مقالات

حرب الثلاثين عاما 1617ــ 1648

حرب الثلاثين عاما

1617ــ 1648

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

 

كانت الحركة العميقة والواسعة النطاق التي أحدثتها أفكار المصلح الديني مارتن لوثر (1483ــ 1546)، الذي افتتح حركته ببيان كتبه عام 1520 ويتضمن 95 نقطة، أبرزها هو رفضه  لصكوك الغفران التي كانت الكنائس الكاثوليكية تبيعها للناس للحصول على وعد بالجنة (لاهوت التحرير من الخطيئة)، كما يدعو إلى إصلاحات شاملة في الكنيسة الكاثوليكية التي مقرها في الفاتيكان / روما، ثم ضمنها لاحقاً في كتاب له،

من أهم ما تضمنه  فكر مارتن لوثر والتي شكلت العماد النظري للكنيسة اللوثرية (البروتستانتية) :

  1. أن الحصول على الغفران من الخطايا هو هدية ونعمة من الخالق ويحدث ذلك حصراً من خلال الإيمان المخلص بالمسيح، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران شراء صكوك أو تقديم كفارات.
  2. رفض “السلطة التعليمية العليا” في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا وحده القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس معتبرا أن كل مسيحي له الحق في التفسير.
  3. أن الكتاب المقدس (الإنجيل) هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان، وليس اجتهادات لرجال الدين.
  4. عارض الفكر اللوثري سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة.
  5. السماح للقساوسة بالزواج.

وعلق بيانه بباب الكنيسة، وأطلق على المتأثرين بمبادئه باللوثريين أو البروتستانت (المحتجين). وبدأوا بتأسيس كنائسهم، وكانت ترجمة مارتن لوثر للإنجيل من اللغو اللاتينية إلى اللغة الألمانية لها أثرها الكبير في ترسيخ اللغة الألمانية وإبراز شخصية الألماني وكيانه الثقافي والسياسي..

 

أدى بيانه إلى غضب وسخط البابا ليون العاشر والنفي والحرمان من رحمة الكنيسة الكاثوليكية، وإلى توتر في العلاقة بين الكنيستين،  وبدأت مفردات وتفاصيل تبرز في الساحة، ومنها كان مارتن لوثر غير راض عن الأمراء الذين يسومون شعبهم الاضطهاد والتعسف. تطورت هذه العلاقات السلبية وتصاعدت في حدتها من جهة، وردود الأفعال عليها من جهة أخرى، ومن أهمها أن بعض الأسر الحاكمة التي بقيت على المذهب الكاثوليكي، في تناقض كان يشتد بمرور الوقت.

 

وكانت لترجمة مارتن لوثر للإنجيل (الكتاب المقدس) من اللغة اللاتينية إلى اللغة الألمانية نتائج بعيدة الأثر دينياً إذ صار بإمكان أي ألماني أن يقرأ الإنجيل، ولم يعد بحاجة لمن يلقنه الدين، ومن جهة أخرى وحدت اللغة الشعب الألماني بأطيافه المختلفة، ومنحت الشخصية الألمانية سماتها المميزة.

 

كانت أعداد كبيرة من النبلاء قد تحولوا في القرن السادس عشر إلى المذهب البروتستانتي، ولكن أسرة  هابسبورغ الملكية بقيت لأسباب سياسية على المذهب الكاثوليكي. وفي عام 1618 حدثت انتفاضة بروتستانتية من مقاطعات إمارة بوهيميا (Böhmen) ضد حكم أسرة هابسبورغ المستبد. كانت هذه الانتفاضة الباب الذي فتح على مصراعيه لمسلسل الحروب، التي لم تتوقف إلا بعد ثلاثون عاماً من خلال معاهدة ويستفاليا (Westfalia) .

 

وبعد الانتصار على الأمراء البروتستانت، في معركة الجبل الأبيض بالقرب من براغ، جرى في الولايات البوهيمية والنمساوية حظر لكافة العقائد المسيحية عدا الكاثوليكية. وكانت الحرب قد انتشرت في أجزاء أخرى من أوربا. إذ سرت أشكال مختلفة من الصراعات، وأشباه الحروب التي اندلعت تحت مسمى ” حرب الثلاثين عاماً “.  وكانت خطوط القتال خلال الثلاثين عاماً تتداخل وتتغير، وتتسع رقعتها، في معارك كانت وحشية الطابع، كانت معاناة السكان هائلة،  وعندما وضعت الحرب أوزارها أخيراً، كانت الخسائر البشرية والمادية بين السكان كبيرة جداً.

 

ولم يتحقق السلم إلا مفاوضات ويستفاليا الشاقة لمدة لخمس سنوات، ومع ذلك فشلت في وضع حد نهائي وشامل، إذ تواصلت الحرب بين اسبانيا وفرنسا (استمرت حتى 1659). وفي نهاية المطاف. قبل 1648 وصلت مختلف الأطراف المتحاربة في وسط أوروبا إلى حالة من الإنهاك العام وخيبة أمل من التطرف الديني، وأخيراً انتهت الحرب بمعاهدة مونستر وهي جزء من صلح وستفاليا الأوسع عام 1648 م.

 

والملايين التي قتلت وماتت من الجوع والمرض، والمدن التي هدمت، لم يكن لها أي سبب جوهري، كما لم تفرز أية نتيجة جوهرية تستحق هذه التضحيات الهائلة، كان هناك سادة، أثرياء حرب، وزعماء أسر، ومغامرون وشذاذ آفاق وطامعون بالسلطة والنفوذ والمال، يديرون هذه الحرب سراً وعلانية، والخاسر دوماً هي الجماهير البسيطة وقود هذه المحرقة الهائلة.

 

حرب الثلاثين عام تجربة وعبرة كبيرة، قمنا بترجمتها من مصادر عدة  … لنقرأ ونتعظ ونعتبر

 

 

حرب الثلاثين عاما

كان تقسيم أوربا بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، قد أدى إلى صراعات كثيرة. وفي ألمانيا دخل بعض الأمراء إلى الكنيسة البروتستانتية، فيما ظل عدد آخر من الأمراء ومن بينهم الأسرة الملكية هابسبورغ على الكنيسة الكاثوليكية. ولهذا خلقت داخل الإمبراطورية أسباب التوتر المتواصل.

 

وفي مملكة بوهيمين (Böhmen) التي كانت تعود لأسرة هابسبورغ، كانت تضم الكثير من البروتستانت، ولم يكن يسمح لهم ببناء الكنائس في العديد من المدن. لذلك قاموا عام 1618 بإرسال ممثلين عنهم إلى موظفي الملك في براغ. للمطالبة بحقوقهم، ولكن تلك المطالب رفضت. وهو ما اغضب المندوبين البروتستانت، فقاموا بقذف موظفي الملك من النافذة. ولكن لحسن حظ هؤلاء، أنهم لم يسقطوا على أرضية الطريق، بل سقطوا فوق كومة من القاذورات (المخلفات العضوية) فنجوا من الموت. ولكن بهذه الانتفاضة ضد الملك، اندلعت الثورة التي قادت إلى حرب انطوت على أعمال رهيبة.

 

 

(الصور : لوحة شهيرة تمثل بداية الثورة حيث قذف البوهيميون ممثلي القيصر من النافذة)

 

وانتخب البوهيميون في خضم هذه الأحداث أميرا ألمانياً بروتستانتيا كملك لهم. ولكن القيصر انتصر عليه، ولكن الحرب انتشرت في سائر الدول والإمارات الألمانية، وسرعان ما تدخلت دولاً أجنبية أخرى، في البداية كانت الدانمرك، ثم السويد، وفرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا. وسرعان ما تحولت الحرب الدينية إلى صراع سياسي من اجل الاحتلال والتوسع والنفوذ. انغمست فيها كافة الدول الأوربية بهذه الدرجة أو تلك(عدا إنكلترا وروسيا).

 

وفي ذلك الوقت لم تكن هناك جيوش نظامية، والجنود كانوا ممتهنين للجندية ، يتقاضون مقابل ” عملهم ” راتباً، يعملون (يقاتلون) اليوم لهذا الأمير، وغداً لغيره ممن يدفع أكثر، والقادة من الجنرالات كانوا يهتمون بأن يوفروا الغنائم الوفيرة لجنوده، لكي يضمن بقائهم في خدمته وبإمرته، وما كانت ” قواتهم ” تحتاجه، كانوا يسلبونه من السكان. وهكذا كان يتحقق المثل الألماني ” الحرب تغذي الحرب “.

ومرت حرب الثلاثين عام بأربعة مراحل رئيسية :

  • الثورة البوهيمية.
  • التدخل الدنماركي.
  • التدخل السويدي.
  • التدخل الفرنسي.

وكان التدخل المتزايد لدول وأطراف وقوى، يزيد من تعقيد القضية، حتى أنها ابتعدت بشكل شبه كلي عن أي محتوى ومضمون ديني، ولم تعد تمثل الاتجاهات الدينية إلا شكلاً يفتقد للمضمون، وخنادق يتمترس وراءها المنتفعون من الحرب والذين يهدفون إلى تحقيق مكاسب سياسية ذاتية على الأرجح، أو لمصالح الأسر الكبيرة الحاكمة. هذا عدا عن تنامي الأطماع الشخصية والحسد العائلي. وكان القرن السابع عشر قد شهد تزايد التوترات السياسية والاقتصادية بين الدول الأوروبية، فقد فتح عصر الاستكشاف الطريق إلى موارد العالم الجديد، وانتشرت نظريات جديدة مثل المركنتلية (mercantilism) الاستعمارية الإمبريالية بين النخب السياسية، في حين أن النشاطات القومية الأولى بدأت بالظهور في هذا العصر.

ومن جراء الحرب وآثارها وأثناءها، انخفض عدد سكان ألمانيا بمقدار 30 ٪ في المتوسط، وفي مناطق براندنبورغ (شمال برلين) بلغت الخسائر النصف، في حين أنه توفي (قتل بسبب الحرب أو الجوع والمرض) في بعض المناطق ما يقدر بثلثي السكان، وانخفض عدد سكان ألمانيا من الذكور بمقدار النصف تقريبا. كما أنخفض عدد سكان الأراضي التشيكية بمقدار الثلث. وقد دمر الجيش السويدي لوحده 2000 من القلاع و 18000 قرية و 1500 مدينة في ألمانيا، أي ثلث عدد جميع المدن الألمانية. وجاء في موسوعة “قصة الحضارة” تحت عنوان: ” إعادة تنظيم ألمانيا (1648-1715) “.

وتشير الأرقام أن ألمانيا كانت ساحة الحرب الرئيسية للمعارك، بنتيجتها: هبطت حرب الثلاثين بسكان ألمانيا من عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر ونصف مليونا، وكان هناك وفرة في النساء وندرة في الرجال. وعالج الأمراء الظافرون هذه الأزمة البيولوجية بالعودة إلى تعدد الزوجات كما ورد في العهد القديم.(الأنجيل) ففي مؤتمر فرنكونيا المنعقد في شباط / 1650 بمدينة نورنبيرغ اتخذوا القرار الآتي ” لا يقبل في الأديرة الرجال دون الستين، وعلى القساوسة ومساعديهم (إذا لم يكونوا قد رسموا)، وكهنة المؤسسات الدينية، أن يتزوجوا. ويسمح لكل ذكر بأن يتزوج زوجتين، وجرى تحريض الرجال جدياً، مراراً من على منبر الكنائس، إلى التصرف على هذا النحو في هذه المسألة “.

 

ثلاثون عاماً دارت فيها رحى هذه الحرب في أرجاء ألمانيا  (كساحة رئيسية)، دمرت فيها الألاف من المدن والقرى، ومات الملايين من الناس، ليس فقط خلال القتال، بل وأيضاً من الجوع والأمراض. وأخيراً كان كافة الأطراف قد أصابها التعب من الحرب وويلاتها (Kriegsmüde … War Weary). وفي عام 1648 جرى اتفاق للسلام، وطاف الفرسان والمبعوثون في أرجاء البلاد يعلنون ويبشرون نهاية الحرب.

 

ولكن ألمانيا كانت قد أصبحت فقيرة وضعيفة. إذ فقدت هولندة من ممتلكاتها وكذلك سويسرا اللتان أصبحتا دولاً مستقلة، وكذلك المئات من الأمراء الذين بقوا في ألمانيا، أصبحوا يعقد الاتفاقيات، وكان هذا يعني أن بوسعهم عقد الاتفاقيات مع الدول الأجنبية، ولم تعد الإمبراطورية أكثر من أسم فحسب…!

 

وقد أستغرق وقتاً طويلاً حتى تتعافى ألمانيا من عواقب ونتائج حرب الثلاثين عاماً.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

  1. د. شتيبات، د. كلوبفر : من دروس معهد غوتة.
  2. Deutsche Lexikon

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com