مقالات

خرائط المعنى أم خرائط عشق ؟

العشق البياني أكثر سلطة على المعاني

يعتبر الشاعر هشام عبد الكريم من شعراء الموصل المعاصرين لمراحل زمنية وتجارب الثمانينات بصورة وأشكال وخرائط قد تكون مألوفة ومنفتحة ومؤثرة لكن يبقى غموضها في النص الشعري لتغدو مصدر إثراء وإغراء حتى لو تناغم مع الشعر الحديث وطرق أبوابها ومجاهلها وعوالمها وبحورها وضجيجها ومأساتها وغربتها تبقى كلماته هاشمية متزنة تشع بطاقة صورية شعرية إنسانية بلغة جميلة بسيطة عفوية ممتعة تلمس شغاف القلب وتثير المشاعر ، علاقته مع الشعر تضم خرائط المعنى وخرائط عشق من دلالات ورموز وصور شعرية تنبع من عمق تجاربه اليومية ، تحاكي الإحساس والفكر والوعي والإدراك ، الخطوط البيانية الشعرية تظهر في ينابيع جبلية وشلال هادر ونخل باسق ونهر جاري تستقر على ورقة بيضاء بنقاء وصفاء وصدق وبهاء وبراءة عشق ووفاء ، كريما جادا في الشعر والحياة شفافا بنرجسية حماها صادقة بلا غلو بلا كبرياء ، إخلاصه في الشعر ، صورة لإخلاصه للأعماق ، للضمير ، للإحساس ، للإبداع ، كما هي مع همومه وأحزانه وأفراحه بلا إطارات مظلمة وتوظيف ثقيل على الروح والفكر والقلب وبلا ضباب لغوي ، بلا تجمع صوري رمادي ضبابي ، يخرج الشعر من بحره الإنساني ، المجموعة الشعرية ( خرائط  المعنى ) نصوص شعرية لمعاني ومضامين وعلاقات يفسرها عشقا ، والعشق مضامينه ومعانيه مكشوفة تتلاءم مع نبضات القلب والمشاعر والإحساس والفكر وتستقر في محراب الروح ، تبدأ مجموعته بالإهداء ( إلى الموصل وهي تطلع من خاصرة الزمن ) خاصرة الجراح والمأساة والمعاناة والهزائم الإنسانية ، هناك صورة من التلاحم بين المكان والزمان ، وتجسيد لهويته المكانية التي تعتبر دلالة ضمنية لولادة ذات الشاعر ، يوحي بصور الموصل عبر الزمن فقد مرت هذه المدينة التاريخية العريقة بنكبات وأزمات وانكسارات واحتلال مبرمج في ظل فساد الإدارة وفساد السياسة واحتلالها من الأغراب ، الذي جعل الشاعر يغترب عن مدينته إلى بغداد تاركا أمكنة بيئته طفولته شبابه ذكرياته الجميلة بين الفكر المتقد بالحياة وبين أيدي الخراب والدمار العصري ، محملا في ذاته التوأم الروحي والمكاني الذي يمد الإنسان بطاقة تكمل أجزاء بنيته الوجودية الفكرية الإبداعية ، أسلوب الشاعر هشام عبد الكريم بين خرائط المعنى والعشق تتجلى بنثر كلماته حينا وبتفاعل في ظل التفعيلة ، يجسد في خرائطه عشق المكان الوطن المرأة والحلم والغربة والمعاناة والأمل والألم والانهيار والهزيمة والانكسار وتساؤلات في ظل الوجود واللا وجود ، الواقع واللا واقع ، فتحمل نصوصه الشعرية طاقة خلاقة فاعلة بتعبير متجانس مع الحياة ومع ذات الشاعر بصورة شفافة موحية بين البساطة والرقة  وتحس بمتعة مشحونة بالحب والأمل والجمال والحياة .

( حين مشيت  . . تلفت الجسد باحثا عن قلبي الذي هرب مني إليك ) .

البحث عن مكان بيان عشقي يرسم خلاله دلالات شاعرية مباشرة بين ( الأنا والمكان ) معنى عشقي راسخ في الروح والفكر والذات  ، حركة الجسد والقلب يحرك سكون المكان ، وفي معاني عشق النهايات والبدايات التي ترسل بعاطفة مؤلمة يستحضر كننها ، مصيرها الغائب ويوظف الفعل بتساؤل عن بداية الخراب والدمار ونهاية الأشياء والأمكنة الحزينة ( ماذا نفعل ؟ ) تساؤل الذكريات والأزمنة تساؤل بياني للعشق والعودة إلى الحياة .

( كل الأمكنة تفقد بريقها حين تكون خالية منك  . . النهايات واقفة والبدايات تجرجرنا إليها ماذا نفعل ؟ ) .

وفي صور صوفية بتركيبة حسية لغوية صوتية يستمر البحث في دوامة العشق الدلالي لإيجاد المعنى النقي والمضمون دون تكلف في الرموز بل محاولة لمسك البيان التعبيري للوصول إلى العشق الحقيقي بصيغة الحوار الذي يمنح النص حركة حسية وخيالية خلاقة .

( شرعت في البحث عن أميرتي الحالمة فإذا بها تطلع من قاع البحر وتلوح لي !

أنا هنا يا حبيبي لا تعجب فقد حللت في بدنك

أنا صوفية الهوى فلا تبحث عني في هذه الجزيرة وتنسى جزيرة روحك يا حبيب ) .

يبقى البحث البياني عشقا تتصاعد وترته بدلالة البحث والكشف عن المكان إن كان المكان قلب الوطن ، قلب المرأة ، قلب المدينة ، وهذه العاطفة الجياشة لذات الشاعر المتعبة المحملة بجعبة الآلام والأحزان والأحلام والاغتراب بما يحيطها من انكسار فعلي وهزيمة فكرية وخراب متجلي ودمار إنساني ، البحث يجسد الخلاص ، الأمان ، الحب ، السلام ، لا لسعادة آنية بل للامان الروحي الذي يسمو فيه الجمال والحب والإبداع وكرامة وعزة الإنسان وهذا العشق البياني أكثر سلطة على المعاني ، ويبقى المكان مصدرا أزليا يبحث عنه الإنسان ليتحدان مع الزمان برقي وعشق وسلام وأمان فكري وروحي نحو التطلع لحياة أفضل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هشام عبد الكريم جمعة

الولادة : الموصل 1957 م

دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي

عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب

عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين

عضو نقابة الفنانين العراقيين

نشرت قصائده في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية.

له في الشعر :

موسيقى لردم الحزن ، شعر ، الشؤون الثقافية العامة ، بغداد .

بلقيس تبحث عن سبأ ، شعر ، الموصل ، دار الشهيد .

قريب .. بعيدون ، شعر ، الموصل ، إصدارات نون .

لا أحد ينتظر القادمين ، شعر ، دار الديار .

ليل أطول ، شعر ، الموصل ، ديار الديار .

له في التاريخ :

الحنيفية والأحناف عند العرب ، دار الموسوعات العربية ، بيروت.

مجموعة بحوث تاريخية نشرت في بعض المجلات .

له في المسرح :

حجارة عبد الله . أخرجها راكان العلاف .

للطيور أجنحة من ذهب ، أخرجها ربيع عبد الواحد .

المحتال ، أخرجها الفنان عبد الرزاق إبراهيم .

الذئب ، أخرجها الفنان ربيع عبد الواحد .

كلكامش هاربا ، ربما حين يجيء ،النفق ، وادي الأحلام .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : كتاب خرائط المعنى ، شعر هشام عبد الكريم ، رقم الإيداع  7492 لسنة 2016 م بغداد .

  بقلم الكاتب

عصمت شاهين دوسكي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com