما يقرب من 1000 شهيد و30 ألف جريح ومعوق ومختطف ومعتقل. في حين استطاع أمثاله من العسكريين والحرس الثوري والبسيج وغيرها من التنظيمات القهرية في إيران قتل وجرح وإعاقة واعتقال نصف هذين العددين في قمع وإجهاض هبَّة الشعب الإيراني الصديق ولو إلى حين. هذا الفشل أثار أعصاب رئيسه الإيراني علي خامنئي، إذ أصدر له الأوامر باستخدام الخطة رقم 2 من مجموع خطط الاحتياط الإيرانية لمعالجة الوضع في العراق قبل أن يفلت زمام الأمور من يديها.

بدأت الخطة رقم 2، باستفزاز مباشر للولايات المتحدة في العراق، والتي بدأت منذ فترة وجيزة بتوجيه قذائف صوب السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء أو توجيه قذائف باتجاه مواقع عسكرية عراقية فيها قوات أمريكية أو خبراء، والتي صبرت عليها الولايات المتحدة ولم تشجب من المسؤولي الدولة العراقية، إلى أن أدى القصف الأخير على قاعدة “كي وان” إلى قتل متعاقد أمريكي وعراقيين يعملان في “كي وان”. أثار هذا الفعل الاستفزازي الرئيس الأمريكي ترامب ولم يفكر بما تبيته وتريده إيران من هذه الاستفزازات العسكرية لمواجهة انتفاضة الشعب العراقي ودون أية حسابات سياسية عقلانية، كما هي عادته السيئة، وجه ضربة عسكرية شديدة القسوة إلى جزء مهم وأساسي من الجماعات التابعة لإيران في العراق، إلى ميليشيات حزب الله، التي تشكل بقوة أساسية في الحشد الشعبي، التي لا يشرف عليها القائد العام للقوات المسلحة بل يقودها قاسم سليماني الإيراني جملة وتفصلا. وقد سقط لهذه الميليشيات الحشدية 27 قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً ومعوقاً. وبذلك نجح الإيرانيون تحقيق هدف “الخطة رقم 2” كمدخل لإشاعة الفوضى في العراق وتسليط قوى الحشد الشعبي على الساحة العراقية والتمهيد لضرب الانتفاضة بذريعة إنها من أفعال الولايات المتحدة وإسرائيل في العراق، وأن العراق يواجه مؤامرة أمريكية-إسرائيلية ضد نظامه السياسي!!! وهو ما ظهر واضحاً منذ اللحظة الأولى لضربة معسكر الميليشيات الشيعية الإيرانية المتطرفة قرب القائم باتجاهين:

  • تصريحات نارية مهددة بالانتقام من الولايات المتحدة في العراق والتي جاءت على لسان هادي العامري وقيس الخزعلي والفياض وأبو مهدي المهندس، “الذي أكد بأن قاسم سليماني هو قائده الفعلي ويفتخر أنه جندي لدى سليماني وأن استشهد أن يدفن في إيران وليس في العراق!!”، وبقية قادة ميليشيا حزب الله في العراق ولبنان أولاً، وعلى لسان المسؤولين الإيرانيين ومنهم وزير خارجية إيران ظريف ثانياً.
  • تحشيد جمهرة من أكثر العناصر وحشية وعدوانية من عناصر الميليشيات الطائفية المسلحة وقادتها للاعتداء على السفارة الأمريكية والذي حصل صباح يوم 31/12/2019 بالدخول إلى باحتها والتهديد بغلقها والتهديد بتطويق كل المواقع التي فيها قوات أمريكية بهدف طردها من العراق. وكان الهدف الرئيسي لهذه الميليشيات “أمريكا برة برة” و “قاسم سليماني قائدي”!!!

والملفت للنظر في سلوك أجهزة الدولة الأمنية أن سقط للمنتفضين والمنتفضات الكثير من الشهداء والجرحى والمعوقين بسبب اقترابهم من منتصف الجسر الموصل إلى المنطقة الخضراء على أيدي أجهزة الأمن العراقية، في حين هذه الأجهزة ساكناً لمنع الميليشيات المسلحة من الدخول إلى المنطقة الخضراء وإشعال النيران في غرف في باحة السفارة الأمريكية وتخريب وكسر النوافذ فيها.

لا شك في أن الضربة الصاروخية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي العراقية تعتبر تجاوزاً على سيادة البلاد ولم تكن ضرورية بأي حال ولا بد من إدانتها. كما إن الضربات التي وجهتها الميليشيات الطائفية المسلحة بقرار من إيران ضد المعسكرات العراقية التي فيها قوات أمريكية تعتبر تجاوزاً أيضاً ومستمراً على السيادة العراقية والتي يفترض أن تدان من جانب الدولة العراقية، والتي لم يمارسها الحكام العراقيون الخاضعون للقرارات الإيرانية.

 ما هي الخطوة القادمة التي سيقوم بها أتباع إيران في العراق؟

ستكون الخطوة القادمة جزءاً من “الخطة رقم 2” التي يسعى قاسم سليماني تنفيذها في العراق:

1) تقديم نواب الأحزاب الإسلامية السياسية طلباً إلى مجلس النواب لإصدار قرار بسحب القوات الأمريكية من العراق، والذي سيجد مقاومة من جزء من قوى الحكم ذاته لأنها سيسقط العراق كلية في الحضن الإيراني المطلق من جهة، وستبدأ صراعات وحرب مريرة في العراق ويتحول إلى سوريا ثانية من جهة أخرى، وهو ما تسعى له إيران، إن عجزت عن فرض هيمنتها التامة على العراق!

2) أما الجزء الآخر من “خطة رقم 2” الإيرانية الميليشياوية فسيتوجه صوب الانتفاضة ومحاولة الهجوم عليها والتحريض ضدها واتهامها بأبشع التهم الجاهزة والكاذبة من جهة، وترشيح واحد من طغمتها الفاسدة وتقديمه إلى رئيس الجمهورية لفرضه كرئيس وزراء جديد من جهة ثانية!

إن على قوى الانتفاضة الشعبية إفشال “الخطة رقم 2″، كما أفشلت “الخطة رقم 1″، الموجهة ضد الانتفاضة، كما إن من واجب الجميع التفكير المعمق بالعوامل المتنوعة والمختلفة المحركة للصراعات الراهنة في العراق، وتلك القوى الراغبة في إخماد جذوة الانتفاضة الشعبية، لاسيما وأن القائد العام للقوات المسلحة لا يملك أية سيطرة على قوات الحشد الشعبي والتي ادعى أخيراً بأنه يسيطر على 95% منها، في حين لا تصل سيطرته حتى على 5% من قوات الحشد الشعبي المنفلتة من عقالها.

إن “الخطة رقم 2” ليست سوى محاولة خبيثة وقذرة للالتفاف على مطالب الشعب العراقي في انتفاضته الباسلة، محاولة لتحويل دفة الصراع ضد النظام السياسي الطائفي الفاسد وضد إيران التي تشرف وتقود القوى الفاسدة وتهيمن على سياسة وقرارات العراق، إلى صراع نحو الخارج، ضد الولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره الشيطان الأكبر كما جاء في هتافات المليشيات المسلحة أمام السفارة الأمريكية، وه الذي سوف لن يسمح له المنتفضون والمنتفضات، رغم موقفهم المبدئي ضد السياسات الأمريكية في العراق والشرق الأوسط.  

          

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com