مجتمع

“السامريون” بدو أوربا الذين يعيشوا على الرعي حتى الآن

في أقصى شمال الأرض وعند أحد أبرد نقاط، بأقاصي النرويج والسويد وفنلندا، وعلى امتداد معظم شبه جزيرة كولا الروسية، يعيش نحو 70 ألفاً من السامر “Sámi” والذين يطلق عليهم في الوقت الراهن «لابون»، وهي كلمة تعني «أصحاب الثياب المهترئة»، والذين يشكلون شعباً متحداً، يتحدث لغة خاصة به ويعيشون وفق أنماط اجتماعية مختلفة عن أوربا.

وللساميو، الذين يعدون السكان الأصليين لشمال أوروبا، سبل عيش متنوعة، إذ يمتهنون صيد الأسماك قرب الساحل وفي أعماق البحار، كما يصطادون الحيوانات من أجل فرائها، أما أكثر المهن انتشاراً بينهم فهي الرعي، خصوصاً غزلان الرنة البرية، لكن بعد اختلاط الساميو الأصليين بعواصم البلاد الشمالية الأوروبية، أصبحوا يشغلون وظائف عادية ومرموقة.

السامي تقاليد صارمة

تقاليد صارمة

تحكم العلاقات الاجتماعية، لدى الساميين، أعراف وتقاليد محكمة ومضبوطة، ويعد الزواج واجباً مقدساً وإجبارياً، ولا يسمح للأجنبي بالزواج من القبيلة، كما يمنع الاختلاط بالأجناس الأخرى إلا في حالات نادرة؛ إذ يعتبر الزواج الركيزة الأساسية في المجتمع، والهدف الأسمى منه هو الإنجاب والمحافظة على النسل، ووفق هذا المبدأ لا يجوز للفتاة الزواج إلا بعد أن تنجب، لضمان الخصوبة والاستمرارية، كما يستفيد المتزوجون من امتيازات اجتماعية عدة؛ لاسيما الحق في استغلال بعض المراعي، وكذلك التضامن بين المربين.
ويعتنق معظم الساميو الديانة المسيحية، ورغم أنها الديانة الأكثر شيوعاً؛ إلا أن لديهم اعتقادات متوارثة، إذ يعتبرون أن لكل شيء في الطبيعة روحاً، حتى إن كان جماداً، إذ يمتلك طاقة إيجابية، وعلى الإنسان التعامل معها بحكمة، حتى يستفيد منها.

السامي حياة باتجاه الشمس

الدوران باتجاه الشمس

الزواج بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى والثانية شائع لدى الساميين، لكن وتيرة نجاحه تعتمد على شروط عدة، من بينها ثروة كل طرف، والعزلة وعدم الانخراط في المجتمع .

ويقام الزواج في فصل الشتاء، وذلك مرتبط بالقطيع الذي يقل الاهتمام به في هذه الفترة، ويكون بذلك التواصل الاجتماعي أسهل وأيسر.

ويتزين العريس ومن يرافقه، في هذا اليوم، بأجمل لباس لديهم، ويتنقلون بواسطة عربة يجرها أجود ما لديهم من حيوان الرنة، ويتجهون إلى بيت أهل العروس، بعدما يقوم العريس بركن العربة في مكان قريب من البيت، ويحوم حول البيت ثلاث مرات باتجاه دوران الشمس نفسه، ثم يتقابل العريسان على حدة، ويقومان بحركة احتكاك الأنف بينهما .

وعدد الأطفال المفضل لدى مجتمع الساميين يراوح بين أربعة وخمسة أطفال على أكثر تقدير، وأكثر من هذا العدد يؤثر سلباً في تقسيم الميراث، الذي يكون قطيعاً أو مراعي. والأولاد يساعدون آباءهم في المراعي، أما البنات فيمكثن في البيت لمساعدة والدتهن، إذ يعد عملاً شاقاً العمل خارج البيت في عمرهن الصغير

الشمس لا تشرق كثيرا

في «فينمارك» تشرق الشمس صيفاً دقائق معدودة، وفجأة تغطى السماء بسحاب رمادي، وتهب رياح تجلد الأوجه، وينزل ضباب يحجب نظرك إلى جسمك.
وتقضي إستر أوتسي، المعالجة التقليدية، النرويجية الجنسية من أب ساميّ سويدي، ومن أم فلندية سامية كذلك، يومها في كوخ، وتمارس نشاطها العلاجي الذي ورثته من أجدادها، ويأتي الناس إليها من كل صوب، لتساعدهم على اكتساب الطاقة الإيجابية الموجودة في الطبيعة، وذلك بتمجيد الجسد.
وتقول أوتسي إن «فلسفة الطبيعة بمكوناتها الحية والصلبة تحمل روحاً، والجبال والصخور والبحيرات يمكنها أن تساعد الناس للنظر الى الحياة من جانبها الإيجابي».

البرلمان السامي

برلمان خاص

لطالما كانت شعوب السامي من بين الأكثر عرضة للعنصرية حول العالم، في قائمة تضم الهنود الحمر السكان الأصليين للولايات المتحدة الأميركية، والسكان الأصليين لأستراليا، وعلى الرغم من أن السويد كانت حتى وقت قريب تحرّم على الطلبة ذوي الأصول السامية التحدث بلغتهم الأصلية أو حتى تعلمها، إلا أنها منحت الساميين الحق في العيش بحرية، حسب قوانينهم القبلية وعاداتهم وتقاليدهم.
وفي عام 1989، أصبح للساميين برلمان خاص بهم، وحقوق متساوية مع مواطني الدول الأربع: السويد والنرويج وفنلندا بإستثناء مواطني شبه جزيرة الكولا الروسية.
كما تم اعتماد الاحتفال بالعيد الوطني الخاص بهم، والذي يمثل ذكرى توحيد شعبي الساميين الجنوبي والشمالي، وتم رفع العلم الذي اعتمدوه سنة 1986.

وفي زيارة دبلوماسية إلى باريس، وفي إطار التعاون الدولي من أجل محاربة التغيرات المناخية التي يعانيها بدرجة أكبر الساميون، نقلت جريدة «لوموند الفرنسية» عن رئيسة برلمان ساميّ – فنلندا، تينا سنيلا إيكيو، القول: «نحن الساميون الأصليون في المنطقة، نقدر نمط حياتنا المتصل والمتجذر في بيئتنا، ونمارس الصيد، والحرف اليدوية، وتربية الرنة، محيطنا وإقليمنا جزء لا يتجزأ منا، وتقاليدنا الأدبية الشفاهية كذلك».

وطالبت بتحسين المشروعات السياسية العامة تجاه الساميين، مضيفة أن الدول التي تضم الساميين تعد من أغنى دول العالم و«نحن لا نعاني كبقية السكان الأصليين في العالم من التعليم، لكن ما نريده أكثر هو تدريس لغتنا (السامية)، وتعميمها في المناهج الفنلندية».
وأضافت: «لكن الوضع يختلف بالنسبة للساميين القاطنين في الإقليم التابع جغرافياً لروسيا، إذ يعانون التهميش، ولا يمكنهم المشاركة في النقاشات المتعلقة بمشروعات استغلال الإقليم، وذلك مصدر قلق متنامٍ لنا».
يشار إلى أن الأمم المتحدة اعترفت بأن الساميين هم الشعب الأصلي في منطقتهم.
ومن أجل التعريف بحضارتهم والحفاظ على تقاليدهم المتوارثة، جيلاً بعد جيل، يقام كل عام مهرجان «كوتوكينو»، ويجتمع خلاله الآلاف من الساميين، وينظم احتفال بالزواج الجماعي لشبابهم، وأيضاً المشاركة في بطولة عالمية لسباق التزحلق بواسطة غزلان الرنة.
وتقول إستر أوتسي مبتسمة: «نحن دائماً نتأقلم مع التغييرات المفروضة علينا، سواء من الطبيعة، أو من فعل الإنسان».

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com