ثقافة

بنية الإستهلال في الرواية العراقية بعد 2003

الوصف التمهيدي وتأريخ السرد

ان الاستهلال اهتمت به كل الاجناس الادبية من شعر الى قصة الى رواية ، وقديما سمي بالاستهلال ، وبعد ان تطورت اللغة الاصطلاحية في اطار منظومة النقد ، سمي مفتتحا او مدخلا او عتبة، وفي جنس الرواية اهتم مبدعو هذا الجنس بالاستهلال فهو اول مرحلة في المتن الروائي ، وان لم يستند عليه ذلك المتن استناد متميز فنيا وموضوعيا ، لابد ان المتن سيتخلخل، وسترتبك مشاهد الاحداث، وقد يضيع الخيط الاساس ، والذي وفق مساره تتحرك الرواية، وقيمة الاستهلال ليس فنية فقط ، فقد يكون مؤثرا في متعة التلقي العام، حيث يدفعه الى اما التامل او يدفعه الى الاندهاش الذي تدريجيا مع انفتاح افاق السرد سيتلاشى ، لكن ذلك الاندهاش له جدواه ،ومهم جدا ان يستدرج الاستهلال التلقي العضوي، وجماليا على وجه الخصوص، اضافة الى بعد المتعة، والافضل تلك التي تكون مرتبطة بالحس الادبي،

وللاستهلال وجوه منها ماهو عام ومنها ما هو خاص، وكذلك هناك ما هو مرتبط بضرورة فنية، واخر هو سياقي فقط ، وكونه مدخلا فأن للاستهلال اهميته في الرواية من جوانب عدة، فهو عتبة رصينة كما يجب ان يكون ، لكي من خلالها تمر الى المتن الروائي دون ارباك او ابهام، وكما هو كما يرى جان جانيت جهة او موجه ايحاء، ولابد من ذلك ، لان المتلقي سوف يواجه احداث متتالية دون اي تعريف بها او وجود ما يوحي اليها ، ان لم يوجد استهلال دال وموحي لتلك الاحداث، والرواية العراقية الجديدة توسعت مساحة الاستهلال او المدخل كما يسمى الان فيها، فتجد روايات تسخدم استهلال وصفي مثل رواية عبد الخالق الركابي (ليل علي بابا الحزين)

حيث تبدا الرواية بوصف زماني غير محدد،وقد بدات الرواية بفردة زمنية تبداها الشخصية المركزية مشيرة لفعل محدد وزمان غير محدد تماما، بل اشارت الى كينونته ( يوم عدت بأسرتي إلى بغداد عقب رحلة كابوسية إلى مدينة الأسلاف انتهت باعتقالي)، ورواية سلام عبود ( زهرة الرازقي) والتي فيها اخرج المؤلف حالة الأهداء من المألوف وسمته المعروفة، برغم وجود مهدى اليه عرف باسم محدد، فجعل الاهداء كمناصة وعتبة لاكثر من غاية، حيث اردف افقيا باسفل الاهداء، للتعريف ازاء حالة اعتدناها بالتعريف عن ان الرواية من الخيال وتشابه الاسماء وغيره هو محض مصادفة، لكنه اخرجها من المتعارف بعبارة  من صنع القدر الاعمى، وهو ايضا قد وضع عبارة رأسية تحيل الى تاريخ معين تعتلي مستهله ( صيف عام 1962 اليوم هو الخميس كم احب ايام الخميس فهي تأتي قبل يوم العطلة الاسبوعية)، وطبعا هذا صوت الراوي يصف لنا حبه ليوم الخميس ،ورواية (اونسام كاميل) لاسعد اللامي , والصف مرتبط بالزمان حيث ان اول جملة فيها هي ( في سنوات طفولتي البعيدة)

ورواية حسن مطلك دابادا وفي مقصد معتبرا فيه طبعتها الجديدة، وهي استهلالها يصف زمان ايضا لكن هنا يرتبط بفصل الخريف (بحلول الخريف حيث تجاهد الاشجارللتخلص من اوراقها الميتة)، وهنا الوصف رمزي اكثر مما هو اشاري، ومرتضى كزار في رواية (السيد اصغر اكبر)، حيث الوصف الاستدلالي اشاري فتبدا الرواية بضمير( نحن معينة ونظمة وواحدية بنات اليسد، ورواية ( الفئران) لحميد العقابي تتحدث عن ملامح تتبدل واصفة ذلك التبدل ( الوجوه هنا تتغير باستمرارتاتي نضرة لكن سرعان ما تتغير، وهنا توجد صفة دلالية في الوصف، ورواية طه جامد الشبيب (وديعة ابرام) ، حيث تبدا بمدخل تنطبق عليه سمة استهلال تام، وكما انه امتازبلغة عابرة، جعلته ان يتصف بأنه ارسطي (الدولاب يلف بالاولاد وهم متشبثون بمقاعدهم يتضاحكون تنحدر م الدنيا تارةً حتى لا يكادون يمسون الارض بسيقانهم المتدلية وتارة تصعد بهم شاهقةً فكأنها تقذفهم الى حضن السماء ) ، ورواية ضياء جبيلي( تذكار الجنرال مود)

فهي تصف بعدا تاريخيا في استهلالها، وبذلك يكون المدخل ليس بضيق الافق، حيث الوصف يتناول وفاة جد شخصية داخل المتن الروائي ( توفي السيد ” انقلاب” جد كريم عبد الواحد عن عمر ناهز الثانية والتسعين)، وبما المدخل وصفي لم يشر الراوي الى تحديد العمر بل استخدم مفردة بينية، وعبد الزهرة علي في رواية (اوراق سيدة الشجر)، حيث المكان مادة الوصف ( تلقفتهما الشوارع الخالية وهما تهرولان )ونصيف فلك في رواية (خضر قد والعصر الزيتوني)، حيث يبدا الاستهلال او المخل على طريقة تيار الوعي، ويشير فيه كراوي الى جمع او الكل بتساؤل بصري ( هل ترون هذا المنفلت من زمانه ومكانه وهو يشد (قيطان) حذائه في ساحة الميدان)، وقد استخدم مفردة بصيغة العامية كي تبدو بقوة دلالتها، وحميد المختار في رواية (صحراء نيسابور)

حيث الاستهلال يشير الى امر معين حصل بحدوث حالة فونيمية وهي رنين الهاتف كما يدل تعريفيا على المكان، ( بدا الامرحين رن الهاتف بغرفتي)، واسعد الهلالي في رواية (يوميات غياب الندى) ، حيث يصف الراوي حركة سردية ترتبط بالطائرة ، وكما يصف لنا لونها اشاريا، (هدرت محركات الطائرة الفضية ) ، وتقريبا الجملة بمثابة موجه لعملية اوسع، ورواية (كاشان) لخالد الوادي تبدا الرواية المدخل الاستهلالي بعنوان ثانوي يشير الى مخاض ويؤكد صعوبته، وهذا طبعا قد يثير استفسار القارى ويقربه من المتن الروائي، وجمل الاستهلال تقنيا فيها تقطيع ونقاط، فيبدا الاستهلال بجملة وجدانية، ( كان انيني منتحبا هذه الليلة اكثر من اي وقت) ومن ثم تتلو تلك الجملة نقاط تؤكد ايقاعهان وبعد ذلك تاتي جملة وصفية اخرى تشير الى ذات الامر، لكنها اكثر حدة وقلقا، (اوصالي تتقطع بل تتشتت)

ثم ينتهي الاستهلال الى الاشارة الى مديات الالم. ورواية (بيتهوفن يعزف للغرباء) لفاتن الجابري، والوصف يشير الى الزمان ، ( افقت افقت في ذلك الصباح الشتائي اترنح من صداع) ، وصراحة اكتظ الوصف بعدة جوانب منها زمانية في الاستفاقة والصباح، وفعل الترنح والاشارة الى الصداع، كان يمكن التدرج بعتبة استهلالية تنتج عتبة اخرى ، وهذا افضل في اطار ضمان التلقي الموضوعي، وسعد سعيد في رواية (الدومينو)، حيث يكون الاستلال يبدا بصيغة سؤال، والسؤال تقريبا خالي من الاجابة ، لكن الراوي احله لبعد اجتماعي( كم هو غريب الانسان ) ، وحميد الربيعي في رواية (جدد موته مرتين)، حيث تبدا بسؤال انيب فيه عن الراوي، لكن الاجابة كانت صادمة بيد ان صدمتها ايجابيا كانت ، واستخدم الروائي تكنيك جيد ، حين اجابت السخصية بتلقائية عن وظيفتها الشاذة، وكذلك انتج عتبة وصف اخرى بعد عتبة فنية تقريبا (حين سئل عن وظيفته رد بتلقائية)، ورواية (قتلة )لضياء الخالدي ايضا تشير الى وحدة الزمان ( الليل ممطر في بغداد وزوجتي تحدق من خلال النافذة) واهنا العتبة الاولى مرتبطة بوحدة الزمان ، والثانية مرتبطة بفعل المشاهدة البصري ، اوليا انتقل الوصف من العتبة الاولى الى الثانية،ورواية حافة التيه وهي القسم الاول من (ثلاثية شيكاغو) لمحمود سعيد ، نجد الراوي يصف نيابة عن الشخصية الفعل السردي الذي شكل عتبة او مدخل للمتن(ما ان سلمها الحهل خمسين دولارا حتى انطلق مبتعدا)، والاشارة هنا رقمية من جهة ودلالية من اخرى

فهي تشير الى رقم العملة وتدل على البلد ايضا وتؤكد ايحاء العنوان الاساس، وكاظم الاحمدي في رواية ( قصر الالزماني) وهي برمزية نسبية وغموض ليس كابوسيا، بل على العكس يشدك الى التفكير والتأمل، وهي تبدأ مباشرة دون أي مفتتح خارجي، وهي قد كتبت قبل اوان نشرها بفترة طويلة، لذا التزمت الرمزية والغموض النوعيين (وانا الذي ملأ الفراغات والفصول, بالعجائب فلا حدود فيها لمعارج الوصول, وكل الانثيالات فيها للأصوات ولاضواء تلك هي تنبعث منها اخيلة ورؤى )، وبداية اشير الى اللغة الروائية الرمزية والتي تتداخل احيانا بالنثر الشعري، وهناك مساحة ذاتية كان فيها الكاتب يروي من داخل الرواية، وايناس البدران في رواية (بنات السلطان) ، حيث تبدا الرواية بفضل مرقم ومعنون

وبدات الاستهلال او المدخل او العتبة بنفي ، ولكن بجملة فعلية وهذا افضل ( لم يبق الكثيرمن حكاياها وما تبقى لايتعدى رماد ايام )، وقد اشارت الى عنوان الفصل بالمفردتين الاخيرتين لكن دون ال التعريف، وكذلك رواية منذر عبد الحر (طقوس الالم )، هي تبدا بوصف زماني ( انسابت خيوط الفجر خجولة ) , وكان عليه استخدام كلمة اليق من خجولة لانها ذات ايقاع قصصي وهي حسية ايضا, والوصف يحتاج الى وضوح وتواصل وتعريف واشارة على الغالب، وسعد محمد رحيم في روايته (ترنيمة امراة)، وكما في الكثير من الروايات العربية هناك اهداء، ومن ثم يكون الفصل الاول المعنون بعنوان اشاري، ويقوم الاستهلال مباشرة بالاحالة الى العنوان لكن دون ابداء تفاصيل تامة، وهذا مهم كي لايفقد العنوان تاثيره في الاشارة, والتي يجب ان تكون خالية من التفاصيل( تعرفت عليها في سواحل سوسة في تونس)، والاستهلال مكاني السمة والزمان ارتبط ببعد المكان وطبيعته، اي يعني الزمن نهارا، على اعتبار ان تلك المدينة ساحلية وتقع على البحر

وعادة يلتقي الغرباء ويتعرف البعض على البعض في النهار،وفي رواية (الراقصة )لشاكر الانباري، تبدا عملية وصف فعل بملامح جدث، حيث تجلب رفاة ، والتي لم يشر لها الروائي مباشرة ، فكانت بدايته في المدخل المباشر توحي بفعل جلب الرفاة(جلبوه الى منطقة الشيخ محي الدين ، الراقدة في ظل جبل قاسيون)،وكذلك رواية لطفية الدليمي ( حياة حديقة ) تمثل ادبا نسويا نسويا منذ الاستهلال، حيث العنوان الاساس يشير الى مفردتين انثويتين ، كلاهما يدل على معنى حياتي، فحديقة تدل على النماء واسم حياة له مدلولاته الواضحة في الدلالة على المعنى الوجودي للحياة ،( تعرف المرأتان ان لاسبيل الى التراجع،فقد قالت الحياة حكمتها ورضخ القلب)، والاستهلال ينقسم هنا الى قسمين كلاهما ايقوني وليس عضويا، فادراك المرأتين وجداني وهما ايقونتاه، وكذلك الحياة هي ايقونة ما فرضته من فعل غير مرئي، ورواية ( الجنائن المغلقة) لبرهان الخطيب، والتي ذات ميزة شكلية ، حيث هي بجزئين، وذلك ما يجعلها تدرج اضافة الى رواية محمود سعيد في اعمل ذات اجزاء.

تاريخ الرواية

وهذا طبعا يعيدنا الى منطقة معينة من تاريخ الرواية ازدهر فيها هذا النمط من التاليف، وايضا هناك اشارة من المؤلف هي اهداء لكنه يرتبط بذكرى وليس مباشرا ، ( اهتمت المدينة ووسائل الاعلام السويدية والاجنبية بالجريمة المروعة اياما عديدة) والاستهلال فيه عدة اشارات منها الى امكنة واخرى زمانية، وايضا تميز في عدم البوح المباشر بابعاد الجريمة المروعة اجمالا، كي يتيح للسرد التوسع في ذلك وخلق تشابك الاحداث ان كان ضروريا، ورواية (طوفان صدفي)لسعدي عوض الزيدي، والتي هي بعنوان لايشير الا عبر رمزيته، لكنه عنوان ادبي في بلاغتهن اي يمكن ان يكون عنوان لقصة قصيرة او قصيدة، وهذا طبعا ليس قصورا، بل العكس ان رمزيته عميقة المضمون، وبذلك يمكن لها ان تتيح له يفعل التاويل

ويبدا الفصل الاول بعنوان يشير الى تعدد الطوفان ، فبدات الرواية بالطوفان الاول، وباشارة من الكاتب حيال مضمون مفردة طوفان التاريخي المستعاد والمبرر للزمن ( في المدينة التي نقطنها مكث الجلائريون، في سنة ما)وهناك وحدات مكانية في الاستهلال وزمانية ، وحسنا كانت الاشارة له موجزة وادبية ، كي تتجنب الرواية سمة التدوين، ورواية (بين الماسة والفحام) لخالد ناجي ناصر، وهي تتميز بعنوان فيه بعد تاريخي، لكن الكاتب مؤكد له مقصد يتوضح في المتن الروائي، وايضا يبدا باهداءلكنه بصيغة تهجد وعبرة، ويتبدا الرواية كما في اغلب الروايات العراقية الجديدة بعنوان داخلي اول تليه عناوين اخرى منفصلة كليا عنه الا في التسلسل( شيء ما يربك حركة الشارع العام، بعض السيارات تعود ادراجها عكس اتجاه السير)، والاستهلال يبدا بمجرد ومنه ينطلق للفعل السردي الموصوف، لكن الزمان مضمر، او هو مرتبط بشخصية الراوي

ورواية سالم حميد ( تل الرؤوس)، التي تبدا باحداث جسام مباشرة بعد الاستهلال الوصفي التعبيري الطابع وليس بأشاري، ولم يمهل سالم حميد تشابك الاحداث كثيرا، لان استهلاله ليس نمطيا يشير لتلك الاحداث ، بل كان تعبيرا معنويا لها (مثلما تنفجر الفقاعات الملونة، التي تخلف فراغا غريبا في الذهن، وتتلاشى صورها الغريبة كانت الكلمات تفجر في خياله)، وبعد عدة جمل من هذا النمط بتدا الاحداث بمواجه بين شخص يجهل ذنبه وبين رجال الشرطة، ورواية (ارصفة الجحيم ) لصالح مطروح السويعدي تاخذ ذات المنحى وتبدا مباشرة، لكن هناك مقدمة نقدية كتبت عنها يمكن اعتبارها عتبة خارجية، وهي تبدا بوصف لتجمع الغيوم اشاري ورمزي بذات الوقت (اخذت الغيوم تتجمع لتقيم وجودها وسط سماء رمادية متجهمة قابضة للنفس فيما استكانت تحتها المدينة حيث بدت كئيبة وموحشة وحزينة ).

بعد رمزي

وهناك مستويان كل منهما رمزيته بائنة ، فالسماء متجهمة والمدينة كئيبة، ويتقابلان بذات البعد الرمزي رغم اختلاف المفردات الدالة عليه، ورواية تحسين كرمياني (حكايتي مع رأس مقطوع ) تبدأ مباشرة بوصف حالة اجتماعية مستحدثة في كيان اسرة الشخصية الراوية ( بعد حصولنا على مركبة خصوصية، وضعنا انا وزوجتي برنامجا ترفيهيا كي ندفن ضيم سنوات الجوع، قررنا في نهاية كل شهر بعدما تمتلىء جيوبنا بالمعاش، أن نستمتع بسفرة سياحية قصيرة )، وهناك ثلاثة مستويات في الاستهلال المعهود، الاول يرتبط بالتغير العضوي الذي تمثل بالسيارة، والثاني يرتبط بالذاكرة وصفة الماضي، والثالث اقتصادي يتمثل بالتغير وتحسن الوضع المادي ، أي ان الرواية اختزلت الماضي المرير بتعبير قصير عنه، ولم يشر لنا الروائي بما يلي من احداث، لان هناك مفاجاة اشار اليها عنوان الرواية، واجتهدت رغد السهيل في روايتها الأولى ( احببت حمارا)

حيث هناك مستوى تقني غير التوصيف التقليدي لالية الكتابة الروائية التقليدية، حيث واكبت تطور الوعي الروائي فطان هناك مناصصات تسبق المستهل الحرفي للرواية، فكان اول مواجهة لنا فيزياويا مع الرواية، هي مقولة لفريجينيا وولف، ثم اعقبتها بمناصة اخرى من القصائد السومرية، بعدها دلفت الى مستهل روايتها المثيرة واجهتها العنوانية للسخرية، وتؤكد ذلك في اول جملة استهلالية( احببت حمارا،.. هذا ما قلته للجنة التحقيقية، وما اكدته لهم في مشفى الأمراض العقلية ايضا، وهو كل الحقيقة ولم اكذب) والملفت للنظر إن العنونة قد تكررت مرتين، الاولى بسمتها الطبيعية والاخرى اردفت في مستهل مدخلها الأساس للرواية، وقدمت انعام كجه جي في روايتها ( سواقي القلوب ) بعدا فلسفيا للمدخل الموصوف، وهو شديد الخلاف والحساسية، فهي تستعير منى ببلاغة فلسفية لتدخل به لروايتها(أي احمق ، جلف القلب، ذلك الذي قررأن الرجال لايبكون؟)، ومدخلها يتسع الى متن بعيد عن التصور، حيث السؤال لايرتبط بضفة واقعية، وهو ايضا ليس يافتراضي رغم ما يبديه من افتراض فلسفي،  وراسم قاسم بروايته (شمدين ) والتي يدخل بنا مباشرة الى مستهلهابعد عبارة راسيه رقم به الفصل الاول(امام قرية رشتي التي كانت تغفو في سهل جبل سنجارشمال مدينة الموصل ، ثلاثة اشخاص جميعهم اموات ) ،وحميد الربيعي في روايته ( احمر حانة )

اشتغل ابتداء على وفق حيثيات ما بعد الحداثة، حيث تعددت مداخل روايته لأكثر من التصور العام،  فقدم لنا اربعة مداخل ولم يكتف بهذا الحد التقني الابتكاري، فاضاف ما اسماه – مخرج 1 – والذي به ببعد شاقولي خرج من متن التاريخ الى متن الواقع اذا استثنيا الجملة الرأسية التي تسبق المستهل- لو ترك القطا ليلا لنام – حيث تبدأ سمة واقع النص  من جملة (اعيد تمثال ابي نؤاس الى الشارع بعدما انتهت الحرب الثالثة بسنوات) وهو هنا عاد من داخل مستهله الى متن التاريخ، وتجربة الفن الاستهلالي في هذه الرواية توقفنا على ناصية التفكير بها، حيث هناك جهد تقني حيوي وملفت للنظر، ويستحق الأشادة بالسعي الجمالي فيه، وقدم وارد بدر السالم في تجربته الروائية برواية ( الحلوة ) مدخل اول خارجي ومن ثم تلاه اخر، وكان الاول مقولة بصيغة سؤال لجلال الدين الرومي، واما الثاني فخلف القاعدة واعتلاه عنونة، ليكون بالتالي ليس مناصة، بل هو نص مفترض خارج التوصيف، ومن ثم يستهل مدخل الرواية الاساس بعنونة عليا عنونة داخلية متعددة الارقام، ومن ثم تحتها وصف مرقم( 1- يسمونني الحلوة 2- ويصفونني بذات الرائحة الفريدة)، وتلك صيغة مستحدثة ومتفردة في بنية الاستهلال الروائي، واختار شهيد افقا حسيا في استهلاله بروايته ( سارق العمامة ) حيث اخرج المدخل من صفته الواقعية الى معنى حساس لايلتقي مع الصفة التقليدية لشكل الوجود، حيث أن( في احدى زارني الله)

وهنا يتداخل المجرد مع الفيزياوي، لكن ليس بلقاء تعارضي، وأن لوح بخلق جدل افلاطوني، وفي رواية ( صورة جانبية للخريف) قدم حسين محمد شريف بعدا تقنيا ابتكاريا، فبدا استهلاله بإهداء غير معين لشخص بل لبعد تاريخي، ثم قدم مدخلا مفترضا قبل  فصل البداية المرقم بتسميته – مفتتح اولي – وعمل على جعله مدخلا افتراضيا يخص الراوي وليس السارد، وبه ابتدأ(على مسافة غير بعيدة كثيرا عن ضريح ابيه المتوفي قبل عقدين، وقف بنحو يثير الشفقة حد الملل يراقب جثمان امه)، ويتداخل التاريخ بالواقع في مستهله بشكل موصوف بدقة، حيث توافقت الانية التي تزارى فيها امه الثرى بالمدة الزمنية لدفن ابيه، وعبد الكريم العبيدي فر رواية ( كم اكره القرن العشرين )، قدم قبل المدخل صيغة اهداء التي يراها جان جانيت من الوحدات النصية الثانوية، والتي هي قد تثير تفكير المتلقي برهة، ثم دخل الى الوصف الأستهلالي عبر مدخل مفترضكان قد نقط كل ما ورد فيه(في ربيع 2004رنين اعظم مكالمة لا تنسى من هاتفي المحمول)

وثمة بعد تاريخي اولي يعقبه بعد حسي موصوف لحال الراوي،. هناك روايات اخرى كان فيه الاستهلال وصفيا اما ان يشير او يوحي، وهناك استهلال فني قد تكون رواية شاكر نوري (خاتون بغداد) الفائزة بجائزة عربية، والتي هي تندرج مع روايات اخرى في خانة الاستهلال الوصفي، حيث يبدا التلاقي الفيزياوي مع الرواية بدءا من خلال مفترض ادخالي خارجي/ داخلي سبقه اهداء لم يبتعدعن المتعارف بعيدا،،وكذلك اكد وجهة المهدى اليه وعينه، والمدخل الخارجي كان مجموعة اقوال رتبت راسيا، ثلاث منها خارجية هي لعالم الاجتماع البنيوي شتراوس، وللروائي اوسكار وايلد، واخير اوسع من سابقيه، كان للروائي الجيكي ميلان كونديرا، ومن ثم يلي تلك المقولات الخارجية مقولة تعتبر داخلية كونها مرتبطة بالشخصية المحورية للرواية – مس بيل – ثم يعقب ذلك المدخل المركب مدخل اخر، هو بصفة اشارية لتاريخ معين، لكن رسم ولم يكتب، فاتخذ شكلا خلصه من الصفة التقليدية، ثم يستهل الروائي مستهل المسبوق بعنونة تفصيلية ( مرت مئة عام ، هذه الدورة المخيفة من الزمن على دخول الانسة الانجليزية، بحذائها ذي الكعب العالي وقبعتها العريضة وازيائها الباريسية ومشيتها المتبخترة)، وطبعا هناك متن تاريخي تلاه مقطع وصف خارجي فقط.

تطوير وظيفة

ان انت بدات استهلالك بفعل سردي وهنا ربطت القارى مباشرة بزمن الحدث العام وسوف لن تثيره المستجدات.ولابد هنا ان الروائي يسال ما العمل اذن؟ ، وطبعا مقصدنا هنا ليس الزاميا ، لكن نرى فيه اهمية في تطوير وظيفة السرد او مساحته. امر ممتاز ان نتعلم الافضل ونفرق بين الوصف والسرد، وعليك ان تتيح للوصف مساحة تامة تقريبا عند البدء بكتابة عتبة الرواية تميزه عن السرد، ويتدفق الوصف متغلغلا في ثنايا الاستهلال الى اخر حد، والقارى هنا سيتامل دون زمن يحدده ، ومن ثم يبدا التتابع السردي ، والوصف ايقوني يرتبط بموضوعات فيما السرد عضوي ويقوم باعادة التتابع الزمني للاحداث والافعال ، والروائي لايسرد لنا السماء او عربات القطار الداخلية ، وانما يسرد لنا مكافحة الشخصية المطر المتدفق بالتحريك السريع نحو مكان عازل , ونظرة الباحث في ثنايا المكان هو وصف، ويرى جيرار جينيت ان الوصف الخالي من اي عنصر سردي هو افضل من العكس، وهناك وصف خارجي هو وصف المظاهر، ووصف داخلي ، ويلعب الوصف دور مهم في دعم ايقاع الرواية، واطالة الوصف قد تؤثر على ذلك الايقاع سلبا بل على مجمل الافعال، مثلما ثؤثر كثرة الحوارحيث تنعدم الحركة ويضيق افق المتن السردي ومقطع الوصف، وعكس ذلك يتسع المتن الحكائي، ويرتبط البعد الاستاطيقي بالوصف ، فكلما كان ادق وارشق واوضح زادت الذائقة، وبعكس ذلك تقل وتبهت، و فيجب أن يكون هناك انسجام بين التعابير الوصفية ، واهم تلك التعابير هو الملفت للنظر، والوصف الرمزي العميق باستمرار هو سيى ولا يليق الا بالقصة القصيرة، والوصف الواضح والذي يجعل المظاهر ملفته للنظر ومثيرة ومدعاة لتامل، هو الارجح والافضل والاهم ، وهذا مقطع من رواية البؤساء لدخول جان فال جان للمدينة (نظروا إلى هذا المسافر في ضرب من القلق.

فقد كان من العسير أن تقع العين على عابر سبيل ذي مظهر أشد بؤسا )، واعتقد بلغنا مرحلة لاباس بها، في تأكيد قيمة المدخل واهمية ان يستهل به ، وفق ما يكسب ما تبقى او مايلي قيمة وقوة ، وتاكيد وجود اهمية متعددة المناحي، وكثيرة التفسيرات، وتشتمل على تأويلات مثيرة جدلا، وطبيعي ان للمخل نكهة واعتبار وقيمة نوعية ، وهذا ما يتيح له جعل ما يليه يحمل نفس السمات .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com