مقالات

حسقيل ساسون

الرجل الحر والنزيه

“أقدر رجل في مجلس الوزراء، هو صلب قليلاً وينظر إلى الأمور من وجهة الحقوقي الدستوري دون أن يعطي اعتباراً كافياً لأحوال العراق المتأخرة، ولكنه حر ونزيه إلى أبعد الحدود”.

المس بيل

سركوت كمال علي

على أثر ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني انعقد مؤتمر القاهرة في عام 1920من 12-23 مارس برئاسة وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل، وبحضور أربعين موظف إداري وسياسي وعسكري من البريطانيين الذين كانوا يشغلون مناصب هامة في مختلف أرجاء الوطن العربي آنذاك. تحدد خلال المؤتمر المستقبل السياسي لعديد من دول الشرق الأوسط كالعراق وشرق الأردن وفلسطين.

وبخصوص العراق تقرر إنهاء الحماية الغير مرحب بها على بلاد الرافدين وأن يصبح فيصل الأول ملكاً على مملكة العراق الجديدة.

 استطاع الملك فيصل أن يحصل على تأييد عارم من الشعب العراقي, بعد إجراء استفتاء شعبي كانت نتيجته 96% تأييدًا للملك فيصل.

وأجبرت بريطانيا الملك فيصل على توقيع معاهدة معها في 10 أكتوبر/ تشرين1 1922م تضمنت بعض أسس الانتداب البريطاني.

صدرت الإرادة الملكية في 19 أكتوبر 1922م بتشكيل المجلس التأسيسي ليقر تأسيس الوزارات والمؤسسات الحكومية وصياغة دستور المملكة، وقانون انتخاب مجلس النواب، والمعاهدة العراقية البريطانية. وأختير عبد الرحمن النقيب الكيلاني أول رئيس وزراء في المملكة العراقية.

واختير حسقيل ساسون اول وزير مالية للعراق في العصر الحديث.

حيسقيل ساسون أول وزير مالية عراقي

ولد حسقيل ساسون في 17مارس 1860م.

وينتمي ساسون إلى عائلة يهودية بغدادية برزت واشتهرت بالتجارة، حيث كان والده من رجال الدين المتفقهين في الشريعة الموسوية.

ودرس في مدرسة الاليانس، ثم ذهب إلى إسطنبول للدراسة عام 1877. وعين في منصب الترجمان لولاية بغداد ثم بعد عودته إلى بغداد عام 1885 انتخب نائباً في مجلس النواب التركي الأول عام 1908، ويعتبر ساسون أحد الأعضاء الثمانية في أول حكومة عراقية قام بتأسيسها السير برسي كوكس (المندوب السامي البريطاني). ثم عين أول وزير مالية في حكومة السيد عبد الرحمن النقيب، وهي الحكومة المؤقتة في الأعوام 1918-1921، وانتخب ساسون لوزارة المالية في وزارة النقيب الثانية 1921، والثالثة، ووزارة عبد المحسن السعدون الأولى، وكذلك في وزارة ياسين الهاشمي.

وعضو برلمان دائم حتى وفاته.

ويعد ساسون أشهر وأنزه وزير عراقي في تأريخ الحكومات العراقية المتعاقبة، فكان أول وزير مالية عراقي أسهم بشكل كبير في وضع الأسس الصحيحة لقيام الاقتصاد العراقي وبناء ماليته على وفق نظام دقيق, ففي 13 آب 1923 م فوضته الحكومة العراقية آنذاك لمفاوضة البريطانيين حول أمتياز شركة النفط العراقية التركية (شركة بريطانية)، حيث ثبت بأن يكون الدفع بالشلن الذهب سعرا للنفط المباع، مما أفاد الميزانية العراقية فيما بعد. وبفضله استرجعت حكومة العراق واردات النفط بالباون الذهبي بدلاً من العملة الورقية، وبعد إصراره على هذه المعاملة في المفاوضات عام 1925 مع الجانب البريطاني، رغم أعتراض أعضاء الوفد العراقي على ذلك. وقد قدر العراقيون، في ما بعد، أهمية هذا الموقف.

وكان له الدور الفعال في تأسيس المملكة العراقية بعد الحكم العثماني ,وكان له الفضل في تأسيس للقوانين العراقية والبنية المالية.

فلقد قام بتظيم أول ميزانية مالية في تاريخ العراق، وأول منظم لهيكل الضرائب على الأسس الحديثة.

وفي حادثة عنه قال الباحث ضياء كاظم زبالة العرادي في تلك الشخصية المهمة في تاريخ العراق عندما أراد الملك منه صرف مبلغ 20 دينار عراقي من أجل بناء مدرسة في لواء الديوانية بعد أن طالبوا ببناء تلك المدرسة إلا أن ساسون قد قال للملك: (لقد أقرت الميزانية في البرلمان وليس هناك مجال للتلاعب في أي رقم مما أقره البرلمان)، فيالها من مصداقية ويالها من مهنية سياسية لا يرقى لها إلا الشعوب المتطورة.

الميداليات و الاوسمة التي حصل عليها:

  • رسمه الملك البريطاني جورج الخامس فارساً عام 1923.
  • جلالة الملك فيصل الأول منحه وسام الرافدين المدني من الدرجة الثانية،
  • ومنحه الشاه الوسام الشاهاني، وكرمته الدولة العثمانية بالوسام المتميز.

قالوا عنه:

  • قال عنه أمين الريحاني: “انه الوزير الثابت في الوزارات العراقية لأنه ليس في العراق من يضاهيه في علم الاقتصاد والتضلع من ادراك الشؤون المالية”.
  • أما معروف الرصافي فقد رثاه قائلاً:

نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت         بغداد أم المجد تبكي وتندب

ولا غرو أن تبكيه إذ فقدت به           نواطق أعمال من المجد تعرب

لقد كان ميمون النقيبة، كلها             تذوقته في النفس يحلو ويعذب

تشير اليه المكرمات بكفها               إذا سئلت اي الرجال المهذب

ألا لا تقل قد مات ساسون، بل فقل:             تغور من أفق المكارم كوكب

–  أما ياسين الهاشمي فقال عنه: “اذا ما ذكر ساسون أفندي فيجيء ذكره مقروناً بالكفاح العظيم في تنظيم شؤون دولة العراق في سني الانتداب العجاف”.

حاول ساسون قبل وفاته ان يختم حياته بمنجز من منجزاته الكثيرة وحاول وضع خطة دقيقة من أجل إصدار عملة عراقية وطنية، وسعى جاهدا من أجل تحقيق ذلك يساعده يهودي آخر هو إبراهيم الكبير مدير عام المحاسبة المالية آنذاك، وبالفعل فقد تم ذلك عام 1932 م وأصبحت النقود العراقية هي المتداولة بدلا من الروبية الهندية والليرة التركية. قضى ساسون حياته عازبا دون أن يتزوج، ومات في 31 اغسطس 1932وهو أعزب.

وقدجمع مكتبه فخمة تعدَّ من أكبر المكتبات الشخصية في بغداد، وكانت غنية بمختلف الكتب باللغات العربية والتركية والإنكليزية والفرنسية والألمانية، وقد استولت الحكومة العراقية عام 1970 وأودعت ضمن مكتبة المتحف العراقي، ضمت كتباً مختلفة وبلغات عديدة منها الإيطالية والإنكليزية والألمانية والتركية والإسبانية والعربية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com