ثقافة

رواية تشكك في انتحار الشاعر الروسي سيرجي ييسنين

تعتمد رواية «موزاييك الحب والموت»، للروائية الروسية «ناتاليا فيكو»، على زمن الماضي البعيد، وبالتحديد النصف الأول من القرن العشرين، وتأثير الثورة البلشفية على مجتمع الاتحاد السوفييتي السابق، مع توالي السلطة الحاكمة وتغير الإيديولوجيات المهيمنة، في عهد لينين ثم ستالين، وانعكاس هذه المتغيرات على المسرح الروسي بصفة خاصة، وفنانيه الكبار، وعلى رأسهم بطلا هذه الرواية المخرج مايرهولد (28 يناير 1874- فبراير 1940) وزوجته الممثلة زيناييدا رايخ.

الرواية ترجمها إلى العربية علي فهمي عبد السلام، وصدرت عن المركز القومي للترجمة، بتقديم للدكتورة نهاد إبراهيم، التي وقفت في المقدمة أمام اللحظات المؤثرة في سيرة مايرهولد ومسرحه، والممثلة الروسية زيناييدا رايخ، والشاعر الروسي الكبير سيرجي ييسنين (3 أكتوبر 1895- 28 دجنبر 1925)، كما توقفت أمام أهم ملامح الحقبة السياسية، التي عاصرها هؤلاء، قبل وأثناء قيام الثورة البلشفية سنة 1917.

ورغم أن الروائية متخصصة في تاريخ الاتحاد السوفييتي في النصف الأول من القرن العشرين، فإنها لم تتوغل كثيرا في التفاصيل، وفضلت طبقا لرؤيتها أن تتعامل مع هذا العالم، الذي استحضرته وجسدته من خلال المزج بين الوقائع التاريخية، وخصوبة الخيال، بشيء من الحذر الكبير والاقتراب المحسوب من هذه المنطقة الوعرة، مع التركيز على النتائج والابتعاد عن التعبيرات السياسية الصريحة، والمصطلحات المتعارف عليها، والصياغة الدعائية، والنزعة الوطنية الصارخة، بما يوحي بأنها ليست رواية سياسية متكاملة، مع أنها في الواقع رواية سياسية عميقة، لكنها تحمل أسلوبها الخاص في البناء والتعبير.

يقول الفنان بيكاسو: «إذا أردت تعلم التكوين في الرسم، عليك بدراسة مسرح مايرهولد». ومايرهولد هو أحد أبطال تلك الرواية المتفاعلين في دائرة العلاقات الدرامية المتشابكة، وكان مسرحه يهتم بأدق التفاصيل، ويقوم بتشريح وتحليل ذرات المجتمع من حيث الأسباب والدوافع، ولا يتعامل بمنطق الاستسهال مع النتائج المترتبة من حيث النهاية، فكان دائما يبحث عن نقطة البداية، ليصل منها إلى نهاية أخرى، حسب فكره الثوري، الذي لا يستهدف في النهاية إلا بناء وعي المواطن الروسي.

في عهد ستالين جرى تهميش إنجازات مايرهولد، وترسيخ فكرة أنه من أعداء السلطة السياسية الحاكمة، وهو ما أكدته المؤلفة في روايتها، وكان لا بد من التخلص من مسرحه بالإغلاق عام 1938، والقبض على مايرهولد، وإخضاعه لتعذيب وحشي، وإجباره على الاعتراف بمؤامرات مع زملائه، ليس له بها أي علاقة على أرض الواقع أصلا، منها التجسس لصالح اليابان، والتعاون مع تروتسكي عدو ستالين الأول. وأمام المحكمة أنكر مايرهولد الاعترافات، التي أجبر عليها، وفي النهاية صدرت الأوامر بإعدامه رميا بالرصاص سنة 1940، وبعد سنوات رفع الظلم والحصار عن عالمه الفني.

أما زيناييدا، فهي ممثلة روسية عظيمة، كانت زوجة للشاعر ييسنين، ثم زوجة للمخرج المسرحي مايرهولد، وقد انتهت حياتها بطريقة وحشية تماما، عندما بعثت إليها المخابرات الروسية من يقتلها في شقتها، وقد وصفت الرواية هذا المشهد بكل قسوته، أما ييسنين فقد تزوج زيناييدا في عام الثورة البلشفية، ثم تزوج بعدها برائدة الرقص الحديث الفنانة الأمريكية إيزادورا دنكان، وكان أول شاعر يسافر خارج نطاق الاتحاد السوفييتي، حين ترك كل شيء وراءه واصطحب دنكان، وانتهى به الأمر في مستشفى للأمراض العقلية، لكنه عاد إلى موسكو عام 1923 بعدما انفصل عن زوجته، ثم شنق نفسه في غرفة بأحد الفنادق في دجنبر 1928، وكان في الثلاثين من عمره آنذاك، وقد كتب على الحائط بدمه: «أن تموت هذا ليس جديدا، لكن أن تعيش فهذا ليس جديدا أيضا»، ومع ذلك لمحت المؤلفة إلى أن ييسنين قُتل ولم ينتحر، كما أشيع.

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com