مقالات

ترجمة الشعر العالمي عن الروسية “من تجربتي الشخصية”

الى الشاعر المبدع يحيى السماوي امتنانا.

ضياء نافع

أ.د. ضياء نافع

ابتدأ العرب بالتعرّف على بعض ملامح الادب العالمي منذ نهاية القرن التاسع عشر عن طريق اللغة التركية , لغة الامبراطورية العثمانية , ثم استمرّت هذه العملية – رغم بطئها – عن طريق اللغتين الانكليزية والفرنسية في بداية القرن العشرين , وازدادت سرعتها نسبيا بعد الحرب العالمية الاولى , عندما بدأ العرب بتشكيل دولهم الفتية , وهكذا بدأت تتبلور ملامح المكتبة العربية حول الادب العالمي بالظهور , ثم جاءت بعض اللغات الاجنبية الاخرى , ومنها اللغة الروسية في النصف الثاني من القرن العشرين , وبدأ المترجمون العرب عن اللغة الروسية بالاسهام في هذه المسيرة , وعلى الرغم من ان هؤلاء المترجمين ركزّوا جهودهم  في مجال ترجمة الادب الروسي الى العربية , الا ان بعضهم , وانا منهم , حاولوا استخدام المكتبة الروسية الغنية في الادب العالمي ومحاولة نقلها الى العربية ( خصوصا بالنسبة لآداب شعوب آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية ) , وذلك لان العرب كانوا بحاجة شديدة وماسّة جدا للتعرّف على آداب تلك الشعوب العريقة في الثقافة , مثل الصين واليابان والهند وكوريا وغيرها , والتي لم يكن هناك بين العرب من يتقن لغاتهم او  تخصص بآدابهم , وهكذا بدأنا – اضطرارا – بترجمة الآداب العالمية عن طريق لغة ثالثة وسيطة , وهي عملية ابداعية بدأت في العالم العربي  بشكل عام عن طريق اللغتين الانكليزية والفرنسية اولا , ولا مجال هنا للتوقف عند تاريخ و تقنية هذه العملية الابداعية , او مناقشة فلسفتها , او اتخاذ موقف حاسم تجاهها , او شجبها كليا ( كما يفعل البعض ) , او محاولة مقارنتها مع النصوص بلغتها الاصلية , الى آخر الاحتماليات  المختلفة والمتنوعة للتعامل معها , وهكذا فرضت هذه العملية الابداعية نفسها بالتدريج على الواقع الادبي العربي , وبدأ القرّاء بالتعوّد عليها وتقبّلها , لانها منحتهم امكانية التعرف على عوالم ابداعية جديدة بالنسبة لهم وبكل معنى الكلمة , وتراجع الرأي السلبي تجاهها , لانه لم يجد حلا آخر كبديل مقبول لهؤلاء القراء . نريد هنا ان نتوقف قبل كل شئ عند ترجمة الشعر المعاصر بالذات , والتحدّث عن تجربتنا الشخصية , وذلك التزاما بعنوان بحثنا .

لقد مارست هذه العملية الابداعية منذ عودتي الى العراق – بعد انهاء دراستي – في بداية سبعينات القرن العشرين , وكنت حذرا جدا , بل حتى مترددا من الاقدام على هذه التجربة , لاني كنت أعرف ردود فعل الاوساط الادبية العراقية والعربية عموما تجاهها , وهكذا بدأت بنشر قصائد مترجمة عن الروسية لبعض شعراء بلدان بعيدة عن تداولنا ان صح التعبير , وكنت ادقق كثيرا – قبل نشرها – في المصادر العربية المختلفة – وحسب امكانيات تلك الفترة طبعا –  للتأكّد من عدم وجود تلك القصائد بالعربية , كي تكون جديدة قلبا وقالبا كما يقال , وكنت انتظر ردود الفعل تجاه هذه الاسماء المجهولة واقعيا بالنسبة للقراء والادباء معا آنذاك , وأذكر الان المواقف الايجابية المشجّعة من قبل بعض الاسماء اللامعة عندئذ في بغداد , ومنهم الصحافي محمد كامل عارف  – رئيس ومؤسس صفحة آفاق في جريدة الجمهورية البغدادية , والذي كان ينشر- وبكل حماس وحب – القصائد في  تلك الصفحة الواسعة الانتشار في اوساط القراء العراقيين , والمرحوم  الشاعر المبدع يوسف الصائغ , والشاعر محمد جميل شلش ( لا اعرف مع الاسف اخباره نهائيا ), بل ان المرحوم الشاعر عبد الوهاب البياتي ( وكان آنذاك مستشارا ثقافيا في وزارة الاعلام العراقية ) قد اقترح عليّ ان اقدم تلك القصائد له – ( كي يراجعها وننشرها سوية في ديوان شعر مشترك ) , ولكن بعض الاصدقاء نصحوني بعدم الموافقة على مقترحه هذا , لان تلك القصائد ستكون في نهاية المطاف باسمه , مثل ما حدث مع المترجم المصري احمد مرسي في ديوانهما المشترك , الذي صدر في خمسينيات القرن العشرين.

ختاما لهذه الملاحظات , نود ان نشير , الى ان حصيلة هذه التجربة هي  نشر اكثر من( 250) قصيدة من اكثر من( 40 ) بلدا في العالم , ونعمل الان على جمعها  في ديوان شامل سيصدر قريبا عن دار نوّار للنشر . نقدم هنا مقاطع مختارة من تلك القصائد كي تكتمل الصورة الفنيّة للقارئ –

من البوسنة والهرسك – ( أبكي أنا / من الحب الذي / حوّلني / الى عبد ./ تبكين أنت / لأنك / لا تستطيعين / ان تمنحي الحرية / لهذا العبد .).

من أذربيجان – ( احترقت عيوني – ولذت بالصمت / لا اعلن هذا , لذت بالصمت / في الغربة مئات التعاسات , / لمن تحكي ؟ لذت بالصمت .).

من بولندا – ( بنيت / على الرمال – / تهدّم البناء ./ بنيت / على الجبال – / تهدّم البناء ./ سأبدأ الان / البناء / على الدخان .).

من بيرو – (… ما دام هناك انسان يتألم ,/ فان الوردة لا يمكن ان تكون رائعة . / ما دام هناك انسان جائع , / فان حقل الحنطة لا يغفو تحت ضوء القمر. / ما دام البؤساء يبتلون تحت المطر , / فان قلبي لن يبتسم. ).

من تركيا – ( من الحب الاوّل / حزن يبقى , / ومن النجم الذي يهوى / أثر يبقى ,/ ومن الشاعر الذي يموت / بعض أبيات تبقى .).

من الصين – ( بين كل الاحياء / أمجّد أنا / الفراشات / التي تحلّق فوق النار ,/ فهي الوحيدة بين الاحياء / التي تموت / في أحضان الضياء.).

من قبرص – ( سجى الليل / وفي العتمة هبّت الريح ,/ وهطل المطر,/ وتمرّكز العالم / – وهو يموت -/ في خمسة جنود ,/ كانوا في كمين يختبئون. / أطلقت الاسلحة نيرانها ,/ ودفنت / في خمسة قبور ,/ خمسة عوالم كبيرة ,/ مليئة / بالحب والنور.).

من كوريا – ( الزهرة / تتفتح وتزهر ,/ ثم تذبل./ العشب أخضر / ثم الى أصفر / يتحوّل ./ فقط الحجر / في هذا العالم / لا يتغيّر.).

من الهند – (تعالي / ضميّني ,/ مثلما تضم الارض/ جذور الشجر,/ ومثلما يعكس النهر / ضوء القمر, /  ومثلما الخلود يعانق / الدهر.).

من شعر الهنود الحمر – ( الطيور  / على أغصانها ,/ والنمور / عند سيقانها ,/ والثعابين / بين جذورها ./ الاشجار العظيمة / تدافع عنّا ,/ وتمنح الطعام / للانسان / والحيوان ,/ ولا تطلب منّا / سوى / العيش بيّننا / بسلام .).

من اليابان – (… تكشف ألاغصان وألاوراق / للعيون ./ اما الجذور ,/ المهمّة للحياة , / فتخفيها / عن العيون .).

اظهر المزيد

أ.د ضياء نافع

مواليد بغداد 1941 • ماجستير في اللغة الروسية وآدابها 1965/ 1966 – الاتحاد السوفيتي ودكتوراه في الادب الروسي 1970 / 1971 – فرنسا. • رئيس فرع اللغة الروسية في كلية الآداب بجامعة بغداد من 1975 الى 1984 • رئيس قسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد 1989 – 1990 • معاون عميد كلية اللغات بجامعة بغداد 1993 الى 2003 • عميد كلية اللغات المنتخب 2003 – 2006 . • حاصل على درجة الاستاذية (بروفيسور) 1996. • مدير مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الحكومية الروسية 2006 – 2012. • عضو اتحاد الادباء والكتاب في العراق / عضو شرف في اتحاد ادباء روسيا. • رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر في بغداد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com