مقالات

هل هناك خلل في عمل السلطة التشريعية ؟

وفقا لما نصت عليه المادة ( 47 ) من الدستور ، فأن السلطات الاتحادية التي تقوم بمهمة إدارة الدولة العراقية هي ثلاث ، الأولى هي السلطة التشريعية ، والثانية هي السلطة التنفيذية ، والثالثة هي السلطة القضائية .

السلطة التنفيذية تتكون من : 1- رئيس الجمهورية  2- مجلس الوزراء

وهذه السلطة يتوزع العمل فيها بين هذه الجهات ، حيث يناط بالأولى  إصدار المراسيم الجمهورية ومنح الأوسمة والنياشين وقبول السفراء والمصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم واكتسبت الدرجة القطعية ، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية والمعاهدات بعد المصادقة عليها ، والمصادقة على القوانين التي تسنها السلطة التشريعية ونشرها في الجريدة الرسمية ، ومهمة القيادة العليا للقوات المسلحة تشريفيا واحتفاليا لرئيس الجمهورية وفعليا وعمليا لرئاسة الوزراء ، والثانية  تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة ، واقتراح مشروعات القوانين ، وإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات التي تهدف الى تسهيل تنفيذ القوانين ، وإعداد مشروع الموازنة العامة وخطط التنمية ، والتوصية بالموافقة على تعيين الدرجات الوظيفية الخاصة المدنية منها والعسكرية ، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية .

أما السلطة القضائية فهي الأخرى وفقا لنص المادة ( 89 ) من الدستور تتكون من مجلس القضاء الأعلى ، والمحكمة الاتحادية العليا ، ومحكمة التمييز الاتحادية ،  وجهاز الادعاء العام ، وهيئة الإشراف القضائي ، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقا للقانون ، ومن بين أهم اختصاصات السلطة القضائية دور المحكمة الاتحادية العليا  في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ، وتفسير نصوص الدستور وبقية الاختصاصات الواردة في متن النص .

ولعل نص المادة ( 48 ) من الدستور يتم غض البصر عنه  وعدم الإشارة له بالنظر لما يحدثه من اختلال وانحراف قد يشوب  العملية الدستورية  من الأساس ، فالنص المذكور يشير إلى أن السلطة التشريعية الاتحادية في العراق تتكون من  مجلسين هما مجلس النواب + مجلس الاتحاد .

أي بمعنى أن السلطة التشريعية تقف على  مسندين ( مجلس النواب المواد من 49 – 64 ) ، ومجلس الاتحاد والذي يفترض انه  مجلس تشريعي هو الأخر يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم ، وترك النص الدستوري شكل تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به إلى قانون يصدر عن مجلس النواب ( النصف الأول من السلطة التشريعية )  ويسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب .

أي أن مهمة التشريع في العراق وفقا للدستور تتوزع بين مجلسي النواب والاتحاد ، وحيث أن النص على وجود مثل هذا المجلس لم يأت اعتباطا أو إكمالا لشكل قانوني للهيئة التشريعية ، إنما كان بناء على ضرورة أملتها المراحل والظروف التي مر ويمر بها العراق .  

ولغرض أن تأخذ العملية الدستورية مداها ومجالها في التطبيق القانوني الفعلي والعملي على أرض الواقع فقد نصت المادة ( 137 ) من الدستور على تأجيل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد أينما وردت في الدستور ، وقيد النص هذا التأجيل إلى حين صدور قرار من مجلس النواب ( بأغلبية الثلثين ) ( بعد دورته الانتخابية التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور ) ، أي ان هذا التأجيل مقيد بمدة محددة .

الدورة الأولى لمجلس النواب عقدت بتاريخ 16 آذار 2006 ، وبعد هذه الدورة اكتملت الدورة الثانية في العام 2010 ، ثم تلاها الدورة الثالثة 2014 ، والرابعة 2018 ، ولم يتم الالتفات إلى نص المادة ( 137 ) من الدستور التي حددت فترة زمنية بعد الدورة الأولى ، أي أنها تقع على عاتق أعضاء مجلس النواب في الدورات اللاحقة أن يتم الخضوع للنص الدستوري بإصدار قانون تفصيلي حول شكل واختصاصات مجلس الاتحاد المكون الثاني في العملية التشريعية .

ويذكر أنه في العام 2011 طرحت فكرة ضرورة إصدار قانون لمجلس الاتحاد داخل مجلس النواب  ، وطرحت الدراسات القانونية الخاصة للمناقشة ، إلا أن رأي المجلس حينها أن الأمر بحاجة إلى تفصيل وإنضاج أكثر ، ما يستدعي التأجيل مرة أخرى ، دون أن يكون التأجيل مستندا على نص دستوري أو قانوني أو قاعدة تشريعية لهذا التأجيل .

 ولاستمرار تجاهل تشكيل وتكوين هذا المجلس تكون العملية التشريعية طيلة فترات الانعقاد للسنوات التالية على الدورة الأولى استندت على مكون واحد دون الثاني ، ما يجعل محلا للسؤال  عن شرعية القرارات والقوانين التي أصدرها مكون واحد من مكونات السلطة التشريعية  من عدمها ، أو صدورها وهي تحمل جوانب الخلل في قوتها الدستورية ، لأن تجاوز النص الدستوري يعد خرقا وتجاوزا على نصوص الدستور ، كما انه يجعل العملية التشريعية مبتورة وناقصة  ومعيبة لاستناده على مكون واحد من مكونات السلطة التشريعية دون الثاني ، حيث ثمة طعون غير رسمية تتحدث عن تمسك مجلس النواب بتفرده في إصدار القوانين ، استجابة لمصالح  الكتل والأحزاب السياسية المهيمنة على المجلس ، حفاظا على  مكاسبها ونفوذها ، مما يعني انحسار دورها وضياع المكاسب والمصالح التي رسختها خلال الفترات المنصرمة  ،  ونشير الى أن الاتفاقات السياسية والصفقات التي أنتجت قوانين أصدرها مجلس النواب أضرت بالمال العام والصالح العام ولم تكن وليدة مصلحة الشعب العراقي صاحب المصلحة الحقيقية في التشريع ، وان إبقاء الحال على ماهو عليه وصمت اللجنة القانونية في مجلس النواب  والتخلي عن دورها  الصريح في الإشارة الى أهمية تنفيذ النص الدستوري ، وعدم عرض الموضوع على المحكمة الاتحادية العليا ، يجعل الاتهامات مستمرة مالم نجد تبريرا دستوريا وقانونيا  للوضع الذي آل إليه إنشاء مثل هذا المجلس  ، وخصوصا ونحن اليوم نعيش ضمن مطالبات شعبية عالية تطالب بتعديل النصوص الدستورية ، وتعرض جميع الإشكاليات التي تعرقل الحياة السياسية والاجتماعية والقانونية في العراق أمامها على بساط البحث والدراسة . 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com