مقالات

إنتفاضة معسكر “سعد الخالدة” في بعقوبة

ما إن أذاع الفاشست الجدد انقلابيو شباط الاسود بيانهم الاول، حتى تجمع الناس في الهويدر وخرنابات والخالص وبهرز والمقدادية وغيرها من المدن والقصبات حول المذياع لمعرفة حقيقة الامر . . كنت طالباً في الصف السادس الابتدائي , سمعت رجلاً مسناً يبكي ويقول إن الخاسر الوحيد من قتل الزعيم هم الفقراء.

عصر يوم الانقلاب المشؤوم دخلت على جارتنا الراحلة أم محمد ووجدتها تبكي ايضاً فقلت لها : عمة ، ما يبكيك فقالت : يومياً أركب ( أطهو ) التمن على خطاب عبد الكريم قاسم الذي يبثه برنامج من خطب الزعيم، واليوم ضيعت الوقت وضيعت عبد الكريم قاسم وبكت بكاءاً مراً وبكيت بكاءها . . هكذا تعلقت الجماهير بهذه الشخصية الوطنية التي خدمت العراق والعراقيين.

في بعقوبة مركز لواء ديالى تجمع الناس أمام مقهى الشبيبة تأييداً للثورة , وكانوا بقيادة عبد الجبار البيروتي      وعلي هادي محروك ونوري الحكيم وعائلة مجيد حسن المناضلة، وعائلة علي حبيب السعدي المناضلة، والشخصية الوطنية اللامعة في محافظة ديالى عبد الجبار صديق العبيدي . . على الجانب الثاني تجمع المؤيدون للانقلاب في الساحة المجاورة لجامع الفاروق الان، بقيادة عائلتين من العوائل الرجعية والقومجية في بعقوبة .

أما في معسكر سعد الذي يقع شرق بعقوبة، فقد توجه البطلان الشيوعيان الملازم الأول صلاح محمد جميل، والملازم عبد المجيد محمد جان إلى وحدتهما صبيحة الانقلاب الاسود، وعند وصولهما إلى كتيبة القوس العاشرة، والتي كان أمرها الوطني الرائد نامق عبد الله قد اختفى فور سماعه بالانقلاب , وجمع الملازمان جنود كتيبة القوس العاشرة وجنود سرية حراسة بعقوبة وخطب صلاح محمد جميل يوم الانقلاب فيهم طالباً من الجنود مساندة ثورة 14 تموز، والوقوف بوجه الانقلابيين الرجعيين الذين جاءوا بالقطار الامريكي للقضاء على الثورة ومكتسباتها.

بعد الخطبة توجه البطلان صلاح وعبد المجيد إلى الرئيس الاول ( الرائد ) عبد الكريم حسن، وهو من أهالي البصرة وكان معروفاً بوطنيته وحسن أخلاقه وإيمانه بشعبه وحبه لعبد الكريم قاسم، لاخذ الاوامر بالسيطرة على كتيبة دبابات الفرقة السادسة والتوجه إلى بغداد لمساندة عبد الكريم قاسم، إلا إن الانقلابيين الجبناء أستطاعوا قتل هذا الضابط الوطني قبل وصول صلاح وعبد المجيد . . وحدثت معركة كبيرة بين المنتفضين والانقلابيين أستمرت حتى الليل، وأستطاع الثوار قتل سالم الدباغ آمر البطرية الاولى.

وقد وصلت إلى المعسكر قوة كبيرة بقيادة العميد عبد الجبار شنشل ضابط ركن الفرقة السادسة والفريق الركن نصيف جاسم السامرائي أمر كتيبة هندسة الفرقة، أستطاعوا تطويق المعسكر وإعتقال اللواء الركن عبد الكريم محمد قائد الفرقة الثالثة، وهو أحد الموالين للزعيم عبد الكريم قاسم، قطع طريق الجنود الذين كان عددهم بالمئات خارج المعسكر والذين كانوا يريدون الالتحاق بانصار ثورة 14 تموز . . كما إن الحرس القومي المجرم أستطاع سد منافذ بعقوبة المؤدية الى بغداد.

ينقل لي الشخصية الوطنية والاجتماعية سعدون عبد الرزاق الربيعي الذي كان جندياً في كتيبة القوس العاشرة، وهو من أهالي الهويدر وكان شيوعياً منظماً آن ذاك فيقول : فور سماعي خبر الانقلاب توجهت على الدراجة الهوائية إلى معسكر سعد لغرض الالتحاق بالثوار ثم يقول : لكن شوارع بعقوبة كلها كانت مقطوعة من قبل الحرس اللاقومي , أما عن عبد المجيد محمد جان فيقول  : كان ضابطاً شهماً حسن الاخلاق والسيرة محباً لجنوده , ثم يضيف لقد فشل البطلان صلاح وعبد المجيد في السيطرة على كتيبة دبابات الفرقة السادسة، وذلك لكثرة الانقلابيين من حيث العدة و العدد.

أستمرت الانتفاضة ضد الانقلاب من الصباح حتى الليل، حيث أستطاع الضابطان الانسحاب من معسكر سعد بسيارة زيل لغرض الوصول إلى بلدروز ومنها إلى مندلي، إلا إن سيارة الزيل تعطلت قرب بلدروز حيث استطاع الانقلابيون القبض عليهم وتم تسفيرهم إلى السجن رقم واحد، حيث لاقوا أشد أنواع العذاب في مسالخ الحرس اللاقومي، وخصوصاً الشهيد صلاح محمد جميل الذي لم يستطع الجلادون إخضاعه وقد أرعبهم صموده، وكان يردد في أثناء التعذيب “يشرفني أن أموت في سبيل شعبي ووطني وكونوا على ثقة إن النصر الاكيد للشعب وإن حكمكم زائل لا محال لانه لا يستن . . إلى الشعب ” محملاً نفسه مسؤولية مقاومة الانقلاب ورافعاً المسؤولية عن رفيقة عبد المجيد محمد جان والجنود، لكن الجبناء علقوه من رجليه وأثقلوا ظهره بالبطانيات والكراسي . . ويؤكد من كان معه من السجناء أنه كان يسهر عليهم ويداوي جراحاتهم ويعتذر منهم ويطلب الصفح.

بعد فترة شكل الانقلابيون محكمة صورية حيث أصدر المجلس العرفي برئاسة المجرم شمس الدين عبد الله الحكم على المقاومين بالاعدام رمياً بالرصاص . . ولقد جلبهم الانقلابيون إلى بعقوبة وطافوا بهم في شوارعها وتم تنفيذ حكم الإعدام بهم أمام جنود معسكر سعد في مكان انتفاضة كتيبة القوس العاشرة يوم 13/3/1963 وبعد جريمة الاعدام تم دفنهم سراً وبالليل في مقبرة الشريف البعقوبي مكبلي الايدي والارجل وفي قبر جماعي، وكان أول قبر جماعي شهده العراق في تلك الفترة المظلمة.

ولقد طلب الشهيد البطل عبد المجيد محمد جان من احد اقاربه الذي كان حاضراً في ميدان الرمي وقال له  : “بلغ تحياتي وسلامي إلى الحزب الشيوعي العراقي” أما الشهيد البطل صلاح محمد جميل فعند أعتلائه المشنقة قال بصوت عال سمعه جميع الجنود : “سفلة بعثيون إيها الجلادون إن نهايتكم ستكون على يد هؤلاء الجنود الذين أجتمعوا ليشاهدوا جريمتكم بحقنا”.

الشهداء الابطال الذين شاركوا في الانتفاضة وتم رميهم يوم 13 آذار عام1963 في معسكر سعد هم :
• نائب عريف تركي جابر عمره 25 سنة.
• نائب عريف صلاح عطية عمره 25 سنة.
• جندي أول جمال علي عمره 22 سنة.
• نائب عريف حديد تانا عمره 25 سنة.
• جندي مكلف حسن عبود عمره 22 سنة.
• نائب عريف حميد نجيب عمره 25 سنة.
• نائب عريف خالد عبد الرزاق عمره 25 سنة.
• نائب عريف داود سليمان فتوحي من الموصل وهو من مواليد 1934 وخريج مدرسة الصناعة العسكرية.
• نائب عريف راضي محمد عطية تولد 1941 من العمارة.
• نائب عريف رستم مجيد عمره 25 سنة.
• جندي مكلف رشيد أحمد عمره 22 سنة.
• نائب عريف رشيد بندر عمره 25 سنة.
• نائب عريف زكي جلوب موسى من مدينة العمارة تولد 1935 كان يعمل في مصلحة نقل الركاب وتطوع في الجيش العراقي عام 1958 متزوج وله بنت واحدة.
• جندي مكلف صافي عبود عمره 21 سنة.
• نائب عريف ناجي رحيم عمره 25 سنة.
• الملازم البطل صلاح محمد جميل بطل الانتفاضة وهو من مواليد الديوانية 1938 أنضم إلى الحزب الشيوعي العراقي عام 1958 عندما كان طالباً في الكلية العسكرية وتخرج من الكلية العسكرية عام 1961 , وكان شهماً محبوباً من قبل الجنود بشكل ملفت النظر، وصمد صمود الابطال .
• نائب عريف عدنان رستم 25 سنة.
• نائب عريف عبد الحسين حسن عمره 25 سنة.
• الشهيد البطل عبد المجيد محمد جان الرجل الثاني في الانتفاضة، من مواليد بغداد 1929، كان مهندساً في وزارة البلديات وتطوع في الجيش العراقي وكان شجاعاً دمث الاخلاق حسن السيرة يحبه كل الجنود لتواضعه.
• نائب عريف عطشان هاشم 26 سنة.
• جندي أول علي عزيز حسون 21 سنة.
• جندي أول عمر علي مردان تولد 1941 من أهالي كركوك قرية حصارة الكبيرة , كان عضو لجنة قاعدية في الحزب الشيوعي العراقي متميزاً بتنفيذ المهام الحزبية وذا اخلاق عالية , متزوج وله ولد واحد.
• نائب عريف قاسم عبد الله عمره 24 سنة.
• جندي محمد حسن عمره 20 سنة.

هذا ما امكن جمعه من عدة مصادر ومن ذاكرة المعايشين للانتفاضة، وربما أغفلت بعض الاسماء فمعذرة ,
يا أبطال انتفاضة معسكر سعد الخالدة في بعقوبة، بوركتم وبوركت العوائل التي انجبتكم، فقد ضحيتم في سبيل هذا الوطن بأعز ما تملكون . . ودخلتم سفر التأريخ من أوسع أبوابه وقد كتبت فيه أسماؤكم بأحرف من نور.

 

بقلم الكاتب

عبد الكريم جعفر الكشفي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com