مقالات

عبد الحسين شعبان في “داله ومدلوله” ضوء سلام عادل ودوره في الحركة الشيوعية

في البدء لا بدّ من الإشادة بما كتبه ويكتبه الدكتور عبد الحسين شعبان من كتب موسوعية في مواضيع متنوّعة سياسية واقتصادية وفلسفية وحقوقية وثقافية تشكل إسهاماً في رفد المكتبة العراقية والعربية.

حيث بلغ عدد إصداراته ما يزيد عن 70 كتاباً ومؤلفاً، صب فيها عصارة أفكاره ووجهات نظره وتجربته الغنية مطعّماً إياها بالمعلومات القيّمة، تلك التي يستقيها من مصادرها المختلفة فيخضعها للتحليل والنقد في مسيرة طويلة ومضنية في البحث عن الحقيقة. ولعل مثل هذا العمل الفكري الجاد والمسؤول يساعد القراء من الأجيال الشابة ليعرفوا تاريخ العراق الحديث وحركته الوطنية واليسارية بشكل خاص، لكي تكتمل الصورة من جوانبها المختلفة لمن يريد البحث  والتقصّي.

 ​والإصدار الأخير ونعني به كتابه عن ” سلام عادل – الدال والمدلول” الذي وقّعه في معرض بغداد للكتاب وفي احتفالية كبرى في نادي العلوية مع ندوة أقيمت عنه، يأتي بمناسبة الذكرى الـ 56 لاستشهاد سلام عادل الذي يمثل شخصية تاريخية لعبت دوراً مهماً في تاريخ العراق الحديث والحركة الشيوعية على النطاق العربي.

​ولد خالد الذكر حسين أحمد الرضي المكنّى بسلام عادل في مدينة النجف عام 1924 على الأرجح من عائلة دينية ودرس وتخرج من دار المعلمين الابتدائية وانتمى إلى الحزب العام 1944 وتعرّف على قائد الحزب يوسف سلمان يوسف (فهد) وتبوء مراكز قياديةعديدة منها قيادة المنطقة الجنوبية التي شملت البصرة والعمارة والناصرية ثم تبعها بقيادته للجنة بغداد وبعدها للجنة الفرات الأوسط ثم أصبح أمينا عاماً للحزب العام 1955.

​خلال عمله اعتقل وفصل من وظيفته وعمل عاملاًومارس مهماته الحزبية في العمل السري، وتزوج من ثمينة ناجي يوسف وهي رفيقته وشريكة حياته وأنجبت منه بنتان وولد (إيمان وعلي وشذى) ، وقد عرض الدكتور شعبان أهم محطات حياته وسجاياه الشخصية ومواقفه المبدئية وخلافاته مع عدد من المسؤولين القياديينالبيروقراطيين الذين سبقوه مثل مالك سيف وحميد عثمان، ليصل إلى قصة استشهاده المثيرة بعد انقلاب الثامن من شباط عام 1963 في قصر النهاية  السيء الصيت.

​وعلى الرغم من اطلاعنا على تاريخ سلام عادل ودوره، لكنني اكتشفت في مطالعتي للكتاب قضايا كثيرة تستحق التوقف عندها فقد عالج الباحث مشكلات الحزب والتحديات التي واجهته والأخطاء التي وقع فيها وما تعرّض له من تصفيات وإبادات بموضوعية وله وجهات نظره الخاصة، ولاسيّما ما حدث في الموصل وكركوك ومن عمليات هيمنة على الشارع والإرهاب الفكري في العام 1959 كما يسمّيه، وكان يدعم وجهات نظره بالوثائق والشهادات والحوارات مع قيادات شيوعية، إضافة إلى معايشته وتجربته الشخصية، وهو ما أضفى على الكتاب حيوية، لاسيّما وقد حاول إظهار الوجه العروبي للحزب عبر وثائق الكونفرنس الثاني العام 1956 وكذلك عبر وثيقة رد على أفكار برجوازية تصفويةالعام 1957 التي كتبها سلام عادل أو أشرف عليها كما يقول، وذلك رداً على بعض التوجهات الخاطئة لدى بعض الشيوعيين الأكراد.

​وقد أبرز المؤلف الشخصية الاستثنائية والمبدئيةالعالية والشجاعة النادرة والمؤهلات القيادية التي تمتع بها سلام عادل دون أن ينسى أخطاء تلك الفترة والتحديات التي واجهها، خصوصاً بعد ثورة 14 تموز، والصراعات الجانبية التي أنهكته، إضافة إلى ظروف موضوعية منها على المستوى الدولي: الصراع الصيني- السوفييتي ثم الصراع بين جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم، وانعكاسات ذلك على الصراع بين الشيوعيين والقوميين ، واندلاع الحركة الكردية والالتباس في الشعارات والصراع مع قاسم بين التأييد والتنديد.

​ويُبرّز الكاتب دور سلام عادل الجامع والموحّد والمقرّب بين الرفاق لتحقيق وحدة الحزب على أساس مبدئي وإنهاء الانقسامات والانشقاقات التي نخرت كيانه وأضعفته، خصوصاً انشقاق راية الشغيلة، إضافة إلى انشقاقات أخرى، وقد تمكن سلام عادل بصبره وحكمته وبالتنازلات المتبادلة وبالاستعانة بالأشقاء ولاسيّما الحزب الشيوعي السوري والرفيق خالد بكداش إنهاء الانشقاق واستعادة وحدة الحزب دون شروط مسبقة، دون أن ينّزه أحد من الأخطاء والنواقص والإجراءات البيروقراطية بما فيها قيادة القاعدة الجسم الأساسي للحزب.

​لقد أسهم سلام عادل في بناء الجبهة الوطنيةوسخّر كل إمكانات الحزب لقيامها لأن عقله الاستراتيجي كان منصبّاً على أن نجاحها سيقرّب من نجاح الثورة، وهكذا تشكلت جبهة الاتحاد الوطني العام 1957 وتألفت من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الكردستاني ،الذي نظم الحزب معه اتفاقاً خاصاً بسبب معارضة الأحزاب الأخرى لانضمامه، إضافة إلى الحزب الشيوعي. وكان هدف سلام عادل إنهاء هيمنة المستعمر البريطاني واستغلاله لثروات العراق ، وإلغاء المعاهدات مع بريطانيا وأمريكا والقواعد العسكرية في الحبانية والشعيبة. 

​وعند نجاح الثورة تشكّلت أول حكومة ضمت وزراء من المشتركين في الجبهة ما عدا الحزب الشيوعي العراقي ،واتخذت خطوات لتعزيز الاستقلال الوطني ، وتم إعلان الجمهورية العراقية وإنهاء الملكية. ومن إنجازاتها الخروج من حلف بغداد ، والانسحاب من نظام الكتلة الإسترلينية وتحرير العملة العراقية وسن قانون الإصلاح الزراعي ، وقانون الأحوال الشخصية وإعطاء المرأة حقوقها ، والبدء بالتفاوض مع شركات النفط الاستعمارية لاستعادة حقوق العراق الذي تجسّد في سن قانون رقم 80 لعام 1961.                                

​       

​أضاء الباحث موقف سلام عادل من القضية القومية معتبرا أن حركة الانبعاث القومي العربي “حركة تقدمية ديمقراطية”، وهنا أريد الإشارة إلى موقف فهد من قضية فلسطين برسالته من السجن بعد صدور قرار التقسيم عام 1947 التي ورد فيها : إن موقف الاتحاد السوفيتيكان بسبب الأوضاع والمؤامرات والمشاريع الاستعمارية المنوي تحقيقها في البلاد العربية وفي العالم، فالمهم في الموضوع هو وجوب إلغاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبية عن فلسطين وتشكيل دولة ديمقراطية مستقلة كحل صحيح للقضية، ومن واجبنا أن نعمل بذلك حتى النهاية، وإذا لم نتمكن بسبب مواقف رجال الحكومات العربية ومؤامراتهم مع الجهات الاستعمارية، فهذا لا يعني أننا نفضّل حلاً آخر على الحل الصحيح ونرى من الأدق أن تتصلوا بأخواننا في سورية وفلسطين وتستطلعوا رأيهم في تحديد الموقف .ولكن للأسف فثمة تداخلات عديدة دفعت الأمور باتجاه آخر.

​و أستذكر هنا عند صعود الخلاف الصيني – السوفييتي، وزعت قيادة سلام عادل كراس بالم دات سكرتير الحزب الشيوعي البريطاني الموسوم إلى أين تسير الصين؟ وكان ذلك بمثابة انحياز إلى الموقف السوفيتي اتجاه الصين بعد نقاشات عديدة آنذاك.

​ولسلام عادل موقف متميز من القضية الكردية التي اعتبرها الوجه الآخر للقضية القومية العربية فأكّد على حقهما في الوحدة وتقرير المصير وعلى الجانب الملموس أكّد على الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الكردي . وقد صاغ الحزب شعاره في الستينات تحت عنوان ” السلم في كردستان” بعد اندلاع القتال ومن ثم شعار “الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان العراق”.                                            

​وإذا كانت الصراعات قد أنهكت الحركة الوطنية فإن الجميع أخطأ وكان عليهم مناقشة أخطاء الماضي بروح التسامح والعمل المشترك والأهداف المشتركة ، خصوصاً وأن العراق وقع تحت الاحتلال بعد حكم دكتاتوري طويل الأمد، أما الذين مارسوا التعذيب وقاموا بالارتكابات فلا يكفي أن يقولوا اليوم أنهم مسؤولون عما حصل وإنما عليهم تحديد مسؤولية وصول البلاد إلى ما وصلت إليه ابتداء من التعاون مع الجهات الأجنبية وشركات النفط والمجازر التي ارتكبت وصولاً إلى الاعتذار لدم الشهداء وفي مقدمتهم سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد حسين أبو العيس وعبد الرحيم شريف وجورج تلو ونافع يونس وغيرهم.

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com