مقالات

السويد .. شيء عنها

محمد السعدي

أيار عام ١٩٨٩. وصلت من سوريا (دمشق) . بجواز يمني يعتبر محترم آنذاك . حصلت عليه من السفارة اليمنية في دمشق بجهود رفاق وأصدقاء خيريين. الى العاصمة التشيكية (براغ) . وجهتي مملكة السويد لاجئاً يبحث عن متسع حتى لو كان ضيقاً أو هامشياً من الحرية وحرية الكلام والعيش الأمن بعد أن ذقت الجوع والمرارة والخوف من المجهول في العاصمتين طهران ودمشق.

حدث هذا , بعد أخر عملية أنفال عام ١٩٨٨ عقب انتهاء الحرب العراقية الايرانية . وترك مواقع النضال.

أنا لم أعرف .. لماذا اختارت مملكة السويد في اللجوء؟ ربما جملة خطوات من العلاقات (الهامشية). هي التي قادتني لا على التعيين الى ذلك. في يومها , كان على أرض الشام أراء مخالفة ومضادة من عملية اللجوء , لسبب ساذج سوف نكون بعيدين عن أرض وهموم الوطن , سوف ننصهر في بوتقة الامبريالية , لكن للطريفة عن هؤلاء المدعيين سبقونا الى دول اللجوء .

في براغ .. أستقبلني المرحوم عامر عبدالله باهتمام ورعاية كبيرين . كانت العاصمة التشيكية ( براغ ) . ليس بعيدة جغرافياً ولا حتى سياسياً عن تطورات الوضع القائم  . كان في يومها تتصاعد الأحداث بأتجاه الانفجار المدوي في حياة شعوب المنظومة الاشتراكية بعد أن أنهكتها قيود الحرب الباردة وخنق الحريات في تراتيب المنظومة الاشتراكية.

نخرج يومياً نمشي في شوارع براغ لنرى بأم أعيننا حركة الشباب ونمط العلاقات وطبيعتها والشوارع النظيفة المشجرة.

سألني المرحوم عامر عبدالله .. هل تعرف شيء عن السويد اقتصاديا وسياسياً ؟.

حدود معرفتي بها سياسياً ضمن دائرة الغرب والمصالح الامبريالية وحدودها ضمن هذه الدائرة أمريكيا وسياستها.

اجتماعيا مبنية على قاعدة كبيرة من الحريات العامة والصحافة الحرة وحرية التفكير.

واقتصاديا ضمانات صحية واجتماعية وخدمات عامة وطرق عيش متطورة ومضمونة. هنا توقف المرحوم أبو عبد الله في الحديث عن نظام الضرائب القاسي في السويد وموضوعة فائض القيمة ونظام ماركس في البناء الاقتصادي. حقاً للمرة الاولى يدخلني في تفاصيل شوشت عندي كل أفكاري ومعلوماتي البسيطة عن نمطية العلاقات الاقتصادية في السويد وطرق بنائها.

تقودني الصدفة في استقراري السويدي أن أعمل بهذا المجال موضوع التجارة (business ) . استيراد وتصدير وحواليه وبحكم تلك التجربة البسيطة في هذا المضمار , تعود بي تلك التجربة الى تلك الاستقراءات السياسية في شوارع براغ التي كانت تشهد غليان في قلب الوضع العام حول نمطية أطرها السياسية الرتيبة .

النظام الضريبي في السويد , ممكن اقربه للقارئ والمتابع كأي نظام مخابراتي ( شرق أوسطي ) . يخضع للتهديد وضمر المعلومات والخوف الدائم ودوامة القلق من نظام المراقبة والتساؤل .. حدث مرات عديدة حولنا كجالية , وتحديداً الجالية العربية في تصادم وعدم فهم حول تفاصيل القوانين السويدية وطرق استخدامها في توظيف عملنا .

أغلب تلك الفئة من الجالية دخلوا هذا المضمار بدون دراية ولو بسيطة بالنظم الاقتصادية المعمول بها بالسويد , أي بدون دراسة نظرية ولا حتى خبرة عملية في مجالات العمل الواقعي اليومي .

في السويد .. المجالات مفتوحة لك في الدراسة والمعرفة من خلال مؤسسات مكاتب العمل والشؤون الاجتماعية في اعطاء لك دروس ومعرفة وخبرة بدون ثمن مادي مقابل أي مجاناً. لكن سهولة إنجازات فتح شركات ومباشرة العمل بها سهل للطامحين أن يدخلوا هذا المضمار بدون الاستعانة أو الاستفادة من الامكانيات الموجودة الممنوحة لك مجاناً. مما سهل للعديد في التصادم مع وطأة قوانين النظام الضريبي في الدخل والربح وفائض القيمة.

السويديون .. في نظامهم الاقتصادي وقوانين العمل به مستفادين بدرجة كبيرة فيما يخص الخدمات والضمانات الاقتصادية والصحية من البيان الشيوعي الذين صاغاه كارل ماركس ورفيقه فردريك أنجلز , ومن المدرسة الماركسية , والتي هي منهج لأفكار ماركس , وهما بدورهما استندوا في صياغته على الفلسفة الالمانية (هيغل) . والاقتصاد السياسي الانكليزي (أدم سميث). والواقعية الاشتراكية الفرنسية ( برودون ) والمرتبطة بالتعاليم الثورية .

في وجودي في براغ من ١٥ الى ٢٥ أيار. شهدت براغ عاصفة من النشاط السياسي واللقاءات والاجتماعات والآراء المعارضة والمتفقة في الشأن السياسي العراقي بقدوم مبعوث النظام الدائم السيد مكرم الطالباني ونية النظام الغير صادقة في تقوية الجبهة الداخلية بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية من خلال ادعائه بجملة إجراءات وخطوات في التعددية السياسية وحرية الرأي والصحافة وأطلاق سراح السجناء السياسيين والكشف عن المفقودين ومصير المعتقلين الذين غيبوا في السجون ووقف الاعتقال الكيفي. كانت مجرد ادعاءات أو تصريف أزمة لم يحقق منها شيء , وكان تشكيك الشيوعيين بتلك النوايا واقع حال . كنت أحضر اللقاءات في التصدي لتلك التطورات. وكان الرفاق صادقين في تحليلاتهم حول نية وطبيعة النظام الدكتاتورية , الذي لم يقبل ولا يسمح لأي طرف سياسي نظيف أن يشاركه في العمل السياسي في العراق , رغم أنها كانت فرصة ذهبية للنظام أن يخرج من عنق الزجاجة في ترتيب بيته الداخلي الذي يتداعى , لكنه ذهب وغير مأسوف عليه , رغم ما تركه للعراقيين من ويلات ومصائب ستبقى عالقة في الذاكرة الجمعية العراقية .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com