مقالات

هل سيستعيد شارع الرشيد ببغداد مجده القديم؟

عدنان ابو زيد

يعود شارع الرشيد التاريخي الى واجهة الاحداث مجددا، بعد ان ابدى قيادي في ائتلاف دولة القانون، الاحد 31 اذار 2019 ، اعتراضه على اسم الشارع الذي يشير الى الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي يكن له الشيعة البغض لانه قتل امامهم موسى الكاظم بالسم، بحسب الروايات الشيعية.

الشارع الذي لعب أدوارا سياسية واقتصادية وسياحية مهمة، يعاني الإهمال منذ عقود، وفق الصحافي والباحث حسن العلوي الذي يقول في 4 آذار/مارس 2019  ان اهمال شارع الرشيد كان مقصودا منذ حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي تعمّد تهميش الشارع كونه رمزا من الحقبة الملكية.

على المستوى الشعبي، فان دعوات تنادي باعمار الرشيد، فيما راحت حملات تنظيف متواضعة في 14 آذار/مارس 2019 تلفت الانتباه الى الشارع، كتلك التي قام بها طلاب جامعيون.

رفع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في 7 كانون الثاني/يناير، قيود حركة السير عن أقدم شوارع العاصمة العراقيّة، شارع الرشيد، المحاذي لنهر دجلة، والذي تمّ افتتاحه في عام 1916 خلال العهد العثمانيّ، قبيل الحرب العالميّة الأولى. فيما أعلنت قيادة عمليّات بغداد في 20 كانون الثاني/يناير عن إكمال افتتاح الشارع أمام المرور، بعد غلق دام أكثر من 15 عاماً، منذ عام 2003 بعد الاجتياح الأميركيّ للعراق.

وتكمن أهميّة الحدث في أنّ العراقيّين ينظرون إلى الشارع كشاهد على تاريخهم الحديث وازدهار بلدهم تجاريّاً وثقافيّاً على مدى قرن منذ تأسيس الدولة العراقيّة في عام 1921، حيث “تحوّل الشارع إلى رئة اقتصاديّة وثقافيّة وسياحيّة للعاصمة بغداد”، وفق أمين الشؤون الثقافيّة في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق علي حسن الفوّاز الذي أكّد أيضاً لـ”المونيتور” “الحاجة إلى إعادة إحياء هذا الشارع، لأنّ صناعة المدن هي صناعة المستقبل، الأمر الذي يجعل العناية والاهتمام بالحواضر التاريخيّة فيها ذات أهميّة من خلال العمل على تبنّي سياسات استراتيجيّة تقوم على التنظيم والتخطيط، وتجعل الأمكنة جزءاً من الهويّة الوطنيّة”.

ورأى علي حسن الفوّاز أنّ “شارع الرشيد هو واحد من أبرز العلامات في بغداد، وشاهد على التحوّل الذي شهدته المدينة في العصر الحديث، إذ كان في الماضي فضاء للعلامات التجاريّة من أرقى الشركات العالميّة، مثلما كان حاضناً لدور السينما والمسرح والمجلس الثقافيّ والمتاجر العالميّة الخاصّة بالساعات والملابس والأجهزة الكهربائيّة”.

واقترح “تحويل شارع الرشيد من بدايته عند شارع أبي نؤاس إلى ساحة الميدان، إلى مدينة ثقافيّة، والتعاقد مع شركات معنيّة ومتخصّصة بالعمران التراثيّ والاستثمار الثقافيّ، والعمل على تخصيص إدارة متخصّصة، بعيداً عن الإطار الحكوميّ وبيروقراطيّته”.

ومن أبرز المعالم التاريخيّة، التي تمثّل رموزاً ثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة، المدارس والخانات القديمة المهدّدة بالزوال، والمكتبات مثل المتنبّي، ومبنى القشلة الذي كان مقرّاً لحكّام بغداد، والمدرسة الرشيديّة العسكريّة وخان المدلّل. ويضمّ الشارع أقدم مساجد بغداد، مثل الحيدرخانة (1819 ميلاديّاً) والمرادية والأحمديّة (1759 ميلاديّاً). كما اشتهر الشارع بمقاهيه ذات الماضي الطويل، مثل “حسن عجمى” والزهاوى” وأمّ كلثوم”، وافتتح معظمها في بدايات القرن العشرين، وكلّها كانت ملتقى للأدباء والفنّانين والمطربين والشخصيّات الاجتماعيّة والسياسيّة. كما شهد الشارع أحداثاً سياسيّة مهمّة في تاريخ العراق الحديث، إذ أقامت القوّات البريطانيّة التي دخلت العراق قبل أكثر من مائة عام، استعراضها العسكريّ الأوّل فيه خلال عام 1923. وشهد أيضاً تظاهرات واحتجاجات سياسيّة تاريخيّة، إضافة إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق عبد الكريم قاسم، في عام 1959، على يدّ صدّام حسين، الذي أصبح رئيساً للعراق في ما بعد.

مشروع تطوير شارع الرشيد في الواقع ليس بجديد، فمنذ عام 2014 دعت أمانة بغداد، 12 شركة عالميّة متخصّصة في مجال الإعمار لتأهيله، فيما وعد أمين بغداد السابق صابر العيساوي عبر وسائل الإعلام، في 21 أيّار/مايو من عام 2011، بأن يكون شارع الرشيد، مركز بغداد الثقافيّ، من خلال إحياء الاحتفالات فيه، بعد أن تمّ التعاقد مع إحدى الشركات الأجنبيّة الاستشاريّة بمبلغ 7 ملايين دولار لوضع تصاميم الأبنية التراثيّة.

وأكّد عضو مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي لـ”المونيتور” أنّ “مشاريع تطوير شارع الرشيد لم تتكلّل بالنجاح، بسبب الظروف الأمنيّة والسياسيّة التي مرّ بها العراق في السنوات الماضية”.

وكشف عن أنّ “مشروع التطوير من مهمّة أمانة بغداد لا حكومة العاصمة، وهي عازمة على إعادة إعمار الشارع، بعد تجاوز أحد أبرز المشكلات، وهي أنّ العقارات والأبنية بغالبيّتها تعود إلى مواطنين، وليس إلى الحكومة، ويجب التعاقد معهم، حول إعادة إعمار الأبنية لا سيّما مظهرها الخارجيّ، فضلاً عن تنظيم حركة العمل والتجارة في الشارع، وإبعاد المهن التي تضرّ ببيئته ولا تنسجم مع طبيعته التراثيّة والثقافيّة، حيث يتطلّب ذلك إجراءات قانونيّة، قبل أيّ إجراء”.

وكشف المتحدّث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة في حديث لـ”المونيتور” عن “وجود خطّة شاملة وضعتها لجنة التخطيط الاستراتيجيّ لإصلاح الخراب الذي خلّفه إهمال الشارع منذ بدء حروب العراق في ثمانينيّات القرن الماضي”، مشيراً إلى أنّ “الخطّة وضعت في عام 2007 لإعادة إعمار البنى التحتيّة وتجديد الأبنية بطريقة عصريّة تحافظ على العناصر التاريخيّة والرموز التراثيّة فيها بإشراف مكاتب استثماريّة في الهندسة المعماريّة. ولقد أنجز من الخطّة حوالى الـ20 في المئة، وهي تشمل ترميم واجهات الأبنية من خلال ضوابط ومحدّدات تصميميّة تحاكي هذا الشارع التراثيّ ونسخ الواجهات الموجودة التراثيّة”.

وأوضح حكيم عبد الزهرة أنّ “أحد أسباب تأخّر المشروع، الظروف الأمنيّة الصعبة التي مرّت فيها بغداد، إذ أنّ إغلاق الشوارع من قبل الجهات الأمنيّة يعرقل أعمال البناء والترميم ويصعّب دخول الآليّات المخصّصة لذلك”.

يتزامن الاندفاع إلى حسم تطوير شارع الرشيد، مع إطلاق وزارة الثقافة والسياحة والآثار، في 17 كانون الثاني/يناير من عام 2019، الحملة الوطنيّة لحماية التراث العمرانيّ في بغداد، التي تتضمّن توثيق كلّ الأبينة التراثيّة وتحديث بياناتها كافّة.

وكشف مدير إعلام وزارة الثقافة والمتحدّث الرسميّ باسمها عمران العبيدي لـ”المونيتور” عن “شمول الشارع بحملة حماية التراث العمرانيّ في بغداد، بالتنسيق مع أمانة بغداد وهيئة الآثار، حيث تعمل فرق فنيّة من خبراء الآثار والمهندسين المعماريّين على دراسة حالة الأبنية والمرفقات والمعالم التراثيّة والثقافيّة، ويشمل ذلك المناطق المرتبطة بشارع الرشيد أيضاً”.

بغداد، التي تحمّلت أعباء الحرب الطائفيّة وما رافقها من أعمال تفجير بالمفخّخات لسنوات طويلة تسبّبت في غلق الشوارع بالكتل والجدران الخرسانيّة، ربّما تجد الفرصة سانحة اليوم بعد طرد تنظيم “داعش” من البلاد واستتباب الوضع الأمنيّ، لإعادة إحياء مراكزها الاقتصاديّة والتجاريّة ومعالمها الثقافيّة، لتتبوّأ من جديد مركزها بين عواصم الدول العربيّة.

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

عدنان أبو زيد

كاتب وصحافي عراقي، حاصل على درجة في الهندسة التكنولوجية من العراق وعلى شهادة البكالوريوس في تقنيات وسائل الإعلام من هولندا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com