ثقافة

ندوة أعمدة الأمة الأربعة

(منتدى الفكر العربي- عمّان- 22/7/2018)

كلمة الدكتور عبد الحسين شعبان في افتتاح الندوة

 

 

الدكتور عبد الحسين شعبان

يسعدني أن أحييكم في هذه الأصبوحة وأتمنّى لندوتنا هذه النجاح والاستمرار في التواصل، بما يعزّز الحوار والتعايش ويثري القيم المشتركة التي تمثّلها أعمدة الأمة الأربعة: التركية والفارسية والكردية والعربية،

وقد وفّر منتدى الفكر العربي، الذي هو صرح فكري وحضاري تأسس منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف من الزمان ، فضاءً لمثل هذا الحوار، فقد كان هناك حوار عربي- كردي قبل نحو 4 أشهر، وقبل ذلك التأم حوار عربي – تركي وآخر عربي- فارسي، واليوم فإن هذه الندوة التي تضمّ نخبة متميّزة وكوكبة من المثقفين والأكاديميين والفاعلين المدنيين والممارسين السياسيين، يمكن أن تدير حواراً جامعاً ومتنوّعاً فيما يتعلّق بعلاقات الأمم الأربعة بما يعزّز فرص التفاهم والتعاون فيما بينها من جهة، ويقوّي من لحمة المشترك الإنساني من جهة أخرى .

وأعتقد أن الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه هذا الحوار، هو المكاشفة والشفافية فيما يريده كل طرف من الأطراف الأخرى، كما لا يُفترض فيه أن يستغرق في الماضي وملابساته وعقده، بل يتطلّع إلى المستقبل لتعزيز أواصر الصداقة والتضامن كجزء من التاريخ الجديد لعلاقات متكافئة ومتساوية وعادلة.

وبهذا المعنى فهو حوار لا يستهدف المغالبة أو ادعاء امتلاك الحقيقة والأفضلية، وإنما هدفه بكل تواضع البحث فيما يمكن أن يقدّمه من معالجات لتقريب وجهات النظر وتذليل المصاعب والعقبات التي تعترض العلاقات التاريخية المركّبة بكل ما لها وما عليها،  وأفترض أن كلاً من جانبه يهدف لتعظيم الجوامع  وتقليص الفوارق، سواءً من موقعه في إطار النخب الثقافية والمدنية أم بالتواصل مع أصحاب القرار في بلده، وتلك واحدة من الرسائل الفكرية الأساسية للمنتدى.

والأهم من ذلك إعلان كل منّا، ونحن لا نمثّل سوى أنفسنا، عن تمسّكه وعدم خرقه للقيم الإنسانية المشتركة أولاً وقبل كل شيء، وهي قيم الحرية والسلام والتسامح والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة والإقرار على المستوى الفردي والجماعي، وكل من موقعه  أيضاً على وضع تلك القيم والمبادئ موضع التنفيذ في علاقاته مع مثقفي الأمم الأخرى.

وبتقديري إن أمم الإقليم ودوله ستتمكّن من مواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية بصورة أكفأ وأسلوب أجدر فيما لو كانت متعاونة بين بعضها البعض وموحّدة الأهداف، بما فيها من تنمية بكل جوانبها، سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وصحياً وبيئياً ومائياً وخدماتياً وغيرها، وبالطبع فذلك يتطلب أولاً وقبل كل شيء وقف الحروب فيما بينها سواء المباشرة أم بالواسطة، واعتماد  الحوار والحلول السلمية وسيلة لوضع حدّ للصراعات القائمة. وإذا كانت الحروبُ تبنى في العقول، فإن حصون السلام تبنى في العقول أيضاً، حسب دستور اليونسكو.

ويتطلّب الحوار احترام الخصوصيات والهوّيات الفرعية وحقوقها ومستقبلها القائم على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، إضافة إلى حقها في تقرير مصيرها وفقاً لرغباتها الخاصة ومصالح أممها مع مراعاة مصالح الإقليم وأهدافه المشتركة.

فالصراع الذي يتّخذ شكلاً طائفياً في منطقتنا بين الشيعة والسنّة أو بين الأمم تبعاً لبعض المصالح الضيقة، هو في حقيقته وفي جوانب منه صراع بين قيم بعضها ينتمي إلى الماضي والتي تمثل التعصّب والتطرّف والعنف والإرهاب والاستعلاء، وبين قيم تنتمي إلى الحاضر والمستقبل تتعلّق بالتسامح والتعايش والتواصل والسلام وحقوق الإنسان، وهو صراع جيوسياسي حتى وإن اتخذ طابعاً دينياً أحياناً باستهداف المسيحيين وطابعاً قومياً باستهداف المجموعات الثقافية، سواء أكان على المستوى الداخلي في كل بلد أم على امتداد الإقليم.

ولعلّ مثل هذا الحوار هو حوار ثقافي متميّز، ويأتي تتويجاً لحوار ونقاش وجدل بين نخب مختلفة ومتنوعة ومن مشارب شتى فكرية وسياسية ومرجعيات دينية وإثنية، وقد سبق أن التأم تمهيداً لذلك في ملتقى تونس مثلما شهدت بيروت إعلاناً عن قيام منتدى للتكامل الإقليمي، وهذا يعني ارتفاع رصيد الفكرة حيث توفّرت قناعات مشتركة وواسعة من لدن العديد من النخب في أمم الإقليم التي تلمست بصورة عملية أنه لا سبيل لحلّ المشكلات العالقة إلّا باعتماد طريق الحوار الذي لم يعدّ مجرد نزوة فكرية، بقدر ما هو حاجة ضرورية وملحّة.

وأعتقد أنه لا مناص من الحوار كوسيلة فعّالة للتفاهم والتعاون بين الأمم والبلدان، وسيكون نقيضه أما استمرار الحال على ما هو عليه من تنافر وتباعد وانغلاق وتشظي وتشتت وانقسام، أو حتى تفاقم الأوضاع وازديادها سوءًا، بما يعطّل التنمية أو يضع عراقيل أمامها، فضلاً عن تعقيد أوضاع الإقليم وعلاقاته ككل، وسيعطي للقوى الخارجية مبرّراً لاستثمار الخلافات لإخضاع دول وشعوب المنطقة للهيمنة والاستتباع.

وإذا كان العالم يتجه أمماً وشعوباً نحو التقارب والتعاون والتكامل، فإن شعوب الإقليم وأممه ما زالت تعيش حالة من عدم الثقة والنزاع والاحتراب في حين يفترض فيها  التلاقي والتراضي والتشارك، لما يجمعها من تاريخ مشترك وديانة وقيم مشتركة وعلاقات اجتماعية متداخلة وإمكانية تكامل اقتصادي وغيرها. ولعل هذا الأمر  سبب آخر لراهنية الحوار وضرورته ونأمل أن يكون حواراً معرفياً مفتوحاً بما يعزز القيم الكونية- الإنسانية التي تجمع بين مثقفي الأمم الأربعة على أساس المساواة والشراكة والتكافؤ والاعتراف المتبادل وبما يعزّز أواصر التعاون.

الحوار بهذا المعنى يصبح ” فرض عين وليس فرض كفاية”، خصوصاً حين تواجه دول الإقليم ظواهر التعصّب والتطرّف والطائفية والعنصرية والإلغاء والتهميش، فضلاً عن العنف والإرهاب، بل وتهديد الدول الوطنية، وأعتقد أن نموذج داعش ينبغي أن يظل ماثلاً نصب العين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com