مقالات

بوشكين في العراق

هل حضر بوشكين في الحدود الجغرافية للدولة  العراقية؟

استلمت رسالة اليكترونية بالروسية من أحد الزملاء الروس بعنوان – بوشكين في العراق , وقد أثارت هذه الرسالة اهتمامي طبعا , اذ اني اتابع موضوعة الادب الروسي في العراق منذ عشرات السنين , وسارعت بفتح تلك الرسالة والاطلاع عليها , وقد تبيّن , انه يطلب منّي ان  اقدّم له استشارة ( او رأيّا )  في مسألة مطروحة امامه الان حول موضوعة – ( بوشكين في العراق) , ويقول في رسالته , انه وجد بعض المصادر الروسية حول هذا الموضوع , ولكنها – كما يرى – غير كافية كما يجب – بشكل عام – لتغطية هذا الموضوع الكبير , المرتبط بشاعر روسيا الاول وعبر كل عصورها .  وهكذا بدأنا الحوار .

أ.د. ضياء نافع

قلت له, ان من الضروري ان نحدد – قبل كل شئ – ماذا يعني مفهوم ( بوشكين في العراق ) , وهل يعني ذلك حصر بوشكين في الحدود الجغرافية للدولة  العراقية  بمعزل عن العالم العربي الذي يحيطها ,  اذ ان ثقافة العراق متداخلة بثقافة البلدان العربية الاخرى , والكتاب الذي يصدر في دمشق مثلا عن بوشكين يصل الى القارئ العراقي بعد أيام ,  وقلت له  باني (وبعض الزملاء الذين أذكرهم لحد الان من جيلي) طالعنا بالعراق في خمسينات  القرن العشرين مثلا ترجمة د. سامي الدروبي لرواية بوشكين القصيرة – (ابنة الضابط ) ضمن منشورات ( دار اليقظة ) السورية المشهورة , واعاد غائب طعمه فرمان ترجمة هذا الكتاب بعد اكثر من ربع قرن , وهكذا صدرت رواية ( ابنة الآمر) لبوشكين في موسكو , فهل نعتبر , ان المترجم العراقي غائب طعمه فرمان هو الذي قدّم للعراقيين  رواية بوشكين تلك ( عن طريق موسكو !) , وبالتالي , فان ترجمته تدخل ضمن موضوعة ( بوشكين في العراق ) , بينما  تدخل ترجمة الدروبي لنفس الرواية ضمن موضوعة ( بوشكين في سوريا) ؟ ويمكن التوقف عند كتب اخرى حول الادب الروسي صدرت في القاهرة مثلا , واطلع عليها القارئ العراقي , بما فيها كتاب الباحث والكاتب الفلسطيني الكبير نجاتي صدقي الموسوم – (بوشكين ) , الذي صدر ضمن سلسلة ( اقرأ) المصرية الشهيرة في اربعينات القرن الماضي ,  وذكّرته بقول طريف كان سائدا في عالمنا العربي يوما ما وهو – القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ . وبعد (التي واللتيّا) , كما يقولون , اقتربنا من نقطة مشتركة بيننا في هذا الشأن , اذ توقف زميلي عند التمثال النصفي لبوشكين في حدائق كليّة اللغات بجامعة بغداد , و قال انه واحد من الشواهد المادية والتي لا يمكن تجاهلها في موضوعة ( بوشكين في العراق ) , اذ ان مثل هذا التمثال موجود بمصر والمغرب  فقط في العالم العربي , وأشار الى ان المصادر الروسية حول هذا الحدث المتميّز وغير الاعتيادي مرتبكة وغير متناسقة وحتى متناقضة بعض الشئ , وان مقالتي بعنوان – ( قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد) توضّح كل هذا الارتباك وتجيب عن كل التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع , الا ان هذه المقالة غير مترجمة الى اللغة الروسية , وبالتالي, بقيت مجهولة للقارئ الروسي المهتم بهذا الحدث , واقترح عليّ ان اترجمها وانشرها بالروسية , فقلت له انني متفق معه بشأن ذلك , اذ ان التمثال النصفي لبوشكين في جامعة بغداد  دخل في دوّامة الصراع السياسي العراقي المعاصر واساليبه الملتوية و (غير النظيفة ! ) مع الاسف , الا ان ترجمة المقالة هذه من قبلي خطوة غير متواضعة , اذ  تبدو وكأنني اريد ان  امدح نفسي , او , ان افرض رأيّ , وهذه مسألة حساسة ومحرجة احاول طوال حياتي ان اتجنبها , فضحك صاحبي وذكّرني , ان امثال الشعوب كافة تقف ضد المبالغة في المواقف , وان تلك المبالغة تؤدي الى نتائج مضادة وعكّسية في كثير من الاحيان , وان عدم ترجمة هذه المقالة الى الروسية , بسبب هذا التواضع المبالغ فيه من قبلي, هو مثل واضح وصارخ لذلك, وقال انه ينتظر.

قلت لصاحبي بعدئذ , ان أحد العراقيين , وهو طالبي سابقا وزميلي في العمل بجامعة بغداد لاحقا , واسمه صفاء محمود علوان الجنابي قد أنجز في ثمانينات القرن الماضي اطروحة دكتوراه في كليّة الاداب بجامعة فارونش الروسية عنوانها – ( بوشكين في العراق ) , وانه جمع هناك  المصادر الاساسية  التي ظهرت في العراق آنذاك حول بوشكين وأشار اليها , وناقش افكارها واهدافها , و قلت له انها اطروحة متميّزة جدا  في مضمونها , واقترحت عليه ان يجدها , او , في الاقل ان يجد موجزها الموجود حتما في الارشيف الروسي للاطاريح , ويطلع عليه , وسيجد هناك اجابات  عن كل اسئلته , فشكرني على هذا المصدر المهم  والجديد بالنسبة له , ووعدني ان يحاول ايجاد هذا المصدر . وبالمناسبة , فانني أتوجه الى د. صفاء في ختام هذه المقالة , واقترح عليه ان يفكر بشكل جدّي بتنقيح اطروحته تلك , و ان يضيف اليها بعض المصادر التي استجدّت بشأن موضوعة بوشكين في العراق , ويقوم بنشرها بالعربية, وانا على ثقة تامة , ان مثل هذا الكتاب سيكون ناجحا ومفيدا وطريفا للقارئ العربي اولا , ولتعميق الموضوعة الروسية وبلورتها في مسيرة الادب المقارن ودراساته  في العراق والعالم العربي ايضا.

اظهر المزيد

أ.د ضياء نافع

مواليد بغداد 1941 • ماجستير في اللغة الروسية وآدابها 1965/ 1966 – الاتحاد السوفيتي ودكتوراه في الادب الروسي 1970 / 1971 – فرنسا. • رئيس فرع اللغة الروسية في كلية الآداب بجامعة بغداد من 1975 الى 1984 • رئيس قسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد 1989 – 1990 • معاون عميد كلية اللغات بجامعة بغداد 1993 الى 2003 • عميد كلية اللغات المنتخب 2003 – 2006 . • حاصل على درجة الاستاذية (بروفيسور) 1996. • مدير مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الحكومية الروسية 2006 – 2012. • عضو اتحاد الادباء والكتاب في العراق / عضو شرف في اتحاد ادباء روسيا. • رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر في بغداد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com