مقالات

( الكساندر بوشكين ) أمير شعراء روسيا

من يريد أن يدخل عتبة روسيا القيصرية , تاريخها الموغل في القدم من يوم حكم القياصرة المتعاقب عليها ونظام القنانة السائد أنذاك . . ومهاجمة نابليون وجيشه لها عام ١٨١٢وبحكم التاريخ والحروب , أنها حرباً وطنية .

عندما هاجم نابليون موسكو , كان أهلها قد دمروها عن بكرة أبيها , مما تحمل هو وجيشه عبئاً كبيراً من الجوع والامراض والاوبئة , فتكبد خسائر بالارواح بحدود ٢٥ الف شخص . . مما تركها مذعوراً مهزوماً و إلى الابد .

وزحف الجيش الروسي الى أوروبا وسقطت العاصمة باريس و ألقي القبض على نابليون و نفيه , عرفت روسيا تاريخيا من نافذة أدبائها الروس .

سأل نابليون في منفاه عن سر هزيمته قال بألم . . الاستهزاء بقوة عدوي روسيا القيصرية , وقد أثرت تلك الاحداث التاريخية على الشاعر “بوشكين” في رسم ملامح شخصيته وتحديد مواقفه السياسية كشاعر ومواطن و هنا ختم مشواره الشعري و النثري ( السياسي ) قائلاً  :

( سيطوف ذكرتي في أرجاء روسيا العظيمة . . و يلهج بأسمي كل مخلوق قد بلغته )

ولد “بوشكين” عام ١٧٩٩ في موسكو في أسرة من النبلاء تعيش حياة ترف , كان والده شاعر بارز فساهم في تكوينه الادبي والفكري , ترجع جذور الشاعر “بوشكين” الى أصول افريقية , جده من أمه من الضباط المقربيين الى القيصر بطرس الاول من هنا ورث الملامح الافريقية حيث شعر أجعد وشفتين غليظتين , و أمه حفيدة أبرام غنيبال الامير الحبشي الذي أختطفه الاتراك و أرسلوه هدية الى القيصر الروسي بطرس الاول .

كان بوشكين يفخر بجد أمه , الذي كان قائداً مشهوراً في عهد البطرس , وقد وصفه في روايته التاريخية ( زنجي بطرس الاكبر ) , و يعتبر “بوشكين” شاعر روسيا العظيم و أمير شعراء روسيا . . روائي وشاعر ومسرحي .

قال في خضم مواقفه بالشعر والكلمة :

و طويلاً سيظل قومي يحبونني

فقد هززت بقيثارتي المشاعر الخيرة

وغنيت ممجداً الحرية في عصري العاتي

و ناديت الرحمة على المقهورين .

كتب “كوكل” الكاتب الروسي وصديق بوشكين قائلاً : عندما تذكر أسم بوشكين تتحلى الطبيعة الروسية بأبهى صورها . . أنه النفس الروسية , أتسمت أشعاره السياسية برفض الاستبداد والتسلط حاملا شعلته المضيئة في دروب الناس المقهورة للتطلع والحرية , ولم يخفي أو يهادن السلطة القيصرية في أشعاره ونثره , مما دعا القيصر شخصيا أن يشرف على كتاباته قبل نشرها ويحذف ما يطيب له .

ولم يهدأ عقل القيصر الا أن يطرده من وظيفته وينفيه الى جنوب روسيا بسبب أشعاره الثورية , وقد أتهمه بالخيانة الوطنية , لكن مواقفه أزدادت عنادا وهو في منفاه من خلال كتاباته بالتحريض على حكم القياصرة , فأجبر السلطات الى أعادته الى موسكو و قربه القيصر منه ليجعله شاعر البلاط .

“بوشكين” . . من رواد االمدرسة الواقعية في الادب الروسي جسد بأعماله الادبية والشعرية كل طبقات المجتمع الروسي , في مسرحيته التاريخية التراجيدية ( بوريس جودونوف ) , نقل من خلالها العلاقة بين الشعب والسلطة , وأن السلطة لم تكون مهيئة , إذا لم تعتمد على الرأي العام الواعي .

أما رواية ( أوجين )  فتعتبر أول رواية شعرية واقعية في تاريخ الادب الروسي , وقد عبر “بوشكين” عبر كتاباته أنتقاده الحاد الى الثقافة الغربية والتي تغوص بمستنقع الجشع والاستبداد , وقد صور حياة المجتمع الغربي على أساس تجربة أمريكيا في ذلك الوقت  ( أذهلتني رؤية الديمقراطية بوقاحتها البشعة وتحاملها الساخر وطغيانها الذي لايطاق . . و وقف ضد استعباد الزنوج في ظل الحرية و انتشار الثقافة و الضمير ) .

وفي موقف أخر يذكر له هاجم سطوة الدولة العثمانية لطغيانها في التعدي على سيادة الشعوب بقصيدة سميت ( أسطنبول ) ولم يغفل في نتاجاته الابداعية ومواقفه الانسانية سيرة النبي ( محمد ) في قصائده و الاشاره الى مواقفه وعبقريته في الدفاع عن رسالته المحمدية .

في عام ١٨٣٧ توفى “بوشكين” مقتولا عن عمر ٣٨ عاما , وذلك في مبارزة , كما كان هو سائد مع أحد النبلاء الفرنسيين المقيمين في موسكو , أغرم بزوجته وحاول مغازلتها وشيع حول علاقة زوجته بالفرنسي أم لاربعة أطفال هي ناتالي , وأعتبر بوشكين هذا الموقف أهانه له ولموقعه وأنتقاما لشرفه فتحداه وطلب منه المبارزة , وقد تمت المبارزة بالمسدسات لا بالسيوف , وتمكن الفرنسي بأصابته ومات بعد أيام .

وراح بعض النقاد في تحليلاتهم , أن تلك المبارزة كانت من تخطيط بلاط القيصر الذي راح يحيك المؤامرات ضد الشاعر بوشكين للانتقام من مواقفه بعد أن عجز البلاط من أستمالة موقفه لوقعها النفسي على أهالي روسيا بما تحمله قيم وطنية ومعاني ثورية .

بعد أن شاع خبر موته عم الاستياء والاستنكار والهجوم على القيصر وبلاطه  , فهزت روسيا قصيدة الشاعر “ميخائيل ليرمنتوف” بعنوان ( موت شاعر ) .

“سقط الشاعر عبداً للشرف . . سقط و كان مفترىء عليه . . بافتراءات خبيثة” .

ودفع الشاعر “ليرمنتوف” ثمن موقفه وحجم تأثير قصيدته في أنحاء روسيا والعالم , والذي عرف من خلالها كشاعر ومناضل , فوزعت كمنشور حزبي بين الناس ضد سلطة البلاط القيصري , مما أغضب السلطات وقررت أعتقاله ونفيه الى القوقاز وأجريت تحقيقا مطولا معه حول قصيدته وسمي شاعر القوقاز ويعتبر أهم شاعر بعد بوشكين  , و قتل على أثر ذلك بعمر ٢٧ عاما وله رواية واحدة ( بطل من هذا الزمان ) .

 

بقلم الأستاذ و الكاتب

محمد حسن السعدي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com