مقالات

القوات الخاصة تاريخ وتكتيك .

فكرة هذا الكتاب بدأت أساساً في محاولة للكتابة عن
أشهر عمليات الإنزال الجوي، إذ كنت قد ترجمت في
أوقات متفاوتة بحوث عن عمليات إنزال مثيرة، منها
احتلال الألمان لحصن )Emael Eben )أيبن إيمايل /
بلجيكا في الحرب العالمية الثانية، ثم أني كنت قد ترجمت
مقالة عن عملية ماموث إنزال جوي قامت به
الاستخبارات العسكرية الألمانية )Mammut ) في
العراق )أربيل( خلال الحرب العالمية الثانية أيضا ً، ثم
ترجمت أيضا ً مقالة عن الإنزال الأمريكي(مخلب النسر(
في مهمة لم يكتب لها النجاح في إيران لإنقاذ محتجزي السفارة الأمريكية في طهران
)Claw Eagle Operation )8981 ،كما اشتغلت في كتابة بحث عن الإنزال الألماني المثير
)غران ساسو( الذي قامت به القوات الخاصة الألمانية بقيادة ضابط ال كوماندوس الشهير العقيد
أوتو سكورزيني، خلال الحرب العالمية الثانية لإنقاذ ديكتاتور إيطاليا موسوليني من معتقله في قمة
جبل (Sasso Gran ،(كما كنت قد ترجمت في وقت سابق عملية اغتيال حاكم بوهيميا الجيكي
القائد الألماني راينهارد هايدريش، وهكذا وجدت نفسي مشتبكا ً بعمق بهذا الموضوع الشيّق والمثير
والذي لا أخفي تعل ّقي الشخصي به.
إذن كانت بيدي مواد لخمس عمليات، ثم أني تأملت لماذا تفتقر مكتبتنا العربية إلى هذا النوع
من الأعمال التي تحفز الشباب للبطولة وسلوك دروب القتال من الجو والأعمال البطولية،
وشرعت بقراءة المزيد والمزيد منها وخاصة تلك التي باللغة الألمانية، فوجدت من المثير حقا ً، هو
افتقار الم كتبة العربية لأعمال تؤرخ وتفحص وتحلل أعمال قوات المظليين أو القوات الهابطة من
الجو عموماً، وعندما يسّر لنا الحاسوب والإنترنت مهمة البحث، كانت النتيجة محزنة حقا ً، وبحثنا
نجد كلمة
نجد للأسف ما يستحق البحث، بل أن هناك أعمال مهمة جداً تستحق أن تؤرخ، لم
فلم
12
واحدة عنها …. وهذا مثير للاستغراب والدهشة ….! ول كي لا نسيء الظن كثيراً، فلنقل أن ربما
هناك أعمال لم نطّلع عليها ..! فقررت أن أبدأ بكتاب، ول كني لم أكن أتوقع أني سأعمل في 28
عملية …!
وكمؤلفات، وأعمال تستحق الإشارة، لم نجد باستثناء مؤلف قديم للفريق عبد المحسن مرتجي
واللواء د. محمد خيري بنونة لم نجد عملا ً يستحق التنويه )ربما هناك منجزات لم تظهر في دائرة
الضوء(، سوى مقالات متفرقة هنا وهناك، لا يمكن، أو بالأحرى يصعب أن نؤسس عليها أعمال
بحثية، ول كن هناك حقيقة موضوعية، هي أن القليل من الجيوش العربية )مصر ــ العراق ــ
سورية( التي قد مارست القوات الخاصة فيها أعمال إنزال، بالمظلات، أو عمليات قوات خاصة.
والحق أن تأسيس وتدريب القوات الخاصة هي عملية مكلفة ماليا ً، في حين أن استخدامها قليل أو
نادر، ربما ذلك هو السبب في ندرة ال كتب التي تبحث في عمليات بواسطة القوات الخاصة
بالإنزال الجوي من الطائرات. أما باللغة الألمانية، وهي من الدول الرائدة في تشكيل القوات
الخاصة والقطعات المقاتلة المنقولة أو الهابطة من الجو، فهناك ال كثير بل ال كثير جداً، من ال كتب
والمصادر وقد أقمنا أساس هذا العمل اعتماداً على مصادر ألمانية، ومنها توصلنا إلى فهم أسس
عمل القوات الخاصة. ولو أردنا ترجمة ما هو موجود لاستغرق ذلك ربما سنين .
وأجد من الضروري التنويه بالجهد المشكور الذي يقوم به موقع ” المجموعة 71 مؤرخين ”
على الإنترنت، وهو عمل مهم، وإن كانت الغالبية العظمى من منشوراته هي عبارة عن مقالات
وخواطر تثير الشجون، وذكرى لأبطال ضحوا بأنفسهم لأجل الوطن والأمة، وهذا عمل ممتاز،
ول كننا لم نجد فيها ما يرتقي لمستوى البحث، أو التوثيق إلا القليل، ول كننا استفدنا على أية حال
من مئات المقالات والأعمال ومن هنا كان علينا )في إطار بحث الأعمال الرائعة للقوات الخاصة
المصرية( وأن نعمل في استخلاص الحقائق والنتائج من بين كم هائل من المعلومات والحقائق،
والخواطر، بعضها مكتوب بطريقة يمكن الاستفادة منها، ول كن بعض آخر منها مكتو بة بشكل
13
روائي، وقصصي أكثر منها تقرير، أو بحث عن موضوعات محددة، ول كن حسناً، بين أيدينا على
أية حال مواد يمكن العمل فيها.
أما المعلومات عن عمل القوات الخاصة السورية، وهناك على الأقل خمسة أو ستة عمليات
مهمة، كان الإنزال فيها بمستوى كتيبة )فوج ــ 1 سرايا(، ول كن الموقع الرسمي لوزارة الدفاع لا
يذكر إلا النزر اليسير منها، ولم نجد في مذكرات العماد أول ركن مصطفى طلاس )رئيس الأركان
ووزير الدفاع( ما يسد الرمق، كما أننا بدهشة لاحظنا إغفال ذكر عملية إنزال مهمة قامت بها
قوات من منظمة الصاعقة )وهي قوات فدائية، تدرب وتسلح بإشراف عسكري سوري(، خلال
حرب تشرين، حين أنزلت سرية من الفدائيين )ربما أكثر من 811 مقاتل( من طائرات
مروحية، لتعطيل زج لواء من العدو الصهيوني، عملية رائعة جداً، استشهد فيها النقيب قائد العملية
)للأسف الشديد يختلط علي اسمه ال كريم(، وعدد من الفدائيين، وعاد قسم منهم بعد إتمام
الواجب.
أما عمليات الجيش العراقي )الصاعقة، القوات الخاصة، المظليين، دوريات الاستطلاع
العميقة، الصاعقة البحرية “الضفادع البشرية” والمغاوير( ، )وهي كلها صنوف من القوات
شخصياًأنها لم تكن قليلة، في داخل القطر )العراق( وفي أرجاء أخرى من الوطن
الخاصة( ولعلمي
العربي )سوريا ولبنان(، ضد العدو الإسرائيلي والإيراني، عمليات )دوريات، إغارة، كمائن،
استطلاع عميق( وهي تجارب ثمينة جداً تستحق التأمل والدراسة. ول كن الأوضاع التي يمر بها
العراق حاليا ً مفهومة، وهي لا تتيح ذكر مآثر القوات الخاصة العراقية، ولا حتى مآثر الجيش
العراقي بصفة عامة، وذكر أسماء أبطالها الذين اجترحوا البطولات في معاركهم الشهداء منهم
والأحياء.
وأريد هنا أن أبوح ما في نفسي وما اكتشفته وأن أفكر بصوت عال، من خلال قراءة ال كثير
من الأعمال باللغة العربية في مذكرات )قادة ميدانيون، وضباط( ومقالات، وخواطر، قرأت
مذكرات لضباط برتب كبيرة، صدورهم مليئة بالأوسمة ول كنهم يتجنبون ذكر الحقائق كاملة
14
ومصارحة شعوبهم حتى وهم في بقايا العمر، لماذا خسرت جيوشنا معاركها، بل والأنكى من
ذلك حين تجد من يفلسف للهزيمة وينظر لها على أنها انتصار …. لماذا ..؟ هل ترى أنه ير يد
استبعاد اسمه من قائمة المقصرين ..؟ أم أنه يريد أن يواصل النصر لفظيا ً … ويواصل إقامة المدائح
لهذا أو ذاك ..؟ فالانتصارات وحدها مسجلة رسميا ً باسم الرئيس القائد، وليس هناك سوى
الرئيس جمال عبد الناصر من اعترف بمسؤوليته أمام الشعب )حزيران / 8967 ،)فزاده الشعب
حبا ً واحتراما ً.
من خلال تجربتي، ومعايشتي وقراءتي للتاريخ العربي المعاصر، وجدت للأسف أن الطرف
الوحيد خارج المساءلة هو الجندي العربي، هذا الجندي من أي قطر عربي كان، مقاتل شجاع
بالفطرة، لم يبخل في جميع المعارك التي خاضها عن التضحية بحياته دون تردد من أجل الوطن
والأمة وقضاياها، المقاتل العربي الفرد هو قمة بالعطاء، فلنوجه الأضواء إلى زوايا أخرى ولنبحث
عن التقصير، ولست أقصد هنا أن نبحث عن اسم وعنوان لنبدأ بالجلد وهي قضية محببة لدى
ال كثير من الكتاب…. لا ليس هذا مقصدي، فأنا أعلم أن هناك عناصر أخرى علينا أن نر كز
عليها، وفي مقدمتها، التدريب، إتقان التدريب على السلاح واستخدامه، وخلق قيادات من
الضباط قادرة على التخطيط الراقي الممتاز، عسكريون مهنيون، ثم الاهتمام بالمقاتل، الإنسان الفرد
في جيوش أخرى لا يتفوق على المقاتل العربي في شيء، ول كنه يرتدي ملابس نظيفة، وبصحة
جيدة، ويتغذى جيداً، وبيده سلاح جيد، يتدرب تدريباً راقياً، ولا يهينه أحد، ولا يخشى على
عائلته في غيابه، أو إذا استشهد، ومقاتل كهذا يقدم نتائج جيدة بطبيعة الحال.
القيادة بالطبع شيء أساسي، ولدينا قادة أكفاء ناجحون بمستويات راقية، وهناك أمثلة كثيرة،
عبور قناة السويس وخط بارليف كان نتيجة مزدوجة : لتدريب ممتاز، وتخطيط سليم، وقيادة
ناجحة. وكذلك كانت معركة الفاو التي كانت تبدو شبه مستحيلة، بل نصح ال كثير من الخبراء
القيادة العراقية بعدم خوض مغامرة تحرير الفاو، ول كن التدريب على الخطة الممتازة، والقيادة
السليمة، حققت نصراًلامعاًكسر ظهر العدو خلال ساعات قليلة. والأمثلةكثيرة جداً.
15
قرأت في مصادر للعدو الإسرائيلي، أن لديه فئة ممتازة من الطيارين من أصحاب الخبرة
والتجربة، ويستخدمهم بذكاء ومهارة، ول كن ما بعد هذه الفئة، تجد، الخط الثاني من الضباط
الطيارين بمهارات عادية، ظهر ذلك جليا ً في حرب تشرين / 8971 ،خاصة على الجبهة السورية،
فكانوا )الصنف الثاني من الطيارين( هم يبحثون عن الصاروخ أرض / جو، وليس الصاروخ من
يبحث عنه …! بل أن الدفاع الجوي السوري الممتاز استطاع أن يسقط العديد من طائرات
الحديثة بواسطة الصاروخ المحمول على ال كتف ستريلا )سام 7 !..)ليمنح هذا الصنف من
المقاتلين الأكفاء، تأكيداً أن ليس هناك إنسان متقدم وإنسان متخلف، هناك تدريب متقدم،
وتدريب متخلف، عندها تكون النتيجة طبعا ً مؤسفة .
معظم من يتصدى للكتابة في أوربا، في الشعوب التي تحترم قراءها وأجيالها الصاعدة، قاعدة ”
اكتب بصراحة ووضوح، وإلا فاصمت ..! ” ، وإذا لم يكن بوسعك كتابة الحقيقة المخيفة، فلا تلجأ
لتزييف الحقائق، وتلوينها، فكتابة نصف الحقيقة أفضل من تسويد صفحات ال كتب بالحبر المقدس
وبما هو مسيء للحقيقة التاريخية.
وكنا في مطلع شبابنا، )خلال خدمتنا في قوات الحدود الفوج التاسع اللواء الأول( قد اتّبعنا
)8968 )دورة مغاوير أقامها الملازم صاعقة لقمان ياسين، اختتمت بتمرين تطعيم المعركة بالعتاد
الحقيقي، وتخرجنا كضباط مغاوير، ولاحقا ً أقمنا دورات خرّجنا فيها تلاميذ كلية الشرطة،
ّ ه
كمغاوير، انتقل بعضهم إلى القوات الخاصة في الجيش العراقي، وبعضهم من استشهد رحمة الل
ّ ه..
عليهم، كالفريق قوات خاصة ركن كامل ساجت رحمه الل
ثم أني اشتغلت لبضعة سنوات، كضابط معلم في مدرسة قتال الصاعقة في سوريا، وتواصل
اهتمامي بتدريبات وممارسات القوات الخاصة لسنوات بعدها، حتى شغلتنا الدراسة والبحث
)خارج الوطن العربي(، ول كن خلال دراستنا في ألمانيا لاحظت أن الألمان كانوا سباقين في
تدريبات القفز بالمظلات، فمنذ أوائل ثلاثينات القرن المنصرم، وفي تشكيل وحدات هابطة
16
بالمظلات، ثم قرأنا في المصادر الألمانية فن أعمال القوات الخاصة الألمانية في الحرب العالمية
الثانية …
أقدّم هذا الكتاب وهو ثمرة لجهود طويلة، إلى الم كتبة العربية، وإلى القوات المسلحة العربية،
والقوات الخاصة، فإذا وُجد شيء يمكن الاستفادة منه، فأكون قد أصبت هدفي.
المجد والخلود لشهداء أمتنا العربية في معارك التحرير
المجد والخلود لمقاتلي القوات الخاصة، الذين يحملون أرواحهم على أكفهم ويقدمونها هدية
للوطن
تحية شكر وعرفان

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com