مقالات

حكايات جمعة المتنبي

شارع المتنبي ببغداد صومعة ليسار العراق

في حضورنا كل يوم جمعة صباحا لشارع المتنبي في بغداد، وفي صومعتنا الخاصة في قيصرية المصرف ( مقهى حافظ )، في ذلك الحضور الذي تحول الى تقليد ممتع، يضم جميع اطياف المجتمع العراقي ،وبروح متنورة

خالد سلطان

ليشكل شدة ورد عراقية زاهية الألوان قياسا الى عتمة الأجواء، وصخب الحياة البغدادية، يجري الحديث في كل الامور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمتاعب اليومية ليطغي عليها مسحة يسارية عراقية واضحة لكون غالبية الحضور من المحسوبين على اليسار العراقي او محبيهم واصدقائهم، او ممن لم يجد افضل منهم كأصدقاء على الساحة حتى وان كان مختلف معهم فكريا، وتضم شدة الورد تلك جميع الطبقات العراقية من الدكتور والاستاذ الجامعي والتاجر والمتقاعد … الى الكادح الذي لا يقرأ ويكتب ولكنه يعرف ماركس ولينين ويخوض في مصطلحاتهم ( البروليتاريا، الديالكتيك، راس المال، فائض القيمة  …الخ )  ولا تخلوا تلك الاحاديث من روح النكتة والمداعبة والمشاكسة، وكذلك المبالغة والتهويل في بعض الامور الثانوية، واللامبالاة والتهميش لأمور اخرى مهمة جدا، ولا تبتعد تلك الاحاديث عن الكفشات والغمزات الطائفية والمذهبية التي تطفح هنا وهناك في الشارع العراقي، وكثيرا ما ترتفع الاصوات وتتأزم الاجواء ولكنها نادرا ما تصل الى حد الشجار والخصام، ولأهمية تلك الاحاديث والتي تمثل نبض الشارع اليساري العراقي، انقل اليكم المهم منها، عسى ان تروق لكم .
اصحاب الأيادي البيضاء
في الحديث عن الشيوعيين ونزاهتهم ونظافتهم ذكر لنا احد الشيوعيين العراقيين من شيوعي  الخمسينات والستينات من القرن الماضي، موقف حصل له يشير الى مدى سمعة الشيوعيين ليس محليا فحسب وانما عالميا كونهم مناضلين وطنيين يتسمون بالنزاهة والاخلاص والامانة : في الثمانينات كنت موظفا في احد الدوائر الحكومية، ولكوني غير بعثي، وهنالك بعض المؤشرات الامنية السلبية حولي ( حسب لغة ذلك الزمان ) فقد تم استبعادي من الإفادات خوفا من هربي الى خارج العراق او طلبي للجوء السياسي للدولة التي اوفد اليها، في احدى الإفادات اصر المدير العام على ان اكون مرافقا له، لحاجته الماسة لي في موضوع الايفاد واعتماده علية في الكثير من الامور لما عرف عني من دقة ومثابرة والتزام ونزاهة ولإجادتي اللغة الانكليزية اجادة تامة، وعند مفاتحتي في الموضوع، عبرت له عن امتناني له، واخبرته وبشكل غير مباشر اني لا اصلح للإيفاد، حتى لا اضع الرجل في حرج مع الجهات الامنية، وتقديرا لموقفه معي، ولكنه اصر على الموضوع وتكفل هو بالحصول على الموافقات الأمنية والادارية، وحصلت فعلا، في اليابان، بلد الإيفاد، كنت ساعده الايمن في اللقاءات والمباحثات مع احدى الشركات اليابانية المختصة بموضوع إيفادنا، وبعد الانتهاء من مهمتنا على احسن وجه وبلائي الحسن فيها، دعاني مديري الى سهرة على حسابه الخاص، ولكنها سهرة من نوع خاص، الى احد اماكن ممارسة الجنس، المجازة صحيا ورسميا، لرغبته في مضاجعة امرأة يابانية، بعد ان جرب غالبية نساء العالم خلال سفراته السابقة، على حد قوله، فرفضت الموضوع جملتا وتفصيلا لعدم رغبتي في ذلك وابتعادي عن هكذا مجالات، وحاول صاحبي اقناعي وخصوصا بعد ان توطدت علاقتنا خلال تلك السفرة وزالت بعض الحواجز الرسمية بيننا، مشيرا الى انني ممكن ان ( افضحه ) بعد عودتنا للعراق بين الموظفين على فعلته تلك، فوعدته بعدم فعل ذلك، ولكنه لم يقتنع، وبعد جوله طويله من المساومات والضغوطات، اتفقنا على ان ارافقه الى المكان المقصود، دون ان افعل اي شيء ويقضي هو حاجته، ثم نكمل سهرتنا في احد المطاعم. في المكان المقصود اتفق صاحبي مع رجل الاستعلامات ودخل الى احدى الغرف وبقيت انا في صالة الاستعلامات بانتظار صاحبي، وتلك الحالة اثارة ريبة وفضول رجل الاستعلامات، فتقرب مني هامسا وبالإنكليزية، انه ممكن ان يجهز لي فتاة حسب اي مواصفات اطلبها ومضمونة صحيا 100% وبالسعر الذي يناسبني، فرفضت بشدة، فعاد الرجل الى مكتبه خائبا والحيرة على وجهه، بعد دقائق عاد الرجل لي ثانية، مبتسما وبعرض جديد كانه اكتشف معضلتي، قائلا: بإمكاني ان استدعي لك ولدا جميلا، فرفضت ونهرته بشدة، فعاد الرجل الى مكانه ثانية وبخيبة اكبر وحيرة اكثر، وقبل ان يخرج لي صاحبي سألني الرجل، هذه المرة من مكانه قائلا : هل انت شيوعي، فأجبته بالإشارة بنعم وبحذر، فابتسم الرجل وزالت حيرته واشار لي بعلامة (أوكي ــ o.k) وهذا يشير الى السمعة الجيدة للشيوعيين عالميا. الى هنا انتهت رواية صاحبي، وما ان سمعها احد الجلوس ومن الشيوعيين السابقين ايضا، انتفض صارخا وبعصبية، (عمي يا نزاهة، يا سمعة، يا ايادي بيضاء، انت تحجي على شيوعيين ايام زمان، عمي حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب، روح اسأل عن حرامي المصرف وحرامي الازياء العراقية، قبل ما تحجي سالفتك هاي … ) ثم ترك الشيوعي المنتفض مجلسنا معربدا بعدم الجلوس معنا ثانية، وتركنا في حيرة من أمرنا حول حرامي المصرف وحرامي الازياء .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com