مقالات

الأحزاب الدِّينية.. ألا يُؤخذ العراقيون رهائنَ

رشيد الخيون

يحاول أي نظام محاصر، يجد طبول الحرب تُقرع على مسافة منه، أن يدفعها بعيداً، فكيف إذا كانت عقيدة ذلك النِّظام تصدير الفكرة والثَّورة؟! هذا ما تفعله إيران، حيث تأسيس قطاعات لحرسها الثَّوري، والعراق أكثر البلدان التي نبتت فيها الميليشيات، وأفضل ما فيها بالنسبة لإيران أن جنودها عراقيون. فمِن حقها (العقائدي) أن تُقاتل بآخر عراقي، لأن القتال غرضه حمل «الرِّسالة الإلهية». لأن القوات الإيرانية، والميليشيات جزء منها، لا تلتزم «بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي: الجهاد في سبيل الله والنِّضال مِن أجل أحكام الشَّريعة الإلهية في العالم» (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجيش العقائدي)، ركزوا على مفردة «العالم»! تُختم الفقرة الدستورية بالآية: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ…»(الأنفال: 60). فهل هذا دستور دولة وطنية أم بيان حربٍ عالمي؟!
ووفق الحاكمية التي تمثل العقيدة الدينية الثَّورية الإيرانية، أن أعباء «الرّسالة الإلهية» تكون وفق «ولاية الفقيه»، و«الجهاد في سبيل الله» تحت رايته، وعلى هذا يُشير قادة الأحزاب الدينية خارج إيران إلى علي خامنئي بلقب «ولي أمر المسلمين»! وبالمقارنة، لا يختلف النص الدستوري الإيراني عن بيانات الجماعات التي أعلنت «دولة الخلافة»، ومبايعة أمير مؤمنيها بالموصل. 
ترى إيران الإسلامية إيجاد الميليشيات والأحزاب العقائدية، على أرض غيرها، ممارسة دستورية، لكن الآية التي استشهد بها الدستور الإيراني (الأنفال: 60)، هل وُقف على أسباب نزولها، وبمَن نزلت ولأي حدث، وفي أي زمن؟! وفق تفاسير شيعية لا غيرها: كـ«التبيان في تفسير القرآن» لمحمد بن الحسن الطُّوسي (ت460هج)، و«مجمع البيان في تفسير القرآن» لفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548هج) مثلاً. نزلت في وقت كان الإسلام يسعى للتأسيس، لكن توظيف هذه الآية، في هذا الزَّمن، لا يعني غير تحقيق «الحاكمية»، أي جعل القرآن وسيلة لبلوغ هدف سياسي، وما تسمية الولي الفقيه بـ «ولي أمر المسلمين» إلا استهلالاً لتطبيق الفكرة.
يُعتبر وجود فروع للحرس الثَّوري، خارج إيران، أمراً شرعياً وفق «الحاكمية» بنسختها نيابة الإمام، وبالتالي نيابة الله. بالمقابل أن تلك الفروع لا ترى في ترجيح انتمائها الإيراني على الانتماء الوطني خارجاً عن الشَّرع الذي تعمل وفقه، فالولي واحد، وهي تُحارب تحت قيادته، مِن على أرض أوطانها، مِن أجل «الشَّريعة الإلهية» بمفهوم الولي. تبين ذلك مِن دفاعها عن النظام الإيراني، في الصغيرة والكبيرة، حقَّاً وباطلاً. 
ما يخص العِراق، اتضح أن هذه القوى المسلحة، والأحزاب الدينية عموماً، لا يهمها أمر العراق بشيء، منها الذي طالب بدفع خسائر الحرب لإيران، وليس بعيداً أن إيران قد استوفتها عبر طرق ملتوية. غير أن أخطر ما ستقدم عليه هذه القوى سيكون في المواجهات بين إيران وأميركا. فقبل ذلك كانت مهمتها بتنفيذ شعار المقاومة على الأميركان (2003-2011)، ومنها تبني اغتيال الكادر العراقي غير المنسجم مع إيران، في شتى المجالات، وعلى وجه الخصوص المجال العسكري، لانتهاز فرصة خروج الجيش الأميركي، كي يُفسح المجال لإيران في التفرد بالوضع العراقي، وهذا ما حصل. ما بعدها صارت المهمة الإيرانية العمل على عدم السَّماح باستقرار العراق، لأن العراق غير المستقر يبقى حديقةً خلفيةً لها، تزرعها وتحصدها كيف تشاء.
مَن قال خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988): «إذا قال الإمام (الخميني) حرب يعني حرب وإذا قال سلم يعني سلم» (يوتيوب)، وآخر كُلف بعمليات إرهابية ضد مصالح العراق والدول التي ليست على وفاق مع إيران وغيرهما كثير يُعدون الآن مِن كبار قادة فروع الحرس الثوري داخل العراق، وهم لا يعبئون، إذا حصلت المواجهة، جعل العراقيين رهائنَ ومتاريس، دفاعاً عن «الجمهورية الإسلامية»، مثلما ينطقونها من دون الإيرانية، على أن العراق جزءاً منها. وبهذا، يصعب فرز موقف عراقي داخل الميليشيات، بل والأحزاب الدينية، فالذي يطلع على خطاب تلك الجماعات والأحزاب، في هذه الأزمة، يجده إيرانياً. 
أقول: كي لا تُعيد أميركا خطأها الفادح عندما أسقطت النظام العراقي قبل دراسة ما سيكون لإيران مِن فائدة عظمى، عليها إذا كانت جادة بتصحيح خطأها بحقّ العراقيين، تنظيف العراق مِن قطعات الحرس الثَّوري أولاً، وهي الميليشيات التي غطت (انتصاراتها) على الجيش العراقي في مواجهة «داعش»، والفعل الأكبر كان له، حتى أنها في العديد من المناطق كانت عامل عرقلة، فاستخدمت إيران فتوى «الجهاد الكفائي» لتحقيق ما يكون قريناً لحرسها الثوري، فما كان الولي الفقيه حريصاً على شرعية الميليشيات عند مقابلة المسؤولين العراقيين إلا لتأسيس جيش موازٍ، أمره بيده. 
إذا بقي للعراق ركن سالم، بعد ما مرَّ به مِن حوادث جسام، فهذه الحرب إذا جرت على أرضه دفاعاً عن إيران، لن يبقى منه شيء. لمحمد صالح بحر العلوم (ت1992) مِن «واحسرتها على العِراق»: «الشَّعبُ يسألكم غداً عن حقهِ/ألديكمُ عذرٌ يُسكته غداً/ رحماكِ قد ماتَ العِراقُ وأهلُه/ لبستُ له ثوبَ الكآبةِ أسوداً/فتداركي الخطر الذي مِن شرَّه/سيكون مُقتبل البلاد مهدداً»(شعراء الغري). خطر ما بعده ولا قبله خطر عندما يصبح العراقيون رهائن كقرابين لإيران!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com