مقالات

ماياكوفسكي .. لاتتهموا أحداً في موتي

محمد السعدي

فلاديمير ماياكوفسكي شاعر وكاتب روسي من أب تتري وأم أوكرانية , أبوه كان يعمل حارساً على الغابات والمزارع أما أمه أبنة العسكري تهوي الادب والرسم والشعر والمسرح .. ولد عام ١٨٩٣ في بلدة بغدادى في جورجيا , وهي البلدة التي سميت فيما بعد باسمه . في عام ١٩٠٦ أنتقل مع أمه وأختيه الى موسكو بعد وفاة والده، طرد من على مقاعد الدراسة لصعوبة ضيق العيش وعدم تدبر مصاريف تعلمه بعد أن أصبح بلا معين وهو شاباً يافعاً.

ألتحق فيما بعد بكلية الفنون في موسكو , وهناك تعرف على الفكر الماركسي , ومنذ بدايته شارك في نشاطات حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي ( الجناح البلشفي ), وبالرغم من صغر سنه , كان مناضلاً نشيطاً دفعته ظروف حياته الصعبة والمأساوية الى الايمان بالأفكار التقدمية كمنفذ للخلاص من الاوضاع المتردية ومن سطوة حكومة القياصرة . كان يشار له بالبنان ومن شعراء الثورة وأبنها البار والمدافع عن بريقها الثوري , لم يفوت فرصة في جولاته الى العواصم الاوربية مستغلاً أماسيه ومحاضراته وجلساته الخاصة لا يبخل في الدفاع عن الثورة والحزب والادب الروسي . أرتبط بأكثر من علاقة حب عاطفية (عشق) بنساء مشهورات في باريس ( تتيانا ياكوفلوفا ) من أصل روسي , وله قصص أيضاً بنساء في برلين , لكنهن حالو دون مشروع زواج مما زاد من نقمته على الأنظمة البرجوازية والرأسمالية ونمط العلاقات السائدة فيها.

في مطلع شبابه , كانت الاحداث اليومية السائدة في العالم وتحديداً في روسيا القيصرية نهضة فكرية وتململ ثوري تجاه أنظمة قمعية متسلطة على رقاب الناس وفي قمع حريتهم , من هنا جاء تحسسه مبكراً بالأشياء والتطورات مما زج بنفسه في صلب تلك الاحداث داعياً الى التغير نحو الافضل , فهذا لا يتقاطع مع نهج حزبه البلشفي فتعرض الى المطاردة والسجن . عبر عن تلك التوجهات والتطلعات من خلال منافذ الشعر ودعا الى تجديده على أسس الشعر الروسي العريق . ومن قصائده قبل ثورة أكتوبر ١٩١٧ ( غيمه في سروال ) .. وتعد من أهم قصائده فخرج بها عن المألوف فحطم بها الوزن والقافية مستفزاً مشاعر الناس ومحرضاً لها ضد القوانين والاسس التي تكبل الحريات والابداع . في وحي تلك القصيدة تنبأ بوقوع الثورة عام ١٩١٦ لكنها تأخرت الى ١٩١٧ لتكن أول ثورة اشتراكية حلم الكادحين من عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين , ولتكن منعطفاً حاسماً في العالم كله وأمل شعوبها في الانعتاق نحو غداً أفضل . ولتبدأ مرحلة جديدة في البلاد وفي حياة ماياكوفسكي الابداعية والاجتماعية وليعلن على الملأ … أنها ثورتي . ثورة العمال والفلاحين والمسحوقين بقيادة العظيم لينين . ومن نشاطاته المبكرة شارك في تهريب ثلاثة عشر سجينة سياسية من سجن ( نوفنسكايا ) وحكم عليه قرابة عام كامل .

انتمائه الصادق والثوري وضعه في اصطدام دائم داخل الحزب مع المتسللين والنفعيين الذين تبوأوا مراكز مهمة وقيادية في الحزب والدولة بعيداً عن تطلعات وأحاسيس الجماهير . وهو صغيراً شعر بالفروقات الطبقية في حياته والاغتراب من خلال حياة أقرانه من أبناء الموظفين الروس وأصحاب السلطة والجاه والمميزات التي تمنح لهم على حساب التفوق والابداع , تلك الاوضاع الملتبسة والبعيدة عن الانصاف والعدالة وظروف بيئته عجلت من انتمائه الثوري للحلقات الماركسية من خلال الاطلاع على بياناتهم السرية والعلنية , وكان الدور لأخته ( لودميلا ) الطالبة في جامعة موسكو تأتي بكل اجازه مع حزمة من البيانات والمنشورات لأخيها ماياكوفسكي . اختير للعمل لنشاطه المبكر في مطبعة الحزب الاشتراكي الديمقراطي (البلاشفة) , ففي واحدة من الحملات البوليسية في مداهمة مقرات الحزب البلشفي وأوكاره . أعتقل مع مجموعة من رفاقه وهو الأصغر بينهم عمراً وانتماء حزبي فأودعوه في السجن وهو صغيراً مما أشفع له لاحقاً بعدم سجنه لمدة طويلة، وكانت لوالدته أيضاً دور ليس قليل في الاسراع من تجنبه من فترة السجن الطويل، و في السجن تعرف على ( بايرون / شكسبير ) وقرأ أشعارهم وأستقرأ أراءهم الادبية والسياسية . وقرأ للأدب الروسي بوشكين / ليرمنتوف / دستوفيسكي . في ١٤ نيسان عام ١٩٣٠ .. بعد أن حوصر من كل الجهات كمبدع وفنان .. ومنع من السفر خارج الاراضي السوفيتية .. أطلق النار على قلبه من مسدس كان بحوزته .. وعثروا بعد موته على أقصوصة ورق كتب عليها ( لا تتهموا أحدا في موتي , وأرجوا أن لا تنموا  , فالراحل لم يكن يطيق ذلك ) .

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com