مقالات

مهمة من بغداد .Mats Ekman . ( ح ٨ ) .

محمد السعدي

البعثيون … في استيلاءهم على السلطة، أي عودتهم ثانية العام ١٩٦٨ وفي تداعيات وضع سياسي مربك، الوضع الداخلي والصراع الدائر بين الاحزاب حول الظفر بكرسي الحكم ونتيجة وضعهم الصعب وخوفهم من فقدان هيبة الكرسي ثانية، لجئوا الى مغازلة الشيوعيين رغم حمامات الدم بينهم، كانت مازالت دماء الشيوعيين ملطخة على حيطان اللجنة الاولمبية وسراديب قصر النهاية ومركز المأمون بمشاركتهم برجلي الكرسي من أجل تثبيته، حيال خطوات ونيات أراد بها البعثيين التخلص من عقدة الماضي الدموي في الذاكرة الشعبية العراقية. تمكنوا وبسرعة قياسية من بناء منظومة قمع كاملة بميزات وخبرات متفردة في التعامل مع الملفات الأمنية لقوى وتحركات خصومهم السياسيين، وملفات دول الجوار. 

كانت أجهزتهم القمعية تتعامل مع قوى المعارضة بنفس طويل وهادئ، وينم عن تجربة وتخطيط وتوجيه ودراسة , ومن خلال تجربتي البسيطة والمحدودة في العمل الحزبي السري ، كانوا يتعاملون معنا بدراية ومعرفة حيث يتابعوا الخطوط الحزبية الى آخر نفس ، حتى وأن فلتت من بين أياديهم ، ومتابعة الرفيق الناشط ، أي يصبرون عليه ويتحملون تحركاته وعلاقاته وأن كانت مؤذيه لهم ، لحين معرفة كل خطوطه وتحركاته ولا يعني شيء لهم أذا أختفى عن دائرة سيطرتهم وتمكن من تجاوز الحدود أو ألتحق الى الجبل مع الثوار حامل السلاح ضدهم . 

كان موضوع الاندساس ودس رجالهم داخل تنظيمات القوى المعارضة لهم، من أولويات أجهزتهم القمعية والامنية داخل قوى المعارضة لتفتيتها من الداخل، وفعلاً اخترقوا بعض التنظيمات وجندوا قادة وكوادر، ومنهم ما زالوا يعملون و “يزاودون” للتغطية على ضعفهم في الهجوم على المناضلين وألحاق الحيف بهم ضمن وضع عام مربك وخطير. 

بعد سقوط  نظام البعث في العراق على يد الاحتلال وعملائه ، روى لي رفيق ( عتيق ) بالنضال والعمل السري ، العمر المديد له من نهاية الخمسينيات الى أيام سقوط البعث نيسان العام ٢٠٠٣ ، وفي هذا الشهر والسنة بادر بعض الشيوعيين  من خلال تلقيهم معلومات مهمة عن مكان ملفات الشيوعيين المخبأة وقصص اعتقالهم في وضع أمني وسياسي متداعي  ، تمكنوا في الاستيلاء على أرشيف مديرية المخابرات العامة المدفون في مخازن الأسواق المركزية في المنصور ، وكانت الاوراق التي تخص أرشيف حزبنا الشيوعي يقدر وزنها الى ( طن واحد ) من الاوراق المنضدة والمرقمة ، نقلت بعناية الى مقر الحزب العام الجديد في ساحة الأندلس ، وكان الحديث الشائع أن تنقل الى مدينة شقلاوة في بيوت الشيوعيين وتختار لجنة للتدقيق في المعلومات والاسماء وتشخيص المتعاونين ، ولكن الذي حدث خارج أرادة العقل والمنطق والضمير، حيث شاهدوا تلك الوثائق في اليوم الثاني تحترق في ساحة متروكة خلف مقر ساحة الأندلس ؟ . 

يروي ماتس إيكمان على صفحات كتابه ( مهمة من بغداد ) ، حول حياة ضابط المخابرات العراقية ماجد عبد الكريم في السنتين الأوليتين من وصوله لمملكة السويد ، حاول تهديد المخابرات العراقية بفضح ملفاتهم من خلال اعطاء معلومات عنهم لحكومة السويد , وذلك اعتقاداً منه سوف يخلص عائلته من الخطر ويحررهم من قبضة النظام العراقي في بغداد ،  هدد بفتح ملف الحرب ، ومن بدأ بها ، وكيف ، وعن تجهيزات العراق للحرب ، والعلاقات الدولية ضمن هذا الإطار ، والدول المانحة والداعمة لمشروع الحرب ، والحديث عن موقعه داخل جهاز المخابرات والمهام التي كلف بها ، وحيثيات أسرار اعدام رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة العام ١٩٨٠ ، وقربه من عملية الاغتيال ضمن المجموعة التي أشرفت على التحقيق معه وتعذيبه ومن ثم اعدامه ، كما تحدث قبل أسبوع من مقتله من اعطاء المخابرات السويدية وعد له بمنحه اللجوء السياسي ، أذا أدلى بمعلومات عن نشاط المخابرات العراقية في السويد و أوربا ، كما ذكر من خلال تصريحاته لإحدى الصحف مقابل ٦٠٠٠ دولار أمريكي . في بداية قدومه الى السويد سكن بشقة مشتركة في أستوكهولم مع شخص عراقي أسمه ( مراد ) ، وكانت فاتورة التلفون للخط الارضي للشقه ب ٤٣٠٠٠ كرونه سويدي ، في الوقت الذي كان راتب ماجد عبد الكريم ب ١٤٠٩ كرونه سويدي ، في الوقت ذاته وصل له مبلغ من جهة مجهولة ب ٤٠٠٠ دولار ، الاعتقاد السائد آنذاك أن هذا الثمن مقابل تسريب معلومات الى صحف وقنوات ، أي بيع معلومات سرية الى جهات مختلفة ومجهولة . كان القتيل ماجد عبد الكريم يقضي جلٌ وقته مع صديقه مراد وبعض العراقيين في منطقة ( Märsta ) في أستوكهولم ، في خضم تلك الاحداث زار ماجد عبد الكريم السفارة الانكليزية في العاصمة السويدية من أجل منحه فيزة الى لندن ورفض طلبه . كما أن ماجد عبد الكريم ، كان يرتاد النوادي الليلية في العاصمة السويدية ، وفي أحدى الحفلات ألتقى بامرأة سريانية أسمها ( ماريا ) ، وأقام علاقة عاطفية معها ، وحدثها عن خلفيات علاقاته مع الحكومة العراقية ومشاكلها ، لكن ماريا شكت به وبأحاديثه ، وحاولت مرة التفتيش في أغراضه وملابسه عندما كان في الحمام ورآها وقتها ، لكنها وضحت له ، أنها تشك به أذا كان على علاقة مع امرأة أخرى . بدأ ماجد يزداد قلقه يوماً بعد يوم من وجوده في السويد ، وكان مع صديقه مراد عندما يخرجوا من الشقة يتركوا علامات في باب الشقة وزواياه للتأكد من أن لم يدخل أحد الى الشقة في غيابهم ، ودائما كان مراد يدخل الى الشقة أولاً ، من أجل اطمئنان أكثر. 

في شهر أيلول من العام ١٩٨٤ قاموا بسرقة ستة بناطيل بقيمة ٧٧٤ كرونه سويدية في سنتر ( سودرمالم ) من محل (  H.M ) ، هنا الجالية العربية في السويد تطلق على تلك المحلات ( حجي محي ) . المدعي العام في محكمة سويدية صدر حكم بحقهم بتاريخ ٢٩ آذار ١٩٨٥، وفي يوم اصدار القرار، كان ماجد عبد الكريم مقتولاً، أما صديقه مراد ألقي القبض عليه بسرقه أخرى في محل ( Domus ) في منطقة ( Kista ) ، بتاريخ ١٧ تموز ١٩٨٥ . روى عن ماجد عبد الكريم أنه ألتقى بشخص أسمه عصام خضير الجميلي في العاصمة السويدية , وقال لصديقه مراد ، أن هذا الشخص خطر جداً ، ووقتها عرف أن فاضل البراك مدير المخابرات وضع ماجد عبد الكريم في لائحة خاصة لقتله . 

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com