مقالات

من ملامح الأدب الروسي في النصف الثاني من القرن العشرين

يجلب كل عصر معه مفاهيمه ومصطلحاته الأدبية. فقد ظهرت في الأدب الروسي في القرن  التاسع عشر على سبيل المثال مفاهيم: ″الرومانسية″ ، ″الإنسان المعدم″ ، ″اتباع الاتجاه السلافي واتباع الغرب″ ، ″النهليون″وأدب الانحطاط″.

اما المفاهيم التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين فهي : ″ذوبان الجليد″و″الستينيون″ ، ″القرويون″ و″المدرسة المسكوفية″ و″ما بعد الحداثة″ ان كل واحد من هذه المصطلحات هوظاهرة خاصة بعينها لكن بإمكاننا أن نستعملها علامات فارقة تفصل مراحل الحياة الأدبية للنصف الثاني من القرن العشرين.

ظهر مصطلح ″ذوبان الجليد″ و″الستينيون″ بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي (عام 1956) ، اذ ان الأمين العام للحزب نكيتا خروشيف سياسة ستالين وعبادة شخصيته ، الأمر الذي أدى الى تخفيف حدة الرقابة الايديولوجية. وسُميت تلك المدة  بحقبة ″ذوبان الجليد″ وتميزت بالحرية وانتشار الشعر الشبابي الذي صدح في الطرقات والساحات العامة والملاعب داعياً آلاف المستمعين لتحطيم القيود وانعاش الحياة وجرى التجديد في الشعر واتسع نطاق استعمال المفردات الغريبة,  لكن كل ذلك لم يخرج عن اطر الفكر السوفيتي.

وأطلق على هذا الشعر أسم ″الشعر الطليعي″ وكان أشهر من صدحت حناجرهم به يفغيني يفتوشينكو واندريهفور نيسينسكي واطلق عليهم لقب ″الستينين″ لأن قمة مجدهم كانت في حقبة الستينيات. أما اشهر كتاب النثر الشبابي الستينيين فهوفاسيلياكسينوف الذي اخذ من الشعر موضوع التخلص من الأفكار السابقة .

واشتهر بقصته ″الزملاء″ (1960) التي نشرت في مجلة ″الشباب″ الشهيرة في ذلك الوقت ، وتم إخراجها في السينما فيما بعد , كان أبطاله حقاً من رجال ″الحرية الجديدة″ الذين تميزوا بالانحلال والسذاجة والسخرية. وقد اصدر الكاتب بعد ذلك مجموعة قصص قصيرة بعنوان ″تغير نمط الحياة″ (1961) وقصة ″تذكرة النجوم″ (1961) و″برتقال من المغرب″ (1963).

كانت قصة “الروافع” (1956) للكتب والشاعر الكساندرياشين من اهم الأعمال الأدبية التي كسرت حاجز الصمت ومهدت الطريق لعصر “ذوبان الجليد” تدور القصة حول اجتماع في احد المزارع الجماعي , يتحدث المدعون للاجتماع قبل انعقاده ضد الواقع الذي يعيشونه وينتقدون ذلك الواقع ,لكنهم أثناء الاجتماع يثنون على ذلك الواقع الذي أدانوه قبل اجتماعهم.

وعلى تلك الخطى سار فتى مسكوفيهو”يوريكازاكوف” الذي اهتم بالأفكار المسيحية وبما هوقديم والذي تعرض الى هجمة شرسة من جانب النقاد جرّاء تمجيده للماضي وإعجابه الشديد بالأديب المهاجر إيفان بونين ومحاكاته له في إحياء فن القصة القصيرة الروسية على طريقة بونين ,  وقد تأثر كازاكوف كذلك بالكاتب الروائي الامريكي همنغواي″ليس أسلوبياً فقط بل أخلاقياً″ على حد قوله ، وربما لهذا أبدع في وصف رحلات المغامرات في الشمال الروسي وسط الطبيعة البرية والحياة البحرية القاسية التي كرس لها مجموعاته القصصية ″اسرارنكيشكين″ ، ″بوموركا″، ″أركتور– كلب السباق″ ، ″الصيحات العالية″، وغيرها من القصص إضافة الى كتاب ″يوميات الشمال″.

تميز كازاكوف عن غيره من الأدباء الستينيين بأنه لم يعالج قضايا الساعة الملحة بل رأى ان الفنان الحقيقي يجب ان يهتم بالقضايا الخالدة فقط ، وقد عالج مسألة الخلود في قصص ″الشمعة″ و″رأيتك تبكي في المنام بحرقة″ ورغم أنه لم يعش طويلاً (عاش 55 عاماً فقط) لكن أثره بقي في الأدب ثابتاً باعتباره أستاذاً للقصة القصيرة النفسية.

اطلق النقاد تسمية ″القرويين″ في نهاية الستينيات على الكتاب الذين أعادواللأدب نموذج البطل الروسي الوطني (بدلاً عن البطل السوفيتي عديم الملامح) من بين هؤلاء الكتاب: فيودورأبراموف ، فاسيليشوكشين، فلاديمير سولواخين، بوريس موجايف، يفغيني نوسوف، فاسيليبيلوف، فالنتين راسبوتين وغيرهم.

تحدث هؤلاء الكتاب بشجاعة في نتاجاتهم عن التقاليد العرقية لروسيا الأرثدوكسية وذلك من خلال تناولهم الحياة الشعبية للفلاحين الذين حافظوا على تقاليدهم الأصيلة ولم يفقدوها تماماً، لكن عقيدة وتفكير الإنسان السوفيتي المادي أزاحا القرويين عن الساحة الأدبية وظهرت ملامح بطل جديد اطلق النقاد عليه آنذاك لقب ″المتردد″ واطلقوا على الكتاب الذين أدخلوه الى الساحة الأدبية تسمية ″المدرسة المسكوفية″.

يمثل المدرسة المسكوفية : اناتولي كيم ، فلاديمير ماكانين، اندريهبيتوف، ليونيد بورودين، فلاديمير كروبين وغيرهم ، وأطلق عليهم الناقد فلاديمير بونداينكوتسمية جيل الأربعينيين لأنهم لم ينالوا الشهرة الأدبية إلاّ بعد سن الأربعين وذلك في أواسط السبعينيات.

لم يؤمن هؤلاء الكتاب لا بالأفكار القديمة ولا بالمُثُل المتجددة للاشتراكية المتهالكة لكنهم في الوقت نفسه لم يجدو أفكاراً أخرى ليعبروا عنها رغم انهم تجاوزا سن الأربعين , و يرى الكثير من النقاد ان هؤلاء الكتاب اغرقوا في تناولهم الحياة الشخصية والثقافة والخاصة في كتاباتهم الأدبية وجلبوا معهم الىالأدبنموذج البطل المدني المثقف. وكان ذلك احتجاجاً من نوع خاص وغير علني ضد السلطة السوفيتية وبحثاً عن الحقيقة الغائبة.

اطلق النقاد على هؤلاء الأبطال وعلى مؤلفيهم لقب ″المترددين″ وذلك لازدواجية مشاعرهم وغياب الفكر والفعل الواضحين , الحق ان″المدرسة المسكوفية″ هي تيار يضم كُتّاباً مختلفي التوجه الأدبي، فلكل منهم طريقه الخاص في البحث عن الحقيقة والوصول إليها.

 

بقلم الكاتب

د. تحسين رزاق عزيز

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com