مقالات

محمد خضير .. قاص قدم استشراف للمستقبل منذ التسعينات

ضمن سلسلة “الفائزون” صدر عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، طبعة ثانية من المجموعة القصصية “رؤيا خريف” للقاص العراقي محمد خضير، الفائز بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في حقل القصة والرواية والمسرحية (الدورة الثامنة)، وتأتي هذه المجموعة استكمالا لمشروع المؤسسة الهادف إلى تزويد المكتبة العربية بكتاب نفد من المكتبات لكل فائز بالجائزة تعاد طباعته وفق معايير حديثة، وتقوم المؤسسة ضمن خطتها الرامية إلى نشر الثقافة وتعميم الفائدة بإهداء تلك الكتب إلى من يرغب، وكذلك تزويد المكتبات العامة ومكتبات الجامعات بهذه الإصدارات. تضم المجموعة، التي صدرت طبعتها الأولى عن دار أزمنة في عمّان عام 1996، سبع قصص نذكر من بينها “رؤيا خريف”، “رؤيا البرج”، “حكايات يوسف”. وكانت لجنة تحكيم جائزة العويس الثقافية قد ذكرت في بيان منح الجائزة في الدورة الثامنة (2002 – 2003) أن كتابات محمد خضير “منفتحة على مختلف الأشكال التعبيرية ذات العلاقة بالنص السردي، مثل الشعر والأسطورة والرواية وأشكال الحكي التراثي والشعبي، كما ينفتح النص عنده على جماليات الفنون الجميلة والتشكيلية (مثل السينما والنحت والرسم)، وتقنع أعماله المتلقي العام والخاص بتفردها في مهارة استخدام اللغة السردية المكثفة، المشعة بالإيحاءات والدلالات والرموز، متنوعة المستويات والتشكيلات التي تحمل وحدة الانطباع بالنص كله، وتملك نصوصه رؤية جمالية متكاملة ومخيلة تركيبية خلاقة شكلت الفضاء الزماني والمكاني الخاص والعام”. تستغور قصص المجموعة فضاءات ومصائر وعوالم تنقذف من الماضي إلى الراهن، ومن الماضي أحيانا الى المستقبل، وغالبا ما يتم عبر أحداث القطيعة مع الراهن الذي أحال المكان إلى علامات رعب حيث الحرب ونتائجها “فالمدينة ذاتها تغص بالحشود الوافدة إليها من المدن الأخرى، جنودا وصحافيين ومراسلين ورجالا يقتفون آثار أبنائهم المتوجهين إلى الجبهة”، بل إن الكاتب يذهب إلى أكثر من ذلك في  تأثيرات الحرب، فيتساءل في مدخل المجموعة “هل من موضوع، كالحرب، يتقدم بالمجال على الممكن، ويسوغ السطوع الرمزي مآلا للحقيقة المقيدة، ويسبق المطلق المجرد فيه الملموس المقرب؟ أوَ ليست الفواجع جهة للفراديس؟ فالمدن المحاصرة تلفظ أهاليها، وتزحف إلى الصحراء، تستجير بزمانها وترحل إلى مبتداها، والكتابة تنحرف عن سكتها وتطارد إشارتها معناها، والمخيلة منكسرة والمؤلف طريد، وحيد، محاصر، حيران، غريب”. تسرد القصص الوقائع بوصفها رؤى، فهناك دائما رؤى متصلة بأحداث، وهي تبدو كأنها تخفق بجناح الفن، وترحل إلى آفاق خلاقة في الوقت ذاته، تأخذ من الواقع بؤرا تشغل تلك الرؤى وتدفع بها الشخوص، الأفكار، والنسيج كله يبدو في القصص كأنه يطلع من ميثولوجيا المكان، ثم تمضي الحكاية وبكل تفاصيلها: “جيكور”، “ساحة أم البروم”، “الأنهار الكثيرة تخترق جسد المدينة”، “جندي جريح وشاعر في الحرب”، “حانة الوردة البيضاء”، ثم “فندق الحكماء الثلاثة”، المكان الذي نجده وقد أصبح ملتقى للمصائر هذه والأشخاص الذين ينقذفون إلى المكان لتفحص علاماته المتناثرة. يبني خضير ببراعة ودقة برجا في قصة “رؤيا البرج”، ولولا براعته في البناء لما كان مقنعا في رسم تلك المتاهات التي ينتظم فيها البرج كرؤيا وأسرار كذلك الحال في قصة “حكايات يوسف” المبنية على جوهر إنساني واقعي بسيط يبدو مشعا وسط تلك الدهاليز والأسرار التي يحتويها مبنى جديد تشكل “عندما أعدنا بناء المدينة بعد الحرب”، بينما نجد في قصة “داما، دامي، دامو” تلك القدرة على تحويل اللعبة الشائعة إلى تراتب ذهني وفكري وقراءة عميقة لتصادم الأفكار وإحالاتها المستقبلية. إنها تتطلب معرفة بقوانين اللعبة، وجاءت هنا مزدوجة، اللعبة الحقيقية ولعبة الكتابة. وفي قصة “صحيفة التساؤلات” نقرأ ” اكتمال بناء المدينة، وحق لها أن ترتبط باسم تعرف به بين المدن المحيطة التي تفتتت وتحولت إلى خرائب وتلال وعرة مائلة”. ومع هذا البناء ثمة “المرقاب”، و”البرج” أيضا، و”طابعة المرقاب”، ومثلها وردت مفاتيح الحاسوب في قصة أخرى، وثيمة الشاشة وغيرها من إشارات تعكس توقا إلى مستقبل سيأتي، لكنه ليس ببداهة التطلع البسيط هذا، بل ثمة تساؤلات دائمة فيها من تصادم الأفكار ما يقلق البديهي، ويجعله أشبه بلغز ذهني وممر إلى اكتشاف المعرفة، وهذه تجتمع في كتاب فريد حمل عنوان “كتاب التساؤلات” في “دار المحفوظات” الذي تفتخر به المدينة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com